قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في الثالث عشر من نيسان 2018 : “لقد عادت الحرب الباردة مرة أخرى ، لكن مع وجود فرق، إن الآليات والضمانات التي كانت موجودة لمنع التصعيد في الماضي لم تعد موجودة على ما يبدو.
يضاهي التكرار المميت للروسوفوبيا هوس محاكمات السحر في سالم قبل عدة قرون، وأمراضِ المكاريثية في الولايات المتحدة الأمريكية في خمسينيات القرن الماضي.
في عام 1692 تم إعدام أربع عشرة امرأة وخمسة رجال وكلبين بتهمة السحر في مستعمرة خليج ماساتشوستس، وعلى الرغم من أننا لن نعرف أبدًا العدد الدقيق للمتهمين بارتكاب أفعال الشر، الخبث، والجنايات” في السحر والشعوذة. في مكان ما تم تسمية بين مائة وأربعة وأربعين ومئة وخمسة وثمانين من الساحرات في خمسة وعشرين قرية وبلدة، لم يتجاوز أصغرهم الخمس سنوات وكان أكبرهم سناً في الثمانين من العمر. أزواج تورطت زوجاتهم وابناءهم واخوتهم وامهاتهم. … القليل من التحقيق في موضوع ممارسة السحر على غرار ما قام به “كوتن مارز” ، الذي دخل هارفارد في الحادي عشر من العمر وعظ وعظتة الأولى في السادسة عشر من عمره. كان يعلم أن العالم الخفي موجود في مكان ما. وقال إنه لن يتخلى عن أي أداة لاظهار قدرته.
اليوم مااشبه طقوس مجلس الأمن الدولي بالحماقة التي كانت تتم ممارستها لصيد الساحرات في سالم، ماساتشوستس منذ مئات السنين. إنها مطاردة ساحرة ، ووفقا لأحد عشر عضواً في مجلس الأمن، فإن مسقط رأس حضانة هؤلاء السحرة هو روسيا (وكوريا الشمالية). يصف السفير الروسي نبينزيا جو الهستيريا واللاعقلانية والشيطنة التي تغلب على أغلبية أعضاء مجلس الأمن على أنها “هوس جماعي”. و يتعذر على العقل الوصول إلى هذا السلوك البدائي.
أهدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للمرة الثانية منذ الخامس من نيسان، ولغاية 18 نيسان وقته في مزاعم بريطانيا العارية عن الصحة بأن روسيا مسؤولة عن تسمم سيرجي ويوليا سكريبال بغاز الأعصاب في ساليزبري في الرابع من آذار. بطبيعة الحال ، حيث أن سيكريبال ويوليا يتعافيان فالقضية برمتها تشبه المسرح العبثي،إلا أنه مرة أخرى، تم تلطيخ وتشويه سمعة روسيا واتهامها بحجج واهية مهينة.
أصبح من الواضح أن بريطانيا تهدف إلى إقناع مجلس الأمن بالتقيد التام بالتعامل مع سكريبال وكررت في 5 أبريل و 18 أبريل أنه :
“عقب تسمّم سيرجي ويوليا سكريبال في سالزبوري في الرابع من آذار ، أطلقت بريطانيا تحقيقاَ من أشمل وأعقد التحقيقات التي أجريت على الإطلاق حول استخدام سلاح كيميائي، وضم التحقيق أكثر من 250 محققاً مدعومين من قبل مجموعة من الخبراء المتخصصين والشركاء، يقومون بمراجعة أكثر من 5000 ساعة من لقطات تلفزيونية مغلقة ويدققون بأكثر من 1300 معروض تم ضبطه ويجرون مقابلات مع أكثر من 500 شاهد “.
مع ذلك، فإن السرودات المتكررة لبريطانيا، بدلاً من تسليطها الضوء على حقوق الإنسان، تكشف عن الإهمال الجنائي لحقوق الإنسان داخل المملكة المتحدة، فقد قُتل 80 مواطناً على الأقل أثناء الحريق الذي نشب في برج غرينفيل السنة الماضية.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز:
في “التحقيق في حريق لندن، احتجت الشرطة بالقتل عن غير عمد: أخبرت الشرطة البريطانية التي تحقق في الحريق الذي وقع في برج غرينفيل وخلف ما لا يقل عن 80 قتيلاً – الناجين أن هناك” دواع معقولة للاشتباه “فقد تكون المنظمات التي تدير المباني المرتفعة ارتكبت قتل عن غير عمد … بدأ الحريق غرينفيل في الطابق الرابع من البرج وانتشر في المبنى. وأصبح الحريق أزمة سياسية ورمزًا لعدم المساواة في أحياء الأغنياء بعد أن وجد أن كسوة البناء المستخدمة في الجزء الخارجي من المبنى قابلة للاشتعال. تم اختبار أكثر من 100 مبنى آخر في المدينة ووجد أنها مغلفة بمواد مشابهة، كان العديد من الناجين غاضبين ومحبطين لما رأوه من استجابة بطيئة وأداء غير متكافيء من مجلس الحكومة المحلية في إعادة توطينهم وتعويضهم. دفع الغضب، الذي تحول إلى احتجاجات، الحكومة إلى التدخل وبدأت الشرطة أيضًا تحقيقًا جنائيًا “.
