بأجواء ملبدة، عقد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة، والمجلس الروسي للشؤون الدولية، الاجتماع الأخير في سلسلة اجتماعات الخبراء نهاية عام 2017 في موسكو، وأجمع المشاركون على أن الحالة الراهنة للعلاقات الثنائية بين البلدين تواجه خطر الانحدار أكثر من ذي قبل، فالولايات المتحدة ترى أن أزمة أوكرانيا تسببت بتراجع العلاقات، في حين يرى الروس أنها نتيجة عدم اعتراف أمريكا بأمن روسيا منذ نهاية الحرب الباردة، بالإضافة إلى تأزيم إدارة ترامب للعلاقات مع موسكو.
وعلى الرغم من أن العديد من المتخصصين الأمريكيين يرون أن سياسة إدارة ترامب لا يمكن توقعها، لايزال انعدام ثقة روسيا بالولايات المتحدة قائماً، حتى اختزل بعض الروس الغضب الأمريكي على أنه عنصر معارضة سياسية للرئيس دونالد ترامب.. في جميع الأحوال، هذه الديناميكية السلبية تأثرت أيضاً بسياق أوسع بديناميات القوة العالمية المتغيرة، والتي تتأثر بدورها بالتفاعل بين هاتين القوتين العظميين، وأفعالهما في جميع أنحاء العالم.
وفي الوقت الذي نشهد فيه تغييرات كبيرة، سيكون من مصلحة الولايات المتحدة وروسيا أن تتعاونا في التفكير من خلال الرد على التحديات الجديدة العابرة للحدود، من تطور الاقتصاديات بعيداً عن العمالة الصناعية نحو الأتمتة، وصولاً إلى تأثير الهجرة، والآثار المترتبة على التغيير الثقافي، وبالإضافة إلى ذلك ، افترض أعضاء المجموعة أن الولايات المتحدة وروسيا توسعان دائرة حدود ما يمكن لهما أن يفعلا في العالم، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على تلك المعايير التي لاتزال قائمة بينهما،
وبناء على ذلك ما الذي يمكن القيام به، سواء من قبل الحكومات أو من قبل أعضاء جماعة الخبراء للمساعدة في ضمان أمن الدولتين، وتفادي التصعيد؟.
لقد برزت خلال المناقشات ثلاثة تحديات رئيسية:
– التصور الروسي الذي يقوم على فكرة أن النظام الأمني الحالي في أوروبا يهدد أمنها.
– الأزمة في أوكرانيا.
– الأزمة حول التدخل السياسي/ الانتخابي.
وهذا لا يعني أنه لا توجد مسائل أخرى تتسم بأهمية حاسمة لرفاهية البلدين وأمنهما، بما في ذلك حل الصراع المستمر في سورية، إضافة إلى التهديدات التي يشكّلها التطرف والعنف، والحد من التسلّح، وقدرة البلدين على الاستجابة لاحتياجات الرعاية الصحية الخاصة بكل منهما، والتنسيق من أجل الصحة العالمية، ولكن في ظل غياب حل العوامل الثلاثة المذكورة أعلاه، فإن أي تنسيق وتعاون، حتى فيما يتعلق بأهم هذه الموضوعات، سيكون موضوعاً محدداً، وسيظل رهينة للتوترات الكامنة في العلاقة.
ولم يكن فريق الخبراء متفائلاً بأن العوامل التي تشكّل مثل هذه التحديات يمكن حلها بسرعة، ومع ذلك فإن النهج الذي يعترف بالحاجة إلى المضي قدماً على عدة جبهات نال حظوة لدى المجموعة، وفي هذا السياق أكد المشاركون على نهجين عامين على وجه التحديد:
1- أوصت المجموعة بتوثيق التنسيق في المجالات التي تكون فيها الأهداف والمعايير السیاسة واضحة، وبمتابعة مسار المشاركة الثنائية الذي يتخذ شكل فرق عاملة للخبراء تشتمل على اختصاصيين، ومن بينهم عدد من كبار المسؤولين السابقين القادرين على إيجاد خيارات للسير قدماً في هذا المسار، ويمكن لهذه المجموعات أن تقدم الخبرة والمعرفة، وتعمل كقوة مضاعفة للحكومتين، ويمكن أن تكون هذه الجهود ثنائية فيما يتعلق ببعض المسائل مثل الحد من التسلّح، وأن تكون متعددة الأطراف بالنسبة للمسائل الأخرى مثل الأمن الأوروبي.
