مع صدور المزيد من المؤشرات على اتساع الفجوة بين الحليفين الأمريكي والتركي، تواصل الدراسات الأمريكية والغربية رصد الحالة، وعلى الرغم من محاولات الطرفين الزعم بأن لا شيء يعكر صفو العلاقة إلا أن ثمة ما يشير إلى عكس ذلك.
الكاتب شكوروهان أوغلو أستاذ الشؤون الخارجية بقسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون، اعتبر في دراسة له تناولت “مستقبل التحالف الأمريكي التركي” ونشرتها مجلة National Interest بعنوان: “Turkey and Alliance Fatigue” أنه مع استمرار اتهام السياسيين الأتراك لواشنطن بدعم محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016، فإن مرحلة توتر شديد بين علاقات البلدين ما تزال قائمة.
وعلى الرغم من تصريح رئيس النظام التركي “رجب طيب أردوغان” مؤخراً بأنه يرغب ببداية جديدة للعلاقات بين البلدين، إلا أن محادثات البلدين كشفت عن خلاف واسع بينهما، وبالعودة إلى وضع سابق، فقد تأزمت العلاقات بين البلدين بعد إصدار السلطات الأمريكية أوامر بالقبض على اثني عشر شخصاً من مرافقي إردوغان الأمنيين خلال زيارته لواشنطن وعلى خلفية قيامهم بالاعتداء على محتجين، الأمر الذي استدعى مطالبة السيناتور الأمريكي جون ماكين “رئيس لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ” إلى طرد السفير التركي من واشنطن.
والواقع أن كل المؤشرات تشير إلى أن هذا التحالف محكوم عليه بالفشل مقارنة بمنظور تاريخي للتحالفات التركية في السابق، ومنها التحالف الأنجلو-عثماني، حيث تبرز الدراسات التي تناولت المسألة أن ثمة تشابهاً كبيراً بين الأسباب التي أدت إلى انهيار التحالف الأنجلو – عثماني والتحالف الحالي، وأنه مع مرور الوقت سينهار هذا التحالف مثلما حدث بالماضي.
ثمة مؤشرات أخرى، ومنها أن التحالفات القائمة على مبدأ مواجهة التهديدات الخارجية، تتدهور مع انخفاض مستوى التهديدات وق تزول بزوالها، وقد لا نفاجئ إن تحول طرفي التحالف إلى متنافسين وظهرت بينهما حالة صراع استناداً إلى توجه كل منهما نحو عامل تهديدات خارجي له الأولوية على العامل الحالي الذي يجمعهما.
ودعونا نذكر بأن التحالف الأنجلو-عثماني كان قد تأسس زمن الحرب الباردة، وعلى مبدأ مواجهة الكتلة الشيوعية والاتحاد السوفيتي، وبهدف احتواء تمدد الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط، ومواجهة الأسطول السوفيتي في البحرين الأسود والمتوسط، إضافة إلى إقامة قواعد عسكرية تتيح للولايات المتحدة استخدامها بهدف مهاجمة الإتحاد السوفيتي، وكان مصالح الطرفين الأمريكي والتركي آنذاك مصالح متبادلة، حيث عملت تركيا على حماية دول الخليج النفطية، مقابل استفادة أنقرة من الحماية الأمريكية.
لكن مع مرور الوقت وانتهاء الحرب الباردة والتحول الذي برز في العلاقات الدولية والصراع على كيفية إدارة الأزمات الدولية، فقد نشب الخلاف بين الحليفين التركي والأمريكي، وبرزت أسباب تدعو إلى فك هذا التحالف ومن بينها، اختلاف الثقافات بين طرفي التحالف، وخاصة حول نظم الحكم، واتهام واشنطن للنظام التركي بأنه استبدادي، إضافة إلى انتهاك النظام التركي المستمر لحقوق الإنسان، والتنافس الإقليمي بين الحليفين، وخاصة بعد انخفاض مستوى التهديد المتماثل لكليهما والتباعد الجغرافي، وتباين المصالح حول مناطق النفوذ.
وبينما يعتقد صنّاع القرار التركي بأن التدخل الأمريكي في الصراعات الإقليمية سيزيد من متانة التحالف بينهما، وسيطلق يد تركيا أكثر في الداخل التركي والخارج المحيط بها، إلا عكس ذلك هو ما يحدث، وقد صدرت الكثير من الدلائل التي كشفت أن الخلافات إلى تزايد بينهما، وأن واشنطن لم ترسم سياساتها الإقليمية بما يتفق تماماً مع المصالح التركية، وأتى الموقف الامريكي الداعم لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016، واتهام السياسيين الأتراك – بمن فيهم أردوغان- للولايات المتحدة بدعم منفذيه، ليكشف عن فجوة كبيرة بينهما.
مع ذلك، قد يعدي الطرفان الأمريكي والتركي أن علاقاتهما بخير، وقد يوهمان المتابعين بأن تحالفهما ما يزال قوياً، إلا أنه استناداً إلى قراءة الخبرة التاريخية المتراكمة عن التحالف الأنجلو-عثماني، فإن تحالفهما سينهار لكن ليس الآن.
وسبب ذلك أن الولايات المتحدة تريد من تركيا أن تكون دولة مطواعة أكثر في تنفيذ ما يطلب منها، وأن واشنطن تراقب علاقات تركيا مع الصين وروسيا، وخططها بالانتقال من شريك حوار في منظمة شنغهاي للتعاون إلى عضو بالمنظمة.
هذا يعني أن التحالف الأمريكي-التركي الذي تأسس وفق مبدأ مواجهة تهديد خارجي مشترك هو الاتحاد السوفيتي، أضحى هشّاً وقابلاً للكسر وخاصة مع انعدام حالة الثقة بين الطرفين.
المقال السابق
المقال التالي