أفردت ندوة الاثنين الحوارية موضوعاً هاماً لا يمس المرأة فقط بل المجتمع قيمياً ومعرفياً واقتصادياً، ويؤثر على أنماط التفاعل الاجتماعي بكل مناحيه، والذي حمل عنوان: “المرأة السورية في الحرب وما بعدها الدور والتحديات”
وفي إطار دعوة الباحثين والمفكرين السوريين لإغناء ندوة الاثنين، وفي سياق السعي لتعزيز أواصر التعاون بين مراكز الأبحاث في سورية، و فتح أفاق حوار في القضايا التي تساهم في صياغة شكل سورية المستقبل، وجه المركز الدعوة إلى واحدة من أعلام الفكر في سورية: الدكتورة إنصاف حمد.
قدمت الدكتورة “إنصاف حمد” الأستاذة في جامعة دمشق وعضو مجلس الإدارة في مركز “مداد” البحثي، عرضاً نقديا وتحليلاً شمل استعراضاً للسياقات التاريخية لقضية المرأة والعوامل المؤثرة فيها، سلباً أو إيجاباً.
قالت “حمد” إن موضوع المرأة لا ينفصل عن موضوع المجتمع بشكل عام وعن موضوع التنمية، وأن محاولة فصله تنتمي لتيار الليبرالية الذي يتعامل مع الأمور السيسيولوجية تعاملاً ميكروياً، يفصل القضايا ويركز عليها وأحياناً يضخمها، خاصة وقد دخلت عليها المنظمات الدولية والوكالات العالمية فصار هناك تركيز مبالغ فيه، أو كلمة حق يُراد بها باطل لذلك. مؤخراً بدأت أميل إلى عدم الكلام عن المرأة لوحدها لأن التكلم عن المرأة يجب أن يكون بالسياق العام، ومبرر الحديث عنها أنها وُضعت ضمن الوضعيات الاجتماعية في مرتبة دنيا، وأساس الوضعية الاجتماعية بكل بلد بالتركيبة الاجتماعية التي هي تركيبة أبوية في مجتمعنا وفي مجتمعات أخرى، نحن لسنا الوحيدين بهذا المجال، في هذه التركيبة الأبوية يكون الذكر الأكبر في قمة الهرم والذكور الأقل شأناً بعده وفي أسفل الهرم المرأة والأطفال، وبالتالي نسميهم الأقل شأناً في هذا الترتيب، وقد بُني هذا الأمر على مسألة تاريخية لها علاقة بتقسيم العمل لأن عمل المرأة كان غير منظور لأنه داخل المنزل وغير مأجور وبالتالي لا يُقيم.
وبالتالي أصبح ينُظر لها بوصفها مُعالة، رغم أن هذا من أكبر المفاهيم الخاطئة التي ينبغي دائماً أن نتصدى لها، لا توجد امرأة في العالم مُعالة، إلا سيدات الطبقة المخملية والحرائر أيام نظام العبيد، ومن هنا بُنيت مسألة القوامة، بما أنفقوا فالرجل يُنفق عليهم وبالتالي فهو قوام عليهم.
