مقدمة:
لقد بات معروفاً- لنا نحن السوريين- على الأقل أن الحرب الكونية الشرسة التي تتعرض لها سورية منذ أكثر من ستة أعوام من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، الذين استقطبوا وجندوا المقاتلين الإرهابيين من 28 دولة في العالم، ليست وليدة لحظة اندلاع ما سمي بالربيع العربي في مصر وتونس وليبيا. إنها حرب مسبقة الصنع والتخطيط، تم تحضيرها والإعداد لها في أروقة السي آي إيه الأمريكية منذ عقود طويلة تعود إلى فترة الخمسينيات. وهذا ما أكد عليه بالدلائل القاطعة العديد من الكتاب والباحثين والصحفيين الغربيين تحديداً، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الفرنسيون: ميشيل ريمبو، ألان غريش، وجورج مالبرونو، والكاتب الكندي ستيفن غوانز الذي كتب العديد من المقالات حول الأزمة السورية كان آخرها مقال مطول بعنوان” الثورة التي لا وجود لها” تمت ترجمتها ونشرها على موقع المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي. وكان الكاتب غوانز قد نوه في ختام المقال بكتابه الذي صدر مؤخراً في نيسان المنصرم ويحمل عنوان”حرب واشنطن الطويلة ضد سورية”، ونحن هنا إذ نقدم عرضاً ملخصاً لفحوى الكتاب الذي يتطرق إلى تحليل الأزمة السورية وجذور الحرب الطويلة التي تشنها واشنطن على سورية، والأسباب التي تفسر لنا دوافع العداوة التي تكنها للحكومات السورية المختلفة وليس فقط إزاء حكومة الرئيس بشار الأسد، وإنما أيضاً تجاه حكومة والده الراحل حافظ الأسد و الحكومات الأخرى المتعاقبة التي كان فيها للقوميين العرب والشيوعيين دوراً هاماً. ونعرض ابرز الأفكار التي وردت في الكتاب. يقول الكاتب في البداية:” عندما أقول أن الولايات المتحدة تشن حرباً طويلة على سورية فذلك يعني أنها لم تبدأ عام 2011 إبان اندلاع الحراكات الشعبية في الدول العربية، أو عندما طالب الرئيس باراك اوباما الرئيس السوري بالرحيل عن السلطة. ولا أتحدث عن حرب أطلقت عام 2003 عندما اجتاحت الولايات المتحدة العراق بهدف إقصاء إحدى الحكومات العربية التي لم تكن مقربة من أمريكا. وبالتأكيد لا أعني فقط الحرب التي بدأت عام 2001 عندما عملت إدارة بوش على تسويق فكرة محاربة الإرهاب عقب هجمات الحادي عشر من أيلول لتستخدمها كذريعة لتغيير صورة العالم العربي الإسلامي.
التسلسل الزمني للحرب على سورية:
في أواسط أعوام الخمسينيات، تآمرت واشنطن مع لندن للتخلص من نفوذ سورية القومي العربي، وهدفهما من ذلك هو ثالوث القوميين والشيوعيين العرب(سورية والعراق ولبنان) الذي تعتبره واشنطن ولندن بمثابة تهديد للمصالح الاقتصادية الغربية في الشرق الأوسط. وكان “كيرمي روزفلت” هو رأس حربة التآمر وهو المتحدر من عائلة روزفلت الشهيرة آنذاك. وهو الذي قاد الانقلاب العسكري الذي أطاح بسلطة رئيس الوزراء الإيراني “محمد مصدق” لأنه ارتكب جريمة لا تغتفر ضد الهيمنة الغربية عندما أمم الصناعة النفطية الإيرانية. عمل روزفلت مع الاستخبارات البريطانية على تسويق فكرة الإخوان المسلمين للإطاحة برؤساء سورية المتعاقبين الذين تعتبرهم على الدوام تهديداً للمصالح الغربية الاقتصادية. وفي عام 1960، عمل الإخوان المسلمين على تنظيم اضرابات ومظاهرات واضطرابات رافعين شعار” إما التطرف أو أفكار القومية “أو بمعنى أدق إما تطبيق الشريعة الإسلامية أو العلمانية. وفي عام 1967 أعلن الإخوان المسلمون الحرب المقدسة على القوميين العمانيين موجهين لهم اتهام بأنهم أعداء الله. عام 1970 أسسوا تنظيم سري شبه عسكري وكانوا يتلقون التدريب العسكري والسلاح من خارج سورية، تماماً كما يحصل مع متمردي اليوم الذين تم تجنيدهم وتدريبهم في الأردن وقطر بالأموال القادمة من السعودية وقطر وتركيا و الولايات المتحدة. هكذا أطلق الإخوان المسلمون حرب عصابات مدنية على نطاق واسع من البلاد: اغتيال قياديين وأعضاء اشتراكيين في حزب البعث، اغتيال موظفي الدولة وضباط من الجيش السوري، ومهاجمة المكاتب الحكومية والمنشات العسكرية.
