متابعة لما بدأه المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي في تنظيم الندوات التي يتم فيها عرض لأراء متعددة تتناول عدد من الشؤون السياسية أو الإجتماعية أو الثقافية في سورية والمنطقة، نظم المركز ندوة حوارية بعنوان” الإعلام الإلكتروني وحزب البعث” عرض فيها مدير موقع البعث ميديا الإلكتروني إياد ونوس بشكل مفصل ومكثف خصائص الإعلام الإلكتروني كمحور أول بالاضافة إلى كيفية التوظيف الحزبي للإعلام الإلكتروني، والرؤية والإستراتيجية الإعلامية الحزبية كمحور ثاني.
قام ونوس بداية بالتعريف عن ماهية الإعلام الإلكتروني الذي اعتبره وسيلة جديدة من وسائل الإعلام الحديثة، تقوم على الدمج بين كل وسائل الإعلام التقليدي ووسائل الإعلام الحديثة بهدف إيصال المضامين المطلوبة بأشكال متمايزة ومؤثرة، وهذا ما يميزه عن الإعلام التقليدي. وتحدث ونوس عن الإمكانات الهائلة التي تميز الإعلام الإلكتروني عن التقليدي وبالتالي تميزه بمجموعة خصائص أولها:
التوفر، فبإمكان أي مستخدم أن يرجع الى المحتوى بأي وقت بالإضافة إلى امكانية تحديثه وهو قادر على تحقيق سبق اعلامي في أي لحظة بإعتباره جزء من منظومة العولمة الهائلة، بالإضافة الى الشمولية، فهو يستفيد مما توفره الإنترنت من مساحات نشر غير محدودة فيها تمايز فيما تقدمه التكنولوجيا من صور وفيديوهات لزيادة أثر المحتوى
أما الخاصية الأخرى فهي المرونة حيث أن المتلقي بأية لحظة قادر على الوصول إلى المعلومات بشرط أن يملك المتلقي مهارات استخدام أي كمبيوتر ومهارات التصفح على الإنترنت، مضيفاً أنه على الرغم من استخدام الكثيرين للكمبيوتر الا أن نسبة لا يستهان بها قد تكون غير قادرة على الوصول الى المحتوى الإعلامي الذي تريده على الإنترنيت، وهذه إحدى أهم المشكلات التي نواجهها يومياً.
وشدد ونوس على أهمية امتلاك مهارات التصفح ومعرفة المصادر التي يمكن أن توفر المعلومات ومعرفة الملحقات بالروابط التي يمكن أن تقدم له معلومات موثوقة، لأن الكثير من المصادر قد تقدم معلومات غير موثوقة، وتابع ونوس مؤكداً على أن أهم ميزتين يمتلكهما الإعلام الإلكتروني هما التواصلية والتفاعلية، فالرسالة الإعلامية التي يتم إيصالها عبر الإنترنت هي رسالة سريعة قادرة على الوصول الى المتلقي في زمن قياسي وقادرة أيضاً أن تحقق حالة من التفاعل، حيث يمكن أن تجعل من المتلقي شريك، فالمتلقي هنا لن يقرأ الرسالة فقط بل يمكن من خلال التعليقات والرسائل والمشاركات أن يصبح جزءاً من صناعة المحتوى الإعلامي لأي مؤسسة اعلامية دون أن نغفل ميزة هامة جداً هي الإستقصائية، فهذه الميزة بالذات ترتبط بشكل جوهري بالإعلام الإلكتروني وهذا ما يُسمى في الإعلام “برجع الصدى” حيث يتمكن الناشر من معرفة مدى تأثير المادة الإعلامية التي قام بنشرها من خلال عدد القراءات أو التعليقات وهذه الميزة لا يوفرها الإعلام التقليدي بحسب ونوس.
ولعل من الميزات التي لا نستطيع اغفالها في الإعلام الإلكتروني، خفض تكاليف الإنتاج، الأمر الذي يُعتبر أحد أهم المشاكل التي يواجهها الإعلام التقليدي فإرتفاع سعر الورق فيما يخص الإعلام المطبوع وارتفاع تكاليف زمن البث فيما يخص التلفزيونات والراديوهات هي من أبرز المشاكل التي تواجه الإعلام التقليدي، لذلك يوفر الإعلام الإلكتروني على المؤسسات مبالغ هائلة لأنه لا يحتاج الى نفس تلك التكاليف، حيث أن كل ما يحتاجه الإعلام الإلكتروني هو حجز سيرفر، خط انترنيت، جهاز كمبيوتر ويبدأ العمل.