في حين أنه لم يكن لروسيا أي دافع لارتكاب أي هجوم ضد سكريبال، أو أي من الجواسيس الذين قضوا فترات سجنهم بالكامل ثم تم إطلاق سراحهم. وعلى النقيض من ذلك، فإن روسيا قبل الانتخابات واستضافة كأس العالم سيكون لها كل الأسباب لتجنب أي إجراء من شأنه أن يلقي بظلاله على بلدهم أو يسيء من سمعتها بأي شكل من الأشكال.
بالنظر إلى مدى قسوة مشروع بريطانيا الذي يحمّل روسيا المسؤولية عن التوجس المريب لتسميم سكريبال، فإن التناقض الفاضح بين إهمال المملكة المتحدة لوفاة مايزيد عن 80 مواطناً بريطانياً في برج غرينفلد وتركيزها على سيكريبال، بالإضافة إلى التكرار البريطاني المفرط و غير المؤكد باتهام روسيا باستخدام الأسلحة الكيميائية في حادث سكريبال لابد أن يكون لها دافع آخر بالكامل.
في الواقع هذه المناورة التي تقوم بها بريطانيا، هي محاولة “لترويع” الحكومة الروسية، “في دائرة الاستخبارات هناك مصطلح لهذا النوع من التلاعب بالظروف التي ترمي لتعزيز صورة مرغوبة
وهي الترويع”.
وللهدف عينه، ودون أي دليل على الإطلاق، وفي انتهاك واضح للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، قامت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا باعتداءات إجرامية على سورية. تتصرف هذه الدول الثلاث بالهمجية “فقد استخدمت الولايات المتحدة سلاحين متطورين للمرة الأولى في سورية، .. استخدمت هذين النوعين من الأسلحة الحديثة للمرة الأولى خلال العملية – صاروخ مواجهة مشترك جو أرض والمعروفة من طراز JASSM-ER ، والغواصة النووية الهجومية من نوع فرجينيا “.
وبصرف النظر عن سجل المملكة المتحدة المشين، خلال قرون ، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت بحق رعاياها في المستعمرات في كافة أنحاء الإمبراطورية البريطانية، فإن السجل المعاصر الفاضح للولايات المتحدة في القيام باغتيالات للقادة الأجانب، ورعاياهم تملئ مكتبة واسعة. يكفي أن نذكر أكثر من 23 محاولة اغتيال للرئيس الكوبي فيدل كاسترو، والتي اعترفت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ، منذ عام 1950 كانت أهداف محاولات اغتيال الولايات المتحدة الأمريكية تشمل زعيم الكونغو ، باتريس لومومبا، رئيس إندونيسيا سوكارنو، رئيس تشيلي المنتخب ديمقراطيا سلفادور أليندي ، الجنرال التشيلي رينيه شنايدر ، الرئيس البوليفي توريس ، الذي قُتل في الأرجنتين ، الجنرال التشيلي كارلوس براتس ، على سبيل المثال لا الحصر، بعض الأهداف الذين تم اغتالتهم وكالات “الاستخبارات” في الولايات المتحدة الأمريكية.
في 13 نيسان ، قبيل انتهاك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في قصفهم لسورية، قدمت السفيرة البوليفية ساشا لورنتي سوليز خطبة من أكثر الخطب شجاعة وبراعة في تاريخ الأمم المتحدة ، كاشفة تماماً عن الإجرام والنفاق والأكاذيب الوقحة التي أصبحت الخطبة اليومية العصماء التي يخضع لها مجلس الأمن.