في عام 1973 ، كلف الرئيس الراحل حافظ الأسد مجموعة من رجال القانون بمهمة إعداد الدستور السوري الذي ينص على :”العمل على قوة ووحدة الأمة العربية و التغلب على الخلافات الدينية بغية تحقيق تحرير العالم العربي من الهيمنة الأجنبية و تطوير الاقتصاد ووضعه بأيدي الشعب السوري”، وهذا ما كانت تسميه واشنطن: الاشتراكية، ففي واشنطن كانوا يصفون حافظ الأسد بالشيوعي العربي. وهو لم يكن كذلك بل كان يأخذ حذره من الشيوعيين.
1980: سورية”بؤرة الإرهاب الإسلامي”
في فترة الثمانينات، أشار روبير بير، وهو ضابط من السي اي إيه أمضى عقوداً من الزمن في الشرق الأوسط، أن سورية هي “بؤرة الإرهاب الإسلامي” وكتب يقول:”من المرة الأولى التي وطأت فيها قدماي أرض دمشق عام 1980 ، وللوهلة الأولى اعتقدت أنه أمام الرئيس حافظ الأسد ثلاث أو أربع سنوات قبل أن تتم الإطاحة به. فقد كان الإخوان المسلمون يسيطرون على الشارع، المدارس القرآنية الدينية التي تقوم بتدريس الجهاد….و كان كبار المتحدثين في منابر الجوامع ينشرون بقوة رسائل الحقد والانتقام. وقلت في نفسي آنذاك: سوف يسيطرون على مركز مدينة دمشق و مدن أخرى.” عام 1980 أسس الإخوان المسلمون الجبهة الإسلامية السورية التي أعلن بيانها عن إطلاق الحرب المفتوحة حتى القضاء على اشتراكية حزب البعث، أي القضاء على العلمانية. عام 1982، سيطر الإخوان المسلمون على مدينة حماه وهي رابع المدن السورية، شنوا هجمات دامية على مراكز الشرطة وقتلوا الجنود المتواجدين فيها، وأقدموا على اغتيال كل القيادات البعثية في المدينة حتى أنهم قطعوا رؤوس البعض منهم. إلا أن الجيش السوري شن عملية عسكرية كبيرة لقمع ثورة الإخوان و صادر أكثر من 15 ألف رشاش قادمة من الخارج وأسر العشرات من عناصر التنظيم من بينهم قوات عسكرية تم تشكيلها في الأردن من قبل السي آي إيه . واليوم نرى أن ” المتمردين” في سورية تم تشكيلهم وتدريبهم من قبل السي آي إيه واستخبارات أخرى غربية في الأردن وقطر. عام 1990 ، شكل الإخوان المسلمين تحالفاً مع متطرفين إسلاميين آخرين لتشكيل ما يسمى الآن الجبهة الوطنية لخلاص سورية، وأنا اسميها الجبهة الوطنية لخلاص سورية العلمانية. ولهذه الجبهة هدفين: اغتيال الرئيس حافظ الأسد و إقامة دولة إسلامية تقوم على شريعة القرآن.