ولذا لا توجد امرأة بالأوضاع العادية مُعالة، فعملها داخل المنزل الذي هو غير منظور وغير مأجور له قيمة اقتصادية، لكن بما أنه لا يدخل بالناتج القومي، فيظهر أن الرجل هو من يصرف عليها، وأضافت د. “حمد”، أنها لا تحب صورة المرأة الضحية، لأن سردية المظلومية سردية يترتب عليها الكثير من الإنشاء والتضخيم وهي صورة غير واقعية ويتم تضخيمها لأسباب كثيرة، هذا يعني أن المرأة لأنها في أدنى السلم الاجتماعي والتي تقوم بعمل بمعظم الأحيان غير مأجور وغير منظور، هي مثلها مثل من هو مثلها في هذا السلم في هذه الترتيبة ولذلك تبرر الحديث عن المرأة من هذه الزاوية لأنها في أدنى هذا السلم وبالتالي هي غير حاصلة على حقوقها كما يجب، فينبغي أن يُنظر الى وضعيتها نظرة خاصة، الهدف منها أن تحوز حقوقها كمواطنة، ورأت أن المرأة في سورية قبل الحرب كان وضعها جيد إلى حد ما رغم وجود إشكاليات كبيرة، لكن هذه الإشكاليات بالقياس للوضع العام لا نستطيع القول عنها أنها وضعية سيئة ويوجد أدلة على ذلك فالوضع القانوني للمرأة، المنظومة القانونية كلها في سورية تُعامل المرأة على قدم المساواة مع الرجل، أنظمة التعليم، قانون العمل، القوانين المدنية لا يوجد أي تمييز فيها بين الرجل والمرأة ، فهي تقدم على فرص العمل والمسابقات الجامعية مع الرجل، والمعيار هو التفوق، العلامة و الأداء، لا يوجد تمييز لكن هذه المنظومة التي تُعتبر بيئة صديقة للمرأة فيها بعض جوانب خلل منها قانون الأحوال الشخصية الذي لا ينظر للمرأة كإنسان على الإطلاق وهو يستند لمرجعية دينية، وهو نشاذ بين كل مجموعة القوانين هذه، بقية القوانين تعاملها كمواطنة بيمنا هذا القانون يعاملها كإنسان درجة ثانية، حيث يعتبرها قاصراً وبحاجة لولاية ووصاية، والجميع يعرف المشاكل الكبيرة، فهو صحيح قانون واحد لكنه يحكم بقية القوانين ويمتد أثره عليها وبالتالي يحد من أن تتمتع بتكافؤ الفرص التي نص عليها فعلاً القانون والتي تُبيحها القوانين الأخرى، وإضافة أن النتوء الثاني بالنسبة للبيئة القانونية التمكينية للمرأة هو قانون الجنسية وهو قانون لا يستند إلى مرجعية دينية وليس له علاقة بالدين، لكن له علاقة بنظرة ذكورية، فقوانين الجنسية تستند إما لحق الأرض أو لحق الدم، فالدين هنا ليس له علاقة وهو محيد تماماً لكن لا يعطي المرأة السورية حقوقاً كما يُعطي الرجل السوري، وأضافت أن قانون الجنسية مسألة سيادية – فلكل دولة الحق المطلق في أن تضع ما تشاء من الشروط على إكساب الجنسية لكن المعيار أن يكون لكل المواطنين، يعني أن توضع شروط تنص على أن الجنسية السورية تُعطي لكل من ولد لأبوين سوريين وولد وعاش 10 سنوات في الجمهورية العربية السورية فهو سوري أما من كان أحد أبويه غير سوري فعليه شروط وبالتالي هنا يتساوى الأب والأم وبموجب ذلك تُمنح الجنسية، أو لا تمنح له، ولكن لا يكون ابن السوري هو حكماً سوري حتى وإن لم يطأ أرض سورية، وابن السورية توضع الكثير من الشروط أمامها كي تستطيع أن تُكسبه الجنسية، هذا قانون يخل بالدستور وهو غير دستوري بالمعنى الدقيق للكلمة خاصة بعد شباط 2015 لأن الدستور أُقر بـعام 2012 وبعد ثلاث سنوات كان ينبغي تغيير كل القوانين التي تتعارض معه، قانون الجنسية يتعارض معه، قانون الأحوال الشخصية يتعارض معه وبعض مواد قانون