يتحدث هذا المقال عن العوامل التي أدت إلى انتصار سورية وإسقاطها المؤامرة الكونية الأشرس في التاريخ الحديث، ويتطرق إلى دور مشيخات النفط في تأجيج الصراع من خلال الدعم اللا متناهي بكافة أشكاله الذي قدمته للإرهابيين لتدمير سورية، ودور تركيا والدول الغربية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة في هذه الحرب بذريعة واهية ومبتذلة وهي “مساعدة الشعب السوري”. كما يتناول المقال مسألة أفول النظام العالمي الأحادي القطب وولادة نظام جديد متعدد الأقطاب.
منذ عام تقريباً، قال كثيرون إن لدى الرئيس بشار الأسد والجيش العربي السوري فرصة كبيرة لكسب الحرب ضد المتمردين والمقاتلين الأجانب أو الإرهابيين، وأياً كانت مسمياتهم فهم لا يشكلون أكثر من مائة ألف شخص يحملون السلاح ويتلقون الدعم من دول عربية وقوى تركية وغربية، فما الذي جرى ليندفع الجيش العربي السوري نحو تحقيق الانتصارات الواحد تلو الآخر؟
خلافات الخصوم فيما بينهم
بالتأكيد هي أحد أهم عنصرين جعلا الحكومة السورية تحقق سلسلة الانتصارات الراهنة، فقد قاوم الجيش السوري وصد الضربتين الكبيرتين في حلب ودمشق عام 2012، مقابل تقهقر وتشتت الإرهابيين، وكشف الحكومة السورية عن جوانب الإرهابيين المتطرفة والإجرامية. وبحسب المقال، هناك خمس مجموعات مسلحة رئيسية لديها – أو كان لديها – أهداف ودعم قوى أجنبية متنافسة.
- “جبهة النصرة”: التي استبدلت اسمها باسم “جبهة فتح الشام” عام 2016، بغية أن تنسي الآخرين ولاءها لتنظيم القاعدة. إنها جماعة وهابية انضمت إليها مجموعات أخرى من المقاتلين السوريين منذ اندلاع الأزمة. وهذه الجماعة الإرهابية استفادت من مساعدة الأمراء السعوديين وأمراء خليجيين آخرين. وكان لا بد أن يأتي اليوم الذي تحدد فيه مستوى السلطة الذي تأتي منه هذه المساعدات. السلطة في السعودية سلطة سديمية من القبائل يمكن للأمراء من خلالها رهن أموال الدولة أو ممتلكاتها ومواردها الهائلة بموافقة تكتيكية من الملك. ومن المؤكد أن جبهة النصرة تلقت الأسلحة من ممالك الخليج وأن الدول الغربية -على الأقل- غضت الطرف عن هذا الأمر. وعند انطلاقها كان معظم المقاتلين في هذه المجموعة عراقيين هدفهم الاستيلاء على السلطة في سورية وإعلان الخلافة الإسلامية فيها.
- “أحرار الشام”: هي مجموعة إسلامية ذات ارتباط إيديولوجي بالإخوان المسلمين. تتواجد في شمال سورية ووسطها. تحظى بدعم تركيا وقطر اللتين كانتا تزودانها بالسلاح منذ البدء، ولا تزالان. وبحكم تقاربها من الإخوان المسلمين تحاربها السعودية التي تتواجد في غمار صراع مستمر مع جبهة فتح الشام. وهدفها الوصول إلى السلطة ووضع دستور إسلامي وفق الشريعة الإسلامية. استقطبت إلى صفوفها عشرات المجموعات المسلحة الأخرى ليصل عدد المقاتلين فيها إلى 25000 مقاتل تقريباً.
- الدولة الإسلامية أو الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام “داعش”: ظهرت في جنوب سورية عام 2013. وهي تنظيم مسلح انطلقت من العراق بعد أن اكتسبت خبرة قتالية واستيلائها على مدينة الموصل ومناطق أخرى من العراق عام 2014. لهذا التنظيم إيديولوجيا قريبة من إيديولوجية السعودية التي ساعدته في بداياته. وتم تشكيل صفوفه من مقاتلين متطرفين من القاعدة مؤطرين بضباط عراقيين سابقين التقوا مع بعضهم في السجون العراقية بعد عام 2003.