سورية تضاف إلى محور الشر من قبل بوش
عقب هجمات 11 أيلول 2001 ، قال الجنرال الأمريكي ،ويلسي كلارك، لأحد الصحفيين انه علم أثناء زيارته للبنتاغون عن وجود خطط تم وضعها لغزو بعض الدول، من بينها العراق، التي اجتاحتها القوات الأمريكية، وليبيا، التي تعرضت لهجوم عسكري من قبل الناتو، وسورية. في عام 2002 ، أقدمت إدارة بوش على إضافة سورية إلى قائمة محور الشر، وهي قائمة تضم الدول المستهدفة لتغيير نظام الحكم فيها. حيث ادعت واشنطن أن سورية تقوم بتطوير أسلحة دمار شامل وتدعم الإرهاب، وهي نفس الاتهامات الباطلة التي وجهتها واشنطن للعراق كذريعة لشن العدوان عليه بغية الإطاحة بحكومة بغداد القومية، وبغية خصخصة الاقتصاد العراقي الذي تعتبره واشنطن اشتراكي، بينما هو في الواقع اقتصاد قوي و دور الدولة فيه كبير. إذ يتمتع العراق بامتلاكه موارد ومصادر نفطية، وشركات وطنية وحكومية وتخطيط على أعلى المستويات لجعل العراق بمرتبة ما وصفه الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ذات يوم ب:” العصر الذهبي” وحسب الناطق فإن ” المشافي والمدارس والجامعات، المعامل والمسارح و المتاحف جميعها غزيرة ، وجميعها تعمل من أجل استيعاب اليد العاملة”. نفس الشخص كتب حول موضوع الرئيس الليبي معمر القذافي قائلاً “إن حكومته جعلت الشعب الليبي يعيش وينعم برفاهية مطلقة لم يعشها آباءهم أو اجداداهم من قبل عندما أشرك شركات الدولة والتخطيط الاقتصادي بالثروات النفطية”.
عام 2003 وفي إطار الغزو الأمريكي-البريطاني للعراق، كانت الولايات المتحدة تفكر بتوسيع عملياتها العسكرية باتجاه سورية المجاورة، إلا أنها استنتجت أنها غير قادرة على ذلك بسبب تواجد قواتها في أفغانستان والعراق، وأنها ستفكر بطريقة أخرى لتغيير نظام الحكم في سورية عندما تكون الظروف ملائمة.
عقوبات تدمير شامل:البديل الأول عن التدخل العسكري المباشر هو فرض عقوبات شديدة على سورية بغية تحقيق الأهداف المرجوة منها: تدمير الاقتصاد بغية جعل حياة شرائح الشعب العادية مأساوية بحيث تدفعها للانقلاب ضد الحكومة. وتعتبر العقوبات أداة بروباغندا فعالة، فعند تدمير اقتصاد بلد ما، فبالوسع إسناد الصعوبات الاقتصادية إلى أن الحكومة لم تطبق نظام المؤسسات الحرة ولا السياسات الاقتصادية الليبرالية، الأمران اللذان تعتبرهما واشنطن أساسيان لازدهار البنوك الأمريكية وكبار المستثمرين لشركاتها الكبرى. العقوبات الاقتصادية تحقق التطلعات والنتيجة دمرت سورية. في تشرين 2011 ، أشارت نيويورك تايمز في احد تقاريرها إلى أن الاقتصاد السوري ينهار تحت وطأة العقوبات الغربية. وفي ربيع 2012 ،” أدى الاستنزاف المالي الناجم عن العقوبات الاقتصادية إلى توقف الحكومة السورية عن تمويل المرافق والخدمات الأساسية في قطاع التربية والتعليم والصحة وقطاعات أخرى في معظم المدن السورية”.
عام 2016 ، وحسب وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة ” فان العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد سورية، ولدت معاناة كبيرة لدى الشعب السوري ومنعت خدمات المساعدة الإنسانية” . باتريك كوكبوم شبه العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية بتلك التي كانت مفروضة على العراق من عام 1990 حتى عام 2003 . وحسب تقارير الأمم المتحدة، أدت العقوبات على العراق إلى وفاة نص مليون طفل عراقي على الأقل بسبب الأمراض وسوء التغذية، وهذا الرقم فاق عدد ضحايا أسلحة الدمار الشامل على مر التاريخ. وعليه يحق لنا تسمية هذه العقوبات ب”عقوبات التدمير الشامل” فهي اشد فتكاً وتدميراً من القنابل النووية التي ألقتها أمريكا على هيروشيما وناغازاكي. باختصار استخدمت الولايات المتحدة إجراءات يعادل مفعولها مفعول قنبلتين نوويتين على العراق. ويجب ألا ننسى أن العقوبات من هذا النوع تستنزف وتدمر سورية منذ 14 عاماً. فعند رفع العقوبات عن العراق القومية العربية، تم فرض عقوبات مماثلة مباشرة على سورية القومية العربية. بمعنى أوضح، من عام 1990 حتى عام 2017، ربع قرن من الزمن، أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً اقتصادية مدمرة تعادل أي هجوم نووي، أولاً في العراق ثم في سورية، هذان البلدان القوميان اللذان وضعا سياسة واقتصاد العالم العربي تحت رقابة أو سيطرة الشعوب التي تعيش وتعمل فيهما.