العقوبات التي لها علاقة بما يُسمى بجرائم الشرف وعقوبة الزنا التي تُعاقب الزانية وتعاقب شريك الزانية عقوبة تختلف عن عقوبة الزانية، ولا تسميه زاني لكن شريك الزانية، أي تعاقب عقوبتين مختلفتين تماماً، الأمر الذي يشكل مفارقة، هذا على الصعيد القانوني، إذاً هذه هي النتوءات التي كان يتم العمل عليها، وقد استطعنا العمل بقانون العقوبات و التعديل فيه بمادة “548 ” المتعلقة بجرائم الشرف، لكن قانون الجنسية مازال يصطدم برؤية ذكورية، وليس بما يتعلق بسيادة الدولة، للدولة أن تضع ما تشاء من شروط لكن أن يكون القانون على المواطن السوري والمواطنة السورية، قانون الأحوال الشخصية يصطدم بصخرة وبعقبة وهي الجماعة الفقهية الدينية، المشكلة فيها أن القوانين الباقية لا تُستمد من الشريعة الإسلامية، إذاً لماذا هذا القانون بالذات، لماذا قانون العقوبات لا يقطع اليد مثلاً لكن بينما يتعلق بالأحوال الشخصية، يجب أن تكون بأشد التفسيرات وطأة على المرأة
وعلى الصعيد السياسي كان وضع المرأة جيد، توجد مشاركة سياسية للمرأة لكن مشكلة هذه المشاركة كانت مرتبطة بقرار سياسي بإرادة سياسية وهي لم تكن من القاعدة، لذلك نرى أنه كل ما نزلنا من رأس الهرم السياسي للأدنى نرى مشاركة المرأة تتراجع، من نائبين لرئيس جمهورية، وعندنا وزيرات في الحكومة، صحيح في معظم الأحيان حقائب تقليدية، بشكل عام حقائب تقليدية لها علاقة بالشؤون الاجتماعية ولها علاقة بموضوع المفهوم التقليدي لعمل المرأة، وفي التشكيلات الأدنى مثلا كمدير عام كانت مشاركة المرأة، مشاركة ديكورية بغض النظر عن الكفاءات و الفعاليات، هذا النمط من المشاركة يشبه مشاركة النساء السوريات بمجلس الشعب التي هي 12%، ولكن المشكلة ليست بالعدد وإنما بالفاعلية، وهذا ما يُسمى بالأدبيات الساسية، التمثيل الساكن الذي لا يُنتج فعالية بقضايا المرأة، لم نرَ بمجلس الشعب على مدار الأربعين سنة الماضية نساء قدموا مشروع قانون يتعلق بالمرأة، على العكس هن يعارضن مثل هذا المشروع نتيجة الخلفيات التي لاتزال مسكونة أو مؤطرة بالدور التقليدي للمرأة ، المرأة ليست هي فقط الأم والزوجة، هي مواطنة، هذا يعني حصرها بأدوارها الأسرية وهذا مفهوم يُعيق المشاركة الحقيقية للمرأة، وهذه إحدى العقبات التي تواجهنا، وفيما يتعلق بالنظرة أو بالتغيير الثقافي للمرأة، رأت “حمد” أن حصر المرأة بأدوارها الإنجابية مسألة خطيرة جداً، بأدوارها الجسدية يعني نظرة لها تختزل قول بأنها غير إنسانة.
هذه الأدوار الاجتماعية ليست أدوارها لوحدها وليست دورها الوحيد عندها أدوار أخرى وبهذه الأدوار يوجد شركاء لها، هذه النظرة التي يجب أن نشتغل عليها في هذا المجال والتي للأسف لم يتم العمل عليها وهذا ما جعل مثلاً مؤسسة مثل الاتحاد النسائي تُعيد إنتاج الثقافة التقليدية فيما يتعلق بالمرأة إلى أن وصلنا إلى انهيارها مع أن ما حصل للاتحاد النسائي نتيجة منطقية وطبيعية لدور الوصاية عليه، على الرغم من أن الوصاية أحياناً تكون مفيدة، لكن المشكلة أن من يكون الوصي هو ضد هذه المنظومة وليس لديه أي نظرة فيما يتعلق بحقوق المرأة، بالعكس لديه الإطار التقليدي حولها وبالتالي على مدى سنوات بدأ الإتحاد النسائي يعيد نفسه، يعيد منظومة إنتاج منظومة تقليدية لدرجة أنه وصل الى هذه النهاية المنطقية.