وبنشرها رؤيتها الجهادية في أفريقيا وآسيا، غدت “داعش” تشكل خطراً يهدد العالم برمته، والولايات المتحدة حاربتها بفتور في سورية على أمل إضعاف سلطة الحكومة السورية، لكنه كان حساب خاطئ. يتركز هدف “داعش” الرئيسي على إقامة دولة الخلافة الإسلامية في سورية والعراق بقيادة الإرهابي أبو بكر البغدادي. وعندما أدركت السعودية الخطر الذي يشكله هذا التنظيم توقفت عن دعمه، ذلك انه يشكل منافساً قد يطالبها يوماً ما بحقوقه إزاء الأماكن الإسلامية المقدسة. ومن الصعوبة تقدير عدد المقاتلين الحاليين في صفوفه، لكن هناك تقديرات بأن أعدادهم تتراوح بين 50000 و125000 في سورية والعراق، وهم ليسوا فقط عراقيين وسوريين بل تجد في صفوفهم مقاتلين أوربيين وشيشانيين، ايغوريين وتونسيين وجنسيات عربية وأجنبية أخرى.
- “الجيش السوري الحر”: تشكل هذا الفصيل في عام 2011 من ضباط وجنود منشقين. وتلقى دعماً سرياً من أمريكا و الدول الغربية، ونقلت إليه كميات كبيرة من الأسلحة من ليبيا بإشراف من السي آي إيه. لكن سرعان ما تفكك بعد هروب العديد من عناصره مع أسلحتهم وحقائبهم باتجاه الإسلاميين الأكثر تطرفاً. لقد حاول البنتاغون تشكيلهم والسيطرة عليهم ولكن دون جدوى، وعندما تسلحوا واستعدوا للقتال، التحق معظمهم بالجماعات الإرهابية. يتواجد “الجيش الحر” في جنوب سورية حول مدينة درعا، ويتلقى دعماً لوجستياً من “إسرائيل” ويحيط به مستشارون غربيون و”إسرائيليون”، ويصعب تقدير عدد مقاتليه بسبب انشقاق عدد كبير منهم والتحاقهم بصفوف المجموعات المتطرفة الأخرى، ربما يتراوح عددهم بين 5000 و6000 مقاتل.
- “قوات سورية الديمقراطية”: وتضم ميليشيات عربية وكردية سورية وتشكل حالياً القوة المسلحة الرئيسة التي تحظى بدعم من الولايات المتحدة وتركيا، مع العلم انه في عام 2011 لم يكن الأكراد يعادون الحكومة السورية، ولكن وصول الإرهابيين إلى مناطقهم هو الذي دفعهم لحمل السلاح وشيئاً فشيئاً شكلوا مجموعة فعالة بما يكفي من المقاتلين، ويبدو أن البنتاغون حّولهم إلى أداة ليشكلوا دولة في شمال سورية حيث يمكن للولايات المتحدة إقامة قواعد عسكرية دائمة فيها، لكن أمام أكراد سورية ثلاثة عوائق كبيرة تمنعهم من الحصول على استقلالهم وهي:
1- دولة كردية محتملة في سورية محاطة بدول معادية لاستقلالها: تركيا، العراق، إيران، وسورية. فكيف ستضمن في هذه الحالة بقاء هذه الدولة التي لا تمتلك موارد على أراضيها؟
2- حزب الاتحاد الديمقراطي الكرديPYD “الجناح المدني” ووحدات حماية الشعب الكردي YPG “الجناح العسكري” وحزبهما الأخ، حزب العمال الكردستاني في تركيا، هي أحزاب كردية- نيو ماركسية، كيف تتفق وتتطابق مع أيدولوجية المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية؟
3- ليس لدى الأكراد أي حق تاريخي على الأراضي السورية، لأن الشعب الكردي في الأساس هو شعب رحّال توطّن تدريجياً منذ قرن من الزمن في سورية، ولم يشكل أكثرية إلا على مساحة صغيرة نسبياً في شمال البلاد.