“لسبب ما، يتجنب بعض أعضاء مجلس الأمن معالجة السبب الرئيس لعقد هذه الجلسة، وهو أن أحدى الدول الأعضاء قد هددت باستخدام القوة من جانب واحد انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة … على مدى الـ72 سنة الماضية لم تبن البشرية إطارًا ماديًا أو مؤسسيًا فقط، بل بنت إطاراً قضائياً أيضاً، وضعت البشرية أدوات للقانون الدولي تهدف بشكل دقيق لمنع الأقوياء من مهاجمة الضعفاء دون عقاب من أجل إقامة توازن في العالم ومنع الانتهاكات الجسيمة للسلم والأمن الدوليين … لا يجوز استخدام مجلس الأمن كبوق للدعاية للحرب ولا للتدخل،كما يجب عدم تحويله إلى بيدق للتضحية به على رقعة شطرنج الحرب والجغرافيا السياسية والمصالح الصغيرة …
نعتقد أن هذا الاجتماع مهم للغاية لأننا لا نناقش فقط هجومًا على دولة عضو ، أو تهديدًا بضربة عسكرية ضد دولة عضو في الأمم المتحدة ، بل لأننا نعيش في وقت الهجمات المستمرة على تعددية الأطراف…. ولنتذكر أن هناك سياسة وعقلية واضحة لتدمير تعددية الأطراف. ما يحدث هو – أنه بالنسبة للبعض فإنهم يستخدمون الخطاب المتعلق بحقوق الإنسان مادام يخدم مصالحهم ، ثم ينتهكون هذه الحقوق، منطقتي شاهد على ذلك، لقد تحملنا عملية كوندور، كما كانت تُسمى -خلال السبعينيات، والتي تم التخطيط لها من قبل أجهزة الاستخبارات في بعض الدول الأعضاء حيث قاموا بتمويل الانقلابات عندما لم تناسبهم الديمقراطية، عندما كانوا غير راضين عن الخطاب المتعلق بحقوق الإنسان ، انتهكوا حقوق الإنسان. عندما لم يعد خطاب الديمقراطية كافياً ، كانوا مستعدين لتمويل الانقلابات. إن استخدام الممارسات أحادية الجانب يترك وراءه جروحاً لا تلتئم، على الرغم من مرور الوقت.
لقد تحدث بعض أعضاء المجلس حول الوضع في العراق وليبيا، التي أعتقد أنها من أسوأ الجرائم التي ارُتكبت هذا القرن. غزو العراق بما له من عواقب وخيمة ، أدى لمقتل ما يزيد على مليون عراقي.إن آثار الضربات ضد ليبيا وسياسات تغيير النظام المفروضة عليها, والتي ، كما قال زميلي من غينيا الاستوائية ، أنهم يعانون ويتحملون في جميع أنحاء منطقة الساحل ووسط أفريقيا. لكن لا أحد يريد أن يتحدث عن الأسباب الجذرية لهذه الصراعات، ولن يتحدث أحد عن الحصانة التي يتمتع فيها مرتكبو تلك الجرائم الخطيرة، مايبرر تكرارها، لعلها أخطر الجرائم التي ارتكبت هذا القرن.
كشف خطاب بوليفيا النقاب عن “المصالح” الكامنة وراء مطاردة الساحرات الحالية، وتقويض التعددية وتخلي بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا عن مسؤوليتها عن العديد من انتهاكات حقوق الإنسان المروعة التي تحدث اليوم، ومحاولة تحميل روسيا وكوريا الشمالية وزر الجرائم التي ارتكبتها وهي شيطنة أيدتها بشكل انتهازي معظم وسائل الإعلام الغربية، والتي سيتم استخدامها من قبيل الخداع في محاولة لإخفاء جرائم أكثر فظاعة في المستقبل، في الواقع تعود الحرب الباردة لتتجدد مع الانتقام، وفي المناخ الحالي من الفوضى والوحشية، التي تغمرها أسلحة نووية أكثر تطوراً من أي وقت مضى، نجازف بشكل خطير بتحول هذه الحرب الباردة إلى تبادل نووي بإعادة تشكيل و شيطنة الخصوم مؤخراً – روسيا – فعل جنوني سوف يصبح أمراً لا مفر منه إذا لم يتم معارضة والقضاء على الهستيريا الجماعية التي تم إطلاقها، وبروزها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. إن جذور هذه الهسترية الجماعية سببه التفاوت الاقتصادي المتزايد والمتزايد بشكل مطرد الذي يعاني منه العالم الحالي ، في نظام اقتصادي عالمي يكرس البؤس واليأس.
المقال السابق
المقال التالي