2- يمكن لعملية المسار الثنائي أن تدعم المشاركة الحكومية العملية، سواء في المجالات التي يمكن فيها اتخاذ القرارات على هذا المستوى، أو بالمساعدة على تطوير توصيات واضحة لكبار صانعي القرار في المجالات التي لايزال فيها الكثير مما يجب عمله، مثل وضع آليات لمنع التدخل غير القانوني، وتحديد هذا التدخل لكل منهما في العمليات السياسية المحلية للطرف الآخر، ووضع خارطة طريق لتعزيز أمن الدولتين “السيبراني” على حد سواء، وتنسیق الدروس المستفادة من سیاسة ونهج الرعایة الصحیة في مجال الصحة العالمية، ویمكن أن یساعد المجموعات العاملة في المسار الثاني، وأوراق العمل المشتركة المقدمة من قبل الخبراء في إرساء أسس مزید من التعاون.
وتمكن المشاركون أيضاً من تحديد بعض مجالات الاتفاق، (وكذلك الخلاف) في كل مجال من مجالات القضايا التي تمت مناقشتها، وعلى الرغم من الخلافات المستمرة فيما يتعلق بمعاهدة الحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى (INF)، اتفق المشاركون عموماً على ضرورة المحافظة على المعاهدة، لأن الفشل في القيام بذلك يمكن أن يقوض، وعلى نطاق أوسع، عملية الحد من الأسلحة، وفي حين أثار البعض أسئلة بشأن التزام الولايات المتحدة بالحد من الأسلحة بشكل أكبر في المستقبل، رأى الأعضاء المجتمعون أنه ينبغي تمديد معاهدة ستارت الجديدة، والاتفاقات المقبلة لزيادة الحد من القدرات التي يتم السعي إليها.
ومن أهم المواضيع التي لم يتم التوصل إليها بين البلدين حل مشكلة “داعش”، ومشكلة الإرهاب بشكل عام، لأن نهاية الحرب المباشرة قد تؤدي إلى تفاقم المشاكل في روسيا، وفي أماكن أخرى من أوروبا، وفي أفريقيا، مع مغادرة المقاتلين الشرق الأوسط، وهنا تظهر تجربة روسيا بمكافحة الإرهاب في سورية أنه بإمكان روسيا والولايات المتحدة التنسيق في هذا المجال، لأنه يوفر شيئاً للبناء عليه في المستقبل، ومن أجل التوصل إلى تسوية تبشّر بتحقيق الاستقرار، يجب على روسيا والولايات المتحدة اللتين ستظلان فاعلين مهمين، الوصول إلى قواسم مشتركة حول العديد من المسائل الرئيسية، لاسيما ما يتعلق بالأدوار التي ستلعبها الأطراف المختلفة.
واتفق المشاركون على أنه يمكن أن يضطلع فريق العمل ثنائي المسار بدور هام في تحديد وتعيين المفاهيم الأساسية الأولى، وما هي الآثار المحتملة، والأدوار التي يمكن أن تلعبها الولايات المتحدة وروسيا، وقد يكون التبادل الرسمي للمعلومات المتعلقة بالمقاتلين الأجانب، (بما في ذلك الأكثر أهمية بالنسبة لروسيا للقادمين من آسيا الوسطى والقوقاز) ممكناً، ويخدم المصالح المتبادلة.
وبينما تسعى الولايات المتحدة للحد من دورها، اتفق المجتمعون على أن العمليات التي تقوم بها دعماً لعملية نورماندي التي تشمل روسيا، وأوكرانيا، وألمانيا، وفرنسا، يمكن أن تكون مفيدة، وكانت المجموعة مؤيدة أيضاً بحذر للمفهوم الواسع لحفظ السلام، على الرغم من أن هناك العديد من الأسئلة التي لاتزال مطروحة فيما يتعلق بكيفية إحراز تقدم حقيقي، غير أن عدة مشاركين روس أكدوا الحاجة إلى ربط تسوية أزمة أوكرانيا بصورة أكثر مباشرة بسبل التقدم على نطاق أوسع بقضايا الأمن الأوروبي، سواء من خلال منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أو عن أي طريق آخر، وأن يبقى الاتفاق بين الناتو وروسيا قائماً.
وأخيراً اتفق المجتمعون على أنه من غير المحتمل أن تكون روسيا والولايات المتحدة شريكين وثيقين، فكل من البلدين يتطلع إلى ردع واحتواء الآخر، ويرى في سياسات وأفعال البلد الآخر تهديداً، ما يجعل التعاون وحل النزاع أكثر أهمية من السعي للاحتواء، وهذا التعاون يتطلب المزيد من الاتصال، ووضع إطار للعلاقات، بما في ذلك بين الدبلوماسيين على جميع المستويات.
– أولغا أوليكر كبير المستشارين، ومدير برنامج روسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
– أندري كورتونوف المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية في موسكو.