ومما تقدم يتبين أن خصوصية هذه الحرب تكمن في أن جميع هذه الفصائل تتحارب فيما بينها سواء بهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي والأسلحة، أو لأسباب ودوافع إيديولوجية، وهنا لابد من التنويه إلى أن جميع هذه الميليشيات تتلقى دعم مالي كبير، فإذا كانت “داعش” تحصل على المال بفضل تجارة النفط والآثار، فإن الميليشيات الأخرى تتلقى الأموال من أثرياء دول الخليج، وهناك مائة ميليشيا من المتمردين تحالفت على الأقل أو تجمعت حسب الفرص والمكاسب مع مجموعات أخرى أقوى، وغالباً ما يكون لها جذور محلية وأبدت ولاءها للجيش الأكثر قوة تجنباً لمعاناتها من الأعمال الانتقامية.
دخول روسيا وإيران إلى الساحة
تشاور روسيا مع إيران والتنسيق بينهما لمساندة الجيش العربي السوري هو العامل الثاني الحاسم الذي ساعد على استعادة جزء كبير من الأراضي السورية التي سيطرت عليها المجموعات الإرهابية، حيث تم وضع تفاصيل التدخل أثناء زيارات الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس لموسكو في صيف 2015، وكانت الخطة التكتيكية الجديدة التي تم الاتفاق عليها هي تحديث وتجديد المعدات الثقيلة للجيش العربي السوري، وتعزيز القوات الجوية، وتشكيل وحدات قتالية جديدة، والإشراف على الأجواء السورية، وهذه الخطة ساعدت الجيش السوري على تحقيق الانتصارات والنجاحات الحالية على المجموعات الإرهابية.
لاشك أن ثمن التدخل الروسي في سورية كان باهظاً، لأن وزارة الدفاع الروسية أخذت على عاتقها هذه التكلفة بشكل كامل من ميزانيتها، لكن علاوة على المكاسب الجيو- سياسية التي تمثلت بعودة روسيا إلى منطقة الشرق الأوسط، فقد رسخ الجيش الروسي وجوده في المنطقة، كما توفرت له الفرصة لاختبار أسلحته من الجيل الرابع بنجاح في ميادين المعارك، وهذا ما عزز صادرات الصناعات الدفاعية بما يعود بالربح والفائدة الكبيرة على الاقتصاد الروسي.
استياء واستنزاف وتعب
أنهكت هذه الحرب الممولين الرئيسين للإرهابيين الذين لم يعد لهم أي أفق لانتصار عسكري محتمل، فالسعودية بدأت تعاني من ثمن هذه الحرب وهي الغارقة في نفس الوقت في مستنقع حرب على جبهات أخرى “حرب اليمن”، وتعاني من انخفاض عائداتها النفطية، أما الولايات المتحدة ترددت في تسليح الإرهابيين، ولا تريد بأي حالة التدخل برياً بوحدات قتالية، لأن الذكريات المؤلمة من حربي العراق وأفغانستان لا تزال حاضرة بقوة في الأذهان. وفيما شرع الجيش السوري وبنجاح بتحرير شرق البلاد من مخالب “داعش” تحركت الوحدات القتالية باتجاه مدينة إدلب حيث تنشب المعارك فيها حالياً، وبعدما عزل المجموعات الأخرى في جيوب محاصرة. مرة أخرى يتوطد الاتصال مع الجيش العراقي وأعيد ربط الطريق بين البلدين.
وباستثناء قوات سورية الديمقراطية، نضبت إمدادات المتمردين بالأسلحة والذخيرة، ولا يوجد هناك معلومات إذا مازال يتم دفع الأرصدة المالية للمتمردين في كل مكان، ولابد من معرفة أن المال كان الحافز الرئيسي للإرهابيين، أما الدوافع الإيديولوجية فقد كانت ثانوية ومستثناة بالنسبة لأقلية من المتشددين، كما كانت أموال المتاجرات، وعمليات الخطف مقابل دفع فدية، وابتزاز الأموال هي عصب الحرب الرئيسي منذ أكثر من ستة أعوام، وحتماً أدى هذا الوضع إلى عودة غالبية المجموعات الصغيرة المتمردة إلى الحكومة السورية بفضل الوساطة الروسية حيث شهدنا عودة عدد كبير من هؤلاء الذين حملوا السلاح ضد الدولة إلى الحياة المدنية الطبيعية.