التحررية: تعتبر ميزة هامة جداً، حيث ساهم الإعلام الإلكتروني خاصة في سنوات الحرب التي تعاني منها سوية اليوم بالتخلص من هيمنة المؤسسات الإعلامية الكبرى- التي تتبع امبراطويات الإعلام- وكانت قد جهزت خطة اعلامية موجهة ضد سورية. كان الإعلام الإلكتروني المنفذ الذي من خلاله استطعنا أن نُحدث خرقاً في الدعاية الإعلامية المضادة، تمكنا من خلاله عبر صفحات التواصل الإجتماعي وعبر مواقع خاصة أُنشئت سريعاً من تقديم محتوى اعلامي استطاع أن يحقق أثراً، ربما ليس بنفس الأثر الذي تُحدثه تلك المؤسسات، في ظل إعلام وطني رسمي لم يكن مهيأ ويفتقر لتلك الأدوات.
وشدد ونوس على أهمية خاصية المستقبلية التي يتميز بها الإعلام الإلكتروني، فهو عبر التطبيقات اللامتناهية يمكن أن نسميه إعلام المستقبل لأنه يستفيد من كل ما تقدمه التكنولوجيا، فلقد انتقل من مرحلة النص الى مرحلة”الملتي ميديا” وصولاً الى مرحلة الإنفوميديا والتي تُعرف بأنها اعلام المعلومة التي تستفيد بشكل ثنائي الإتجاه من خاصتين متوفرتين حالياً هما، السيولة الإتصالية ووفرة المعلومات الهائلة مع وفرة وسائل الإتصال اللامحددودة، بالإضافة الى السيولة التواصلية، فوسائل الإعلام والإتصال والتواصل التي باتت متوفرة لإعلام المعلومة أصبحت السمة الحاضرة للإعلام المعاصر.
وهنا تطرق ونوس الى مفهوم جديد يتم تداوله اليوم، هو مفهوم الإعلام الجديد، فالمتابع اليوم للصحافة الأجنبية أو الصحافة في البلدان المجاورة التي تطوع التكنولوجيا بشكل أكبر سيرى أن صيغة المادة الإعلامية وحجمها كله تغير، حيث يضع الكاتب في حسبانه أن عدد غير محدود من القراء سيتداول هذه المادة لذلك يجب أن يكون المحتوى سهل وبسيط ومباشر ويقدم معلومة ويتضمن مفاتيح لها علاقة بترويج المادة على وسائل التواصل، فالتغيرات هنا أصابت بنية النص حتى بأعراف الكتابة.
وبالإنتقال الى المحور الثاني الذي تناولته الندوة، قدم ونوس رؤية عن كيفية التوظيف الحزبي للإعلام الإلكتروني لصناعة القرار الحزبي الذي بدوره سيقوم بصناعة الرأي العام أو توجيهه، وهنا لابد من الإشارة الى احصائيات قد لاتعتبر متناهية الدقة ولكن يمكن الإستفادة منها، فهي ربما تعبر عن تقديرات ومؤشرات، فعلى سبيل المثال تشير بعض الإحصائيات الى وجود 70 مليون مستخدم للإنترنيت في الشرق الأوسط، 80% تحت سن الثلاثيين ، أي أن غالبية المستخدمين هم من فئة الشباب الأمر الذي يجعلنا نفكر ملياً بالمادة الإعلامية والأدوات التي يجب استخدامها في الكتابة، والأهم والأخطر هو تضاعف نسبة المستخدميين التي وصلت الى 1300% سنوياً، لذا يجب أن نأخد بعين الإعتبار الأسلوب الذي يجب علينا أن نتبعه كمؤسسة حزبية لمخاطبة وتوجيه هذا العدد الهائل الذي سيكون حاضراً على الإنترنيت بعد خمس أو عشر سنوات، وكيفية توظيف كل ما يوفره الإعلام الإلكتروني لتحقيق ذلك.