الحقيقة كان لدينا تقدم في الكثير من المجالات، لكن كان لدينا مشكلات كبيرة، من الناحية القانونية، من ناحية المشاركة السياسية التي كانت مرتبطة بقرار سياسي أكثر من ارتباطها بتهيئة كوادر وقيادات نسائية، ومن الناحية الثقافية كان لدينا عقبة وهي سيطرة الصورة التقليدية للمرأة وادوارها ومهماتها في المجتمع التي لاتزال موجودة حتى عند عدد كبير من النساء والرجال، من الناحية الاقتصادية كان لدينا مشكلة كبيرة، رغم أنه كان للنساء مشاركة أكبر بالعمل المأجور وصلت إلى 20% بالسنوات قبل العقد الأخير قبل الحرب، النساء تميل عادة للعمل بالقطاع العام لأنه الأكثر أماناً لها ولأن البيئة صديقة لها أكثر من العمل الخاص، بفترة التغيرات الاقتصادية التي حصلت بفترة العقد الأخير ما قبل الحرب حيث أصبح انسحاب في دور الدولة الأبوي لم يعد دخول القطاع العام بجبهات كبيرة وبالتالي تراجعت المساهمة المأجورة للمرأة من 20 الى 14%، هذا بأخر إحصاءات العمل المأجور لأنه أصبح للقطاع الخاص حضور أكبر، هذا القطاع الذي يأخذ نموذجين من النساء، المؤهلة تأهيل عالي جداً و العمالة المتدنية جداً وبالتالي النساء المتعلمات وهن نسبة كبيرة من طالبات العمل لا يجدن فرصهن، وعندما تراجعت الدولة عن فتح جبهات عمل، تراجعت مساهمتهن بالعمل المأجور في سورية. فيما يتعلق بالشأن الصحي قالت “حمد” أن سورية حققت أفضل المؤشرات صحياً وتعليمياً حيث قاربنا على تحقيق أهداف الألفية فالوضع الصحي للمرأة أصبح ممتاز مقارنة مع الدول الشبيهة فينا ولكن نقصنا اليوم قوانين تحمي المرأة من العنف أما من الناحية الاقتصادية، هناك نقص فيما يُسمى بالحقوق الاقتصادية للمرأة – بعد الزواج –فهناك منظومة اقتصادية ناقصة.
وأضافت ” حمد” تفاقم هذا الوضع على كافة الأصعدة بعد الحرب، ومن الطبيعي الصعوبات الاقتصادية أصبحت أكبر فما كان مكتسبات تراجع- وما كان مشاكل تفاقم وللأسف لا توجد دراسات منطقية تعطينا أرقام دقيقة حول الرعاية الصحية، وفيات الأمهات – الأمراض…. الخ، كل ما كان تقدمه الدولة للمرأة من ضمان صحي ورعاية تراجع خاصة في المناطق الساخنة-أما بالنسبة -للنساء اللواتي نزحن إلى المناطق الآمنة وهن فقدن المعيل و الأمان والاطمئنان و مصادر الرزق فقد كانت مشاكلهن مضاعفة، وبالتالي، يوجد تهديدات اقتصادية كبيرة جداً و خاصة أن نسبة الفقر أصبحت فوق 80% بعد أن كانت قبل الأزمة 10 % فقط – وبالتأكيد النساء هن الشريحة التي ستعاني أكثر باقي الشرائح.
إذاً أ صبح لدينا كتلة أكبر من النساء اللواتي يعانين من الفقر، النزوح-وما يسببه من –انتهاك الكرامة الإنسانية، رغم أن –الكثير من الدراسات التي أجرتها المنظمات الدولية أشارت إلى أن النازحين الموجودين في مناطق الدولة هم بوضع أفضل بكثير ممن ذهبوا إلى مخيمات اللجوء، وبالطبع التعليم تأثر كثيراً وبالتالي النساء هن الأكثر تأثراً بالتسرب، رغم أن نسبتهن أكبر بالتعليم العالي.