المهزومون
سوف يدفع المتمردون ثمناً باهظاً نتيجة تصديقهم وعود رعاتهم، لأن خلال الحروب في كل الأزمان والأوقات تشهد وقوع ما هو أشد قساوةً ووحشيةً وهذه الحرب لا تستثنى منها، وكثيرون من المتمردين الذين سيبقون على قيد الحياة عقب انتهاء الحرب، لن يكون أمامهم خيار آخر سوى الاستسلام، أو الهروب مع عائلاتهم خارج الحدود، وستقع هذه المهمة على عاتق الدول المجاورة ودول الاتحاد الأوربي التي دعمت هذه الحرب.
وهنا يمكننا تمييز ثلاث مجموعات من الخاسرين: المجموعات المتمردة/الإرهابية، الدول الداعمة لها، واللاجئون السوريون.
- بين المجموعات الإرهابية، نجحت “داعش” في تشكيل إجماع ضدها ولن تستمر في البقاء في شكلها الراهن بعدما منيت بهزيمة عسكرية ساحقة.
- المجموعات المرتبطة بالقاعدة وبالإخوان المسلمين سوف تواجه صعوبة في البقاء في سورية المستقبلية بدون دعم ممالك الخليج، تركيا وقطر.
- سوف يتعين على ما يسمى “المجلس الوطني السوري، الجناح المدني للجيش السوري الحر” مواجهة اختبار صناديق الاقتراع، وكونه لا يمتلك قاعدة شعبية سوف يتم إبعاده من قبل المعارضة اللا ثورية التي أيدت مساراً سلمياً لتغيير نظام الحكم.
- الحركات والأحزاب الكردية الانفصالية والاستقلالية مرتبطة بالمساعدة العسكرية الأمريكية، وعليه من الصعوبة بمكان التنبؤ بقرارات إدارة ترامب التي تتشاطر بين رغبتها في إزعاج سورية، وروسيا، وإيران، وحاجتها الضرورية لعدم خسارة حليفها التركي، وبالتالي من الصعوبة بمكان أن يأمل الأكراد السوريون بالحصول على استقلال تام لهم في سورية.
- من شدة إفراط لعبتها المزدوجة، ستخسر الولايات المتحدة على جميع الجبهات في الشرق الأوسط، وإذا لم تنخرط في تدخل عسكري كبير مع المجازفة بنشوب مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران، فلن يكون لديها خيار آخر سوى الانسحاب من سورية للحد من خسارة نفوذها، مع الإشارة إلى الصراع الداخلي الدائر بين الرئيس ترامب والدولة العميقة l’establishment الذي يعقد déforce وضع الولايات المتحدة، واستحالة توقع ما الذي سيحدث في حال استبدال الرئيس ترامب “المحتمل”.
- أنفقت مملكة الخليج مليارات الدولارات عبثاً، وقطر أخفقت في ليبيا ومصر تماماً كما أخفقت في سورية، وسياستها المتبعة في دعم الإخوان المسلمين شكلت ضربة قاسية للسعودية ومصر وممالك الخليج برمتها.
- سياسة السعودية العدائية الكارثية أطلقها الملك عبد لله لنشر ومد النفوذ السعودي على كامل الوطن العربي ولإضعاف دور إيران في المنطقة، والملك محمد بن سلمان، رجل الدولة القوي الحالي، يبدو يحّمل مسؤولية هذا الفشل للحاشية المقربة من الملك السابق، ويتعين عليه إدارة بلد انخفضت عائداته وموارده بقوة مع الحفاظ على ممارسة الضغط على إيران.
- الاتحاد الأوروبي وفرنسا بشكل خاص اتبعا الطريق الخاطئ منذ بداية الأزمة السورية، فقد طالبا برحيل الرئيس السوري بشار الأسد قبل الشروع بأي تفاوض مع ما يسمى “المجلس الوطني السوري” وهم بذلك قضوا على فرصة أن يكون لهما أي نفوذ في المنطقة مستقبلاً، لهذا يجب الحفاظ على الشفافية التامة للسيدة موغيرني وغياب الرئاسة الأوربية التي يمثلها السيد توسك، ويحق لأي احد التساؤل عن مدى فائدة وظائفهما.