أما فيما يتعلق بالحضور السياسي، فإن حزب البعث شأنه في ذلك شأن كل الأحزاب القومية يعاني من حرب شرسة غايتها تصفية التيارات و الأحزاب القومية، ولكي نكون قادرين على مواجهة هذه العملية، يجب أن لا نكتفي بالأدوات التقليدية، وهذا لايعني التقليل من شأنها على الرغم من أنها غير كافية، لذلك لا بد من تطويع ما يقدمه الإعلام الإلكتروني، وأكد ونوس أن يمكن للإعلام الإلكتروني أن يساهم بشكل كبير بدفع وتطوير وتحسين حضور الحزب، في حال كان الحزب قادراً على توظيفه، مضيفاً أن أي مؤسسة حزبية تعاني من الخلل أو التفكك تحت الضغط والأزمات، والإعلام الإلكتروني هنا بما يوفره من مساحات مثلا لإنشاء قواعد بيانات لعمليات رجع الصدى والتفاعل مع القواعد الحزبية قادر أن يُسهل العلاقة ما بين المسؤولين الحزبيين والقاعدة الحزبية الواسعة التي يمكن أن تكون غير قادرة أن تصل الى المسؤول بالطرق التقليدية والتي قد تستغرق اشهراً أو تتعرض للضياع، ونوه ونوس الى أهمية التفكير بصناعة الرأي العام، فإذا استطاع الحزب أن يستفيد من الإعلام الإلكتروني سيتمكن ليس فقط من الوصول الى قاعدته الحزبية بل صناعة رأي عام، وذلك يكون من خلال استراتيجية اعلامية حزبية تأخذ بعين الإعتبار مجموعة من النقاط، أولها المحتوى الذي سيقدمه، ورأى ونوس أنه يجب أن لا نكتفي في كل مناسبة بإصدار بيان مكتوب بنص تقليدي، فمسؤولية القيادة الحزبية لا تقتصر على الخروج ببيان، بل أن هناك نقاط أخرى يجب التفكير بها بعد إصدار البيان وهذا جزء من عملية التواصل والتفاعل لأن المتلقي الذي تُوجه اليه الرسالة الإعلامية هو المعني فيها بالتحديد ، وهذا ما يدفعنا للتفكير بتطويع الإنفوميديا أي التخلي عن النص التقليدي، وكمقترح قال ونوس أنه من خلال الرصد والإستقراءات عبر سنوات عديدة تبين وجود تغيير هائل بمزاج المتلقي، مرده الحروب و توافر التكنولوجيا، لذلك أصبح القارئ أكثر كسلاً يسعى للوصول الى المعلومة عبر مادة سريعة .
ومن جهة أخرى، رأى ونوس أن يجب أن تُكمل الكوادر العاملة في الإعلا م التقليدي على قيمته، بكوادر تستطيع الإنتقال من مفهوم الصحفي التقليدي الى مفهوم الناشط الإعلامي، دون أن نغفل الجانب التقني المرتبط بالبنية التحتية للإعلام الإلكتروني الذي يحتاج الى مايسترو اعلامي يكون قادراً على ايصال الرسالة الإعلامية عن طريق إيجاد خلية إعلامية مرتبطة بالمايسترو الإعلامي بشكل مركزي.
وختم ونوس أن الإعلام الإلكتروني هو فضاء واسع يقدم امكانات هائلة يمكن أن يوظفها الحزب، كي يبقى موجوداً وحاضراً بقوة خاصة وأن خصومنا يطورون أدواتهم.
وبدوره رأى رئيس تحرير جريدة البعث أ. محمد كنايسي أنه على الرغم من وجود ايجابيات كثيرة للإعلام الإلكتروني إلا أنه يفتقد الى المصداقية، فهو نادراً ما يتقيد بأخلاقيات المهنة وأشار الى ضحالة لغة هذا الإعلام، مؤكداً على مسألة شديدة الخطورة وهي أنه يلجأ في سبيل الحصول على الدعم المالي الى أشكال الإثارة بمختلف أنواعها وأضاف أن ضعف الرقابة على هذا النوع من الإعلام قياساً بغيره تجعله بمنأى عن المحاسبة الجدية، مضيفاً أنه بالنسبة للمؤسسة الحزبية لابد من إقناعها بفاعلية ومصداقية هذا الإعلام وهذا يحتاج الى ثلاثة أمور، وهي أنه لابد من زمن معين حتى يدخلوا في تماس مع هذا النوع من الإعلام، ثانياً تقديم اعلام الكتروني جذاب وأخيراً إيمان المؤسسة الحزبية بجدوى هذا الإعلام مثل إيمانها بجدوى الإعلام الورقي.