وتحدثت ” حمد”— حول مشكلة كبيرة، تواجه الأرامل وزوجات المفقودين-فالمنظومة –القانونية هنا لا تحميهم، لأن الوصاية تكون للجد وللعم وتوجد ابتزازات دنيئة في هذا المجال، تدفع جزء من النساء أن تترك أطفالها.
بمرحلة الحرب، إذاً كان هناك تهديدات كبيرة ومعاناة للمرأة التي فقدت شريكها بإعالة الأسرة، وفقدت مدخراتها ولكن بنفس الوقت فتحت لنفسها مجالات عمل استطاعت أن تثبت أنها قادرة على أن تكون صاحبة المبادرة، وفيما يخص مجال التعليم يوجد تحد كبير جداً خاصة بعد أن وجدت أنماط تعليم في المناطق التي تتواجد فيها التنظيمات الإرهابية والعنف الذي تعرضت وهنا أشارت “حمد” إلى عدم إمكانية القيام بدراسات لأن الظروف لا تسمح في كثير من الأحيان، وقال الدكتور “عبد اللطيف عمران” رئيس هيئة التحرير في جريدة البعث أن ثنائية الذكورة والأنوثة مستقرة معرفياً على امتداد الزمان والمكان، والواقع أن هذه الثنائية عند الشعوب كلها متصلة بتركة تاريخية طويلة ولا يستطيع أحد أن يتهرب منها وهنا إذا أخذنا الموضوع من جانبين جانب إنساني وجانب وطني خاص سنرى أن المرأة الشرقية عموماً لا تزال بمصطلح يسمى أفق الانتظار ترزح تحت الانتظار لتعطى دورها، كما أكد عمران أن هناك تجربتين عربية متمثلة بـ تجربة بورقيبة وإسلامية متمثلة بـ الخميني الذي كان يقول لا تعطوا المرأة حقه،ا دعوها تنتزعه انتزاعاً والحديث هنا ينقلنا مباشرة إلى المرأة السورية، نرى انحسار لدورها عن فترة الأربعينات والخمسينات مع وجود تفكير بتنظيم هذا الدور واليوم في الوضع الذي نعيشه في الحرب على سورية – تساءل عمران: خاصة وأن الدور الأكبر اليوم ملقى عليها على اعتبار أن أغلبية الضحايا من الذكور هل تستطيع المرأة في سورية أو العراق من مأسسة واغتنام هذه الفرصة المؤلمة لتقديم شيء للمجتمع الذي فقد الكثير من الذكور؟
وتحدث “محمد كنايسي” رئيس التحرير في جريدة البعث عن أن القرار السياسي مهم جداً فيما يتعلق بالقوانين التي تنظر وضع المرأة في المجتمع والمثال البورقيبي عظيم الأهمية في هذا المجال فالقرار الذي اتخذه بتغيير مجلة الأحوال الشخصية عام 1956كان مهم جداً مع أن سورية في تلك الفترة كانت متقدمة اجتماعياً أكثر من تونس ونحن هنا كلما حاولنا مغازلة الوضع الاجتماعي ولاسيما إذا كان متخلفاً سيعود علينا بالسلبية المطلقة
وفي مداخلته قال “ناظم عيد” مدير تحرير الشؤون الاقتصادية والمحلية في جريدة البعث أنه علينا أن لا نغرق في تشخيصات هذه الإشكالية وهنا أكد أن هذه الإشكالية في ذهنية الرجل وليست في القوانين.
وبدوره أكد “بسام هاشم” مدير تحرير الشؤون السياسية والثقافية في جريدة البعث وجوب أن يكون لدينا مقاربة جديدة اجتماعياً عن وضع المرأة تنطلق من غريزة البقاء التي هي أهم من الحرية وأضاف هاشم أن وضع المرأة في خمسينيات القرن الماضي ربما كان أفضل ولكن لا نستطيع أن نغفل حقيقة، أن منطقة الشرق الأوسط عموماً وسورية والعراق وغيرها من بلدان المنطقة كانت تتعرض بمعدل كل سبع سنوات تقريباً إلى حرب إبادة تهدد النوع لذلك قضية الحفاظ على البقاء هي القضية الأساسية .