حتى لو أغلقت فرنسا سفارتها في دمشق في عهد نيكولا ساركوزي، فإن رئاسة فرانسوا هولاند وصمت بعداوة شرسة للنظام العلماني الذي رفض القطيعة مع إيران وحزب الله، ووصول لوران فابيوس لمنصب وزارة الخارجية شكل أكبر خطأ كارثي في تاريخ فرنسا، أما وسائل الإعلام الكبرى المهيمنة “mainstream” وخبراء قنوات التلفزة فقد افتقروا إلى واجبهم بالحيادية إزاء الخبر عندما انحازوا إلى خط سياسة حكوماتهم.
- كما يمكن اعتبار “إسرائيل” خاسرة لأن المجموعات المتمردة التي دعمتها منيت عسكرياً بهزيمة نكراء من قبل الجيش العربي السوري، ولم تحقق أهدافها السياسية، وبات حزب الله الذي اكتسب المزيد من الخبرة في القتال، وإيران قريبان جداً من الحدود مع فلسطين المحتلة.
- اللاجئون السوريون يشكلون جزءاً من كبار الخاسرين، أولئك الذين هربوا خوفاً من الارهابيين لن يجدوا سوى الدمار عند عودتهم إلى الديار، أما اللاجئون السوريون الذين تعاطفوا مع الإرهابيين لن يكون بمقدورهم الاندماج في سورية الشعبوية، وسيشكل مستقبلهم مشكلة عالمية بكل معنى الكلمة.
- مصير الجماعات الإرهابية الدولية هو أيضاً معضلة كبيرة، لأن كلمة السر كانت إبعادهم على الفور وقتل quid أولئك الذين ينون العودة إلى بلادهم، وثمة شائعات تتهم الولايات المتحدة بتقوية وترسيخ قوات سورية الديمقراطية مع عناصر “داعشية” تمت استعادتهم، ونقل عناصر “داعشية” أخرى إلى أفغانستان، وهذه قضية يجب متابعتها عن كثب.
- أخيراً هناك مئات الآلاف من الشبان السوريين الذين هربوا وغادروا البلاد تجنباً للخدمة العسكرية الإلزامية، ومعظمهم أبناء عائلات ميسورة تكفلت أسرهم بدفع تكاليف سفرهم، وقد رأيناهم يجتازون المراكز الحدودية الأوربية عام 2015 وغالبيتهم أناس متعلمين سوف يتم تلمس غيابهم عندما تنتهي الحرب وتنطلق عملية إعادة الإعمار في سورية، فإذا لم يحصلوا على عفو عام فستكون عودتهم معقدة.
- الرابحون
- الجيش العربي السوري وقواته من النخبة هم الرابح الأكبر في ميدان المعركة، وقيادة البلد في المرحلة القادمة ستكون للمنتصر بدون أدنى شك.
- كانت إيران في بداية هذه الحرب عام 2011 كانت غير مرغوبة infréquentable وها هي الآن محاور قوي لا مفر منه.
- نفس الأمر بالنسبة لحزب الله الذي اكتسب احترام اللبنانيين الذين لايريدون نشوب حرب أهلية جديدة لمصلحة القوى الأجنبية.
- روسيا بزعامة فلادمير بوتين كانت تحسب في عداد القوة المهملة في عام2011 إلا أنها غدت فاعلاً ثقيلاً في قاموس/landernau القوى العالمية.
- قاوم الشعب السوري مؤامرة عالمية كانت ترمي إلى رؤيته يسقط تحت سيطرة الإرهابيين المتشددين والمتطرفين، ولهذا سوف يتعين عليه إعادة إعمار البلاد بالاستغناء عن المساعدات الغربية بالتأكيد لكن استعادة سيادته لا تقدر بثمن.
- حالياً من الصعوبة بمكان وضع تركيا في فريق الرابحين أو في فريق الخاسرين، لأن تقاربها مع روسيا سيتيح لها سحب يدها من اللعبة أو على الأقل الحد من الخسائر إلا أنها لن تحصل على الكثير من المكاسب جراء تدخلها في هذه الحرب. ويجب ألا ننسى أن التهديد الرئيسي لوحدة أراضيها intégrité يأتي من الأقلية الكردية لديها، والتي بوسع أعدائها دعمهم عسكرياً في أي وقت كان.