وختم كنايسي، قائلاً أنه لابد من التفكير بإعادة النظر في هذا الإعلام شكلاً ومضموناً والأهم مضموناً واشراك الشباب اشراكاً حقيقياً وفاعلاً فالإعلام الإلكتروني لا يشد الإنسان إلا إذا كان تفاعلياً فالتفاعل مسألة شديدة الأهمية ولابد من ملاحظة أن الصورة في الإعلام الإلكتروني غائبة وإذا وُجدت فهي توجد بشكل خجول أو أنها ليست في موقع أساسي فيه مما يُحدث فجوة لابد من تداركها و المقصود بالصورة الرسالة المعبرة عن قصد أو مسألة تهم المتلقي.
وقال مدير تحرير الشؤون الإقتصادية والمحلية في جريدة البعث أ. ناظم عيد، إنه لم يقتنع إلى الآن بأنه يوجد تمايز بإنتاج المادة الإعلامية كصناعة بين الإعلام التقليدي الورقي بكل أنواعه القديمة والإعلام الإلكتروني، إلا أنه يوجد ميزات هي ميزات تكنولوجية متاحة، مع غياب الإحترافية، حيث يوجد استسهال، فالمادة التي تُنشر عبر الإعلام الألكتروني لاتعتبر مادة إعلامية إلا إذا حملت قيمة مضافة.
وأكد مدير تحرير جريدة البعث للشؤون السياسية والثقافية أ. بسام هاشم على أهمية التفريق بين الإعلام والتواصل، فالتكنولوجيا الجديدة أتاحت للجميع التواصل أما الإعلام فهو الضخ المنظم والهادف للمعلومات، فمهمة الإعلام لا تقتصر على تقديم المعلومات بل أن جزء من مهمته يتمثل بمعرفة كيفية حجب معلومات أخرى فتوظيف المعلومة هو ما يميز الإعلام لذلك يجب أن نكون حذرين بأن نطلق على كل المعلومات الموجودة على شبكات التواصل ” إعلام” وهذا موضوع جوهري واساسي فهناك مشكلة مع الثورة المعلوماتية وتطبيقات التكنولوجيا الحديثة تتمثل بفوضى المصطلحات فاليوم أي شيء يُسمى إعلام الكتروني وهذا الكلام ليس دقيقاً.
وهنا أشار مدير المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي الى وجود مشكلة اساسية وهي كيفية إقناع القيادة الحزبية التي غالبيتها من الأعمار الكبيرة بأهمية وخطورة فضاء الإنترنيت في صناعة وعي قبل صناعة الرأي العام لأن صناعة الرأي العام ستصبح تحصيل حاصل عند تشكيل الوعي بمفاهميم مثل مفاهيم الإنتماء والهوية لذلك يصبح السؤال الأهم هنا كيف تقنع القيادة الحزبية على مستوى تكنوقراطي بأهمية وخطورة هذا الموضوع خاصة وأن غالبية مستخدمي الإنترنيت هم من الشباب.
وخلص رئيس هيئة التحرير في جريدة البعث د. عبد اللطيف عمران إلى أن الإعلام الإلكتروني في واقع الأمر قد تم توظيفه في داخل الحزب ولكن على مستوى الأفراد أكثر مما هو على مستوى المؤسسة الحزبية
وأكد على ضرورة التواصل مع القيادة مباشرة حول إمكانية قيام دار البعث بورشة عمل مركزية تساعد الفروع الحزبية على تطوير مهارات الرفاق المكلفين بإدارة الصفحات الخاصة بالفروع والشعب الحزبية من ناحية اللغة الإعلامية المقدمة والمحتوى الذي يمكن تقديمه للمتابعين بما يخدم الحزب ويقدم رسالة بلغة معاصرة .