إضرام نيران الحرب الإسلامية
إذاً الإجراء الأول لتغيير نظام الحكم في سورية هو العقوبات الاقتصادية، أما الثاني فيكمن في إضرام نيران الحرب الإسلامية ضد الدولة السورية. في عام 2006 ، اجتمع البيت الأبيض على الأقل مرتين مع الإخوان المسلمين وفق ما أوردت وول ستريت. وفي عام 2007، شارك الإخوان المسلمون في تأسيس الجبهة الوطنية للخلاص التي تعمل وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي على الالتقاء معها بانتظام وبشكل دوري. عام 2009 ، اشتكى الإخوان المسلمون الحكومة السورية للإدارة الأمريكية بوصفها عنصر أجنبي ومعادي يجب العمل على إقصائه. عام 2010 ، وقبل أشهر قليلة من اندلاع الاضطرابات في مدينة درعا، التي اعتبرت بداية ما اسماه الغرب “الربيع العربي السوري” ولكنها في الواقع هي استئناف ل”الثورة الإسلامية”، أعرب الإخوان المسلمون عن أملهم بان تعمل ثورة الشعب على إقصاء الحكومة السورية عن السلطة. إلا أن هذه الأمنية لم تأخذ سوى بضعة أشهر من الوقت حتى تتحقق وهذا تماماً ما كانت تحضر له الولايات المتحدة والإخوان المسلمون منذ 2006 . وفي بداية 2011 ، قبل الاضطرابات في درعا، كل شيء كان هادئاً في سورية في الوقت الذي كان فيه العالم العربي يغلي ويشهد ثورات غاضبة.أثار هذا الهدوء السوري قلق وسائل الإعلام الغربية التي أخذت تتساءل: لماذا اندلعت المظاهرات في تونس ومصر وليبيا ولم يحدث شيء في سورية؟ وسرعان ما طلبت نيويورك تايمز و مجلة التايم من صحفييها إيجاد الأجوبة بأقصى سرعة فكانت الإجابات التالية:
- كل شيء هادئ في سورية لان الحكومة تحظى بدعم شعبي كبير.
- كل شيء هادئ في سورية لأنه حتى المنتقدين للسلطة يعترفون بأن الرئيس بشار الأسد يتمتع بشعبية كبيرة.
- ولأن الأسد نجح في جعل نفسه محبوباً من قبل الشعب، خاصة من قبل شريحة الشباب، وهي شريحة بالغة في الأهمية و يجب التعويل عليها في حال اندلاع تمرد ما.
- كل شيء هادئ لان كل المحاولات الرامية لتنظيم احتجاجات ومظاهرات باءت بالفشل، لان السوريون لم يشعروا بالحاجة إلى التظاهر ضد حكومتهم. وعند البحث عن المقالات التي كتبت عن سورية في النيويورك تايمز والتايم في شهري شباط وآذار 2011 نجد أنها حملت في سياقها هذه الإجابات: لاوجود لثورة شعبية في سورية. في منتصف آذار 2011، شهدت مدينة درعا اضطرابات عنيفة شوهد فيها متظاهرون مسلحون قاموا باستهداف عناصر الأمن و إحراق المباني الحكومية وسيارات الشرطة. حتى أن السلطات الأمريكية اعترفت بأن المتظاهرين لم يكونوا سلميين وأن معظمهم كان يحمل السلاح، وذلك بحسب ما أوردت نيويورك تايمز. في الرواية التي تم تطويرها حول أسباب وجذور الصراع بعد عام 2010 ، سنجد أن “معظم المتظاهرين كانوا سلميون”، لإيهام الرأي العام العالمي بكل بساطة أن المظاهرات كانت سلمية. ولكن في هذا الوقت ذاته لم تر النيويورك تايمز ولا الناطقون باسم الإدارة الأمريكية المظاهرات سلمية بل اعترفوا بعضمة لسانهم أنها كانت عنيفة ومسلحة. بعد اسبوع على هيجان العنف في درعا، أوردت مجلة التايم في أحد مقالاتها حول سورية ما يلي:” يبدو أنه ليس هناك دعوات على نطاق واسع لقلب أو تغيير أو استبدال نظام الحكم أو الرئيس السوري الذي يتمتع بشعبية واسعة”. ما يناقض ويدحض الرواية الخرافية التي تم تسويقها وتبنيها فيما بعد. وبعد مرور شهر على بداية العنف في درعا، كتب انطوني شديد في نيويورك تايمز يقول:” تبدو المظاهرات التي تشهدها بعض المناطق في سورية