ثمة دولتان أخربتان مجاورتان لسورية، لبنان والأردن لم تتزعزع الأوضاع فيهما على الرغم من استقبالهما ملايين اللاجئين السوريين على أراضيهما.
العراق جار آخر لسورية، هو أيضاً هزم تنظيم “داعش” أكبر وأهم منطقة في البلاد، في الجنوب، لم تصل إليها شرارة الحرب، ولدى العراق وسائل وسبل إعادة استقلالها الكلي والتحرر من الوصاية الأمريكية.
الخاتمة
منذ 75 عاماً، لم تتغير الشروط الضرورية لكسب حرب ما، فهي تقتضي تفوق جوي ووحدات قتالية برية، ووحدها القوات الحكومية وحلفاؤها استوفت هذين الشرطين، فالتفوق الجوي وفرته روسيا والوحدات المقاتلة تحديداً قوات النخبة معززة بقوات من حزب الله اللبناني وبوحدات إيرانية الذين نجحوا في الانتشار بشكل كبير في كل أنحاء البلاد مع آليات من المدرعات الحديثة، بدوره اعتمد الجيش العربي السوري أيضاً على مساعدة خبراء عسكريين روس وإيرانيين.
ولدى روسيا هدف استراتيجي مترابط يتمثل في محاربة الإرهاب الدولي، ودعم حكومة شرعية وسيادة الشعب السوري، ولم يتغير موقفها، والنتيجة عودة النفوذين الروسي والإيراني إلى منطقة الشرق الأوسط، ويمكن القول أن هذه الحرب هي أول خسارة ثقيلة للقوى الغربية التي أعلنت نفسها “المجتمع الدولي” منذ تفكك الاتحاد السوفييتي.
ومع تراجع وتيرة المعارك، سوف نشهد أيضاً أن هذا النزاع سيكون علامة ولادة عالم متعدد الأقطاب سيرى فيه التكتل الغربي خصماً في وجهه، ومع احتمال استمرار هذه الحرب لسنوات أخرى إلا أن الرابحين باتوا معروفين.
وبواقعية فلاديمير بوتين وذكائه، سيترك باباً لخروج مشرف للخاسرين كي لا يخسرون ماء الوجه، ولكن هو وحلفاؤه الرابحون المؤكدون لهذا الجزء من الجيو إستراتجية، إذ نأمل أن يستفيد الغربيون من الدرس وأن يترددوا ويفكروا ملياً قبل الانخراط في تجربة مماثلة ترمي لزعزعة استقرار بلد ذو سيادة.
سوف يتعين على المؤرخين أن يتذكروا تصريحات رونالد دوماس المذهلة عام 2011 قبل أن يحملوا الرئيس بشار الأسد المسؤولية الكاملة عن الصراع ويتمسكون بخرافة شعب مضطهد ثار بطريقة عفوية، ومؤخراً اعترف رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني بوجود تدخلات خارجية في الأزمة السورية منذ بداياتها وذلك في معرض لقاء أجرته معه قناة بي بي سي البريطانية.
وأخيراً، يجب أن ننهي خرافة انسحاب ورحيل الرئيس الأسد لأسباب أخلاقية، إذ لا يمكن التشكيك بشرعيته إلا من قبل الشعب السوري السيادي عبر انتخابات رئاسية عادلة، وبوسع الأمم المتحدة إرسال مراقبين عليها لضمان كمالية العملية الانتخابية. وفي ظل الظروف الراهنة، يمتلك الرئيس بشار الأسد كل الفرص والحظوظ للانتصار ما ينزع الشرعية عن الإرهابيين المسلحين وكل الدعم الذي قدمته لهم الدول التي لم تقم بهذا العمل على أسس صلبة وصحيحة، وحتى الآن ما زال الغرب يطالب الغرب برحيل الأسد أو عدم ترشحه للانتخابات المقبلة لأسباب أخلاقية، إلا أن هذه الأسباب الأخلاقية التي يستخدمها الغرب ما هي إلا كلام فارغ لتفادي خيبة الأمل الكبيرة التي جنوها مقابل حفنة من أموال الرمال.