وهنا أشارت “سلوى عباس” رئيسة القسم الثقافي في جريدة البعث إلى أن المرأة التي تقبل أن تكون ضحية لا يستطيع أي قانون أن ينصفها إلا إذا أنصفت هي نفسها وهذا لن يتم إلا من خلال إعادة إنتاج ثقافتها التي تربت عليها والتي اعتادت فيها أن تكون ضعيفة.
ونوهت لينا عدره من المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي على أهمية إعادة النظر بالقوانين المتعلقة بالمرأة خاصة في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي نعيشها اليوم وأكدت على الضغوط المضاعفة التي تعانيها اليوم المرأة بعد أن وجدت نفسها أمام مسؤوليات كبيرة ولفتت إلى أهمية إعادة النظر في المناهج التعليمية لتقديم المرأة بصورتها الصحيحة بالإضافة إلى الدور الكبير لوسائل الإعلام الذي يجب أن تلعبه وسائل الإعلام لتغيير الصورة النمطية عن المرأة وبالتأكيد تسليط الضوء على تضحيات المرأة التي قدمتها في الحرب على سورية وجعلت منها مثال يُحتذى به.
وفي معرض ردودها على مداخلات الزملاء، قالت د “حمد” أن مشكلتنا بمجتمعاتنا ما اسماه هشام شرابي المجتمع الأبوي المتزعزع حيث أن مؤسساته حديثة بالشكل لكنها تقليدية بالمنطق، مازال المجتمع الأبوي قبلي مسيطر لكن بصورة مستترة عنا، مؤسسات حدثيه الشكل لكن مازالت العلاقات العمودية، الإمرة والطاعة والقرابة والانتماءات ما قبل الوطنية حاكمة، وذلك نتيجة فشل مشاريع الدولة الحديثة، لأنها هي نفسها تؤسس فعلا لمفهوم المواطن المتساوي، الحقوق والواجبات ما هي أدوار المرأة وهذه نقطة الاختلاف الأساسية. المسألة، ليست ذكورة و أنوثة، رجل وامرأة، مفهوم الرجل والمرأة مفهومين طبيعيين لا يتغيران، الذكر له صفات فيزيولوجيه وليست سيكولوجية، بالمعنى المصطلح الدقيق، الفيزيولوجية لها علاقة بوظائف الأعضاء و للمرأة وظائف فيزيولوجية لا تتغير وثابتة لكن المسائل المرتبطة بهذه الأدوار الطبيعية التي هي ادوار اجتماعية نُسبت إلى ادوار طبيعية، مسألة تربية الأولاد ليست بمسألة طبيعية على الإطلاق يستطيع الرجل أن يربي الأولاد مثل المرأة تماماً، يستطيع أن يطبخ مثل المرأة ويستطيع أن يقوم بأعمال المنزل مثل المرأة تماما، فلماذا سُحبت هذه الأدوار لتعتبر ادوار طبيعية وهي ليست ادوار طبيعية، أدوارها الطبيعية وهي وظائفها الفيزيولوجية لا يمكن ان ننقاش فيها، وفيما يتعلق بمسألة المساواة أضافت”حمد” بأن هذه الأدوار أُلحقت بأدوارها الطبيعية، أدوارها بخدمة الأسرة بخدمة الزوج و ادواراها بخدمة الأولاد هذه ادوار ليست طبيعية، التاريخ قال هذه ادوار اجتماعية نشأت عبر الثقافات والمجتمعات عندما تأسست مجتمعات أمومية وليست أبوية، التاريخ يقول أن الربات إناث، وزعيمات العشيرة والسيدات الأوائل كانوا من النساء، وكان الأولاد يُنسبون لأمهاتهم وليس لآبائهم، لكن عبر مسار تاريخي طويل له علاقة بالملكية الخاصة وله علاقة بتقسيم العمل، تغير نمط الزواج له علاقة بالملكية الخاصة، وأصبح هناك تقسيم عمل وتغير نمط الزواج لزواج أحادي بدل الزواج المتعدد بعد ما عُرف دور الرجل بمسألة الإنجاب تغيرت كثير من الأمور، من وقتها نشئ المجتمع الأبوي، والمسار التاريخي يقول علينا أن نذهب إلى التركيب وهو لا مجتمع امومي ولا مجتمع أبوي، لا المرأة هي رأس الهرم ولا الرجل هو رأس الهرم، الشراكة بين الاثنين التي هي أطروحة التركيب وهي قانون الديالكتيك الأساسي بالتاريخ ومازال يثبت صحته حتى الآن، هذه هي مشكلتنا، المرأة أدوارها الاجتماعية ليست ادوار طبيعية وليست ثابتة بل هي متغيرة لم تكن منذ أن وجدت الخليقة نشئت فيما بعد، وبالتالي لابد أن تتغير، تغيرت جزء من أدوارها، مشكلتنا بأن الآن أصبحت تعمل خارج المنزل لكن مازالت مشدودة لأدوارها التقليدية، لأن هذا التغير بالأدوار لم يدفع الدولة لإقامة مؤسسات مساعدة للعمل الأسري، ولم يرافق ذلك تغير بالثقافة، وبأن هذا عمل مشترك وليس عمل للمرأة وحدها، ورغم الأعباء التقليدية للمرأة والمجتمع لم يؤمن مؤسسات مساعدة كما فعلت المجتمعات الغربية وبالتالي هذا أدى إلى تراجع أداء المرأة بالضرورة، المشكلة التغير بالأدوار، فالذكورة والأنوثة مسألة طبيعية لكن المرأة والرجل مسألة تاريخية وتتغير وهي ليست مستقرة اجتماعيا وتتغير فالدول الغربية والمتقدمة غيرتها .غيرتها رغم أنها احتفظت ببعض قشورها لكن أصبح لديها مؤسسات مساعدة، صارت الأمومة يأخذها الأب مثل الأم، تحت اسم إجازة الأبوة والأمومة، بمعنى أن يختاروا، إجازة أمومة إذا كان عمل الزوج، الأب الأهم، الأم تأخدها والعكس صحيح فهي من حق الاثنين يتقاسموها كما يشاوؤن وبالتالي هي مسؤولية مشتركة، وأشارت إلى وجود دوام اختياري ثاني في المدارس وهو للساعة السادسة مساء، حيث يعود الولد فعلاً ليجلس مع أسرته، دون أن ينشغل الأهل في تدريسه وهذا متاح، فبعد أن كانت مدارسنا بأفضل حالاتها صارت تقريباً خالية من الدوام، الساعة الواحدة تُغلق أبوابها، علماً بأن برنامج للأهل الذين يرغبون بتسجيل أولادهم 3 ساعات بعد الدوام بتمويل ذاتي للمشروع حيث يقوم الأطفال بأنشطة ويكتبون وظائفهم وبمارسون هواياتهم كان ممكناً، هذا مشروع ممكن أن نشجع جمعيات المجتمع المدني الأهلي يجب أن تكون مشاريع غير ربحية وأن تشجعها الدولة وتدعمها وتساهم فيها بهذا المجال وتستمر بالتعليم ما قبل الدخول على المدرسة حتى تساعد الأسرة، الزوج والزوجة على أن يقوموا بهذه الأعباء لذا يجب على الدولة أن تشجعها وتدعمها وتساهم فيها، لأن الأسرة مسؤولية مشتركة، المرأة أدوارها الاجتماعية ليست أدوارها لوحدها وليست أدوارها الوحيدة،
المرأة أخذت حقوقها، لم تعطَ لها, بعد الحرب العالمية الثانية وبسبب الحاجة لدور المرأة، أضطر هذا المجتمع الذكوري أن يعطيها حقوقها وبالتالي حصلت على حقوقها بحكم الحاجة والضرورة وبحكم المطالبة واستطاعت أن تفرض وجودها بهذا المجال لذلك قد تكون الحرب فرصة تستطيع المرأة أن تاخد حقوقها وتقاتل من أجلها خاصة وأن الإرادة السياسية صديقة لحقوقها لكن لما نحنا بتقاتل نستطيع من خلال هذه الخصوصية والممانعة عنها لرجال الدين أن نحيدها جانبا لأنو نحنا أصحاب المصلحة الحقيقية بهذا المجال ودورنا مطلوب، الوطن بحاجة له بمرحلة إعادة الأعمار، النقطة الثانية، مسألة انحسار دور المرأة من الخمسينات، المرأة أخذت حضور حقيقي وبعض الحقوق في مرحلة بعد الإستقلال، تراجع دورها في مرحلة المد الديني التي ظهرت بعد انكسار المشروع القومي، لما انكسر المشروع القومي في الـ 67 ضلت المرأة بحضور القوي بعدين لما تراجع المشروع بعد هزيمة 67 حلت مكانها المشاريع الدينية كي تملئ الفراغ، وهذه المشاريع غير قابلة للاختبار، بالإضافة إلى مسألة انحسار المد الشيوعي الاشتراكي لصالح المد الرأسمالي والليبرالي، فالمرأة بهذه المنظومة الرأسمالية، سلعة تماماً،مسألة ربح وخسارة ومشاريع، وللأسف كثير من الدول ذهبت خلف هذا المد الليبرالي ومن هذه الدول سورية التي بدأت تتراجع، عند دخولها باقتصاد السوق الاجتماعي، و هو اقتصاد سوق متوحش بكل معنى الكلمة، تراجعت الدولة عن دورها الأبوي تراجع توظيف النساء، وحضورهن بالقطاع العام وبالتالي هذا زاد الفقر مع وجود مؤشرات تنمية كبيرة، ولكنها تنمية كاذبة، لم تنعكس على جيوب الفقراء بفوائدها وعائداتها بشريحة معينة.
وقالت “حمد” أن اللحظة التاريخية التي استغلها بورقيبة كانت خطوة هائلة بهذا المجال، مضيفة أنها ترى أن الدول الدينية لا تُعطي حقوق للمرأة، فالمرأة الإيرانية كانت حاصلة على حقوقها قبل الثورة الإيرانية، والذكاء البراغماتي لرجال الدين، بأن تركوا هذه الفسحة مقابل الإلتزام الشكلي بهذه القصة، فالمنظومة الدينية لا تعطي حقوق للمرأة على الإطلاق، سورية المتجددة يجب أن تكون علمانية وهذا لا يعني رفض الدين، لكن الحياد الإيجابي تجاه كل الأديان، وأضافت إن تونس تجربة ناجحة، وأن ما عصم تونس مجموعة عوامل ذاتية وموضوعية، تونس، المدخل لأي تنمية هو اعطاء المرأة حقوقها، هذا يعني قدرتها ضمن المنظومة التقليدية يعني أن تُنتج مجتمع
فالتعليم وحقوق المرأة كانا صمامي أمان ذاتياً.
نحتاج لمقاربة جديدة، يجب أن لا نخضع للعرف، يجب أن نضع الأساس القانوني كي نعطي الفرصة للمرأة، ورأت أنه لا توجد أنماط عمل ثابتة، فقد دخلت النساء كافة مجالات العمل، لأنه مطلوب منها أن تدخل كافة مجالات العمل.
وختمت “حمد” بتأكيدها على أن نعمل جاهدين لتغيير المنظومة الفكرية والثقافية بشكل جديّ وأن نكون على قدر التحديات والأعباء التي نواجهها فالوعي الذي أظهرته المرأة السورية في الحرب كان على مستوى عالي جداً من المسؤولية ولذلك يجب أن ننصفها بقوانين تعطيها حقوقها وتمكنها من ممارسة دورها في بناء وإعادة إعمار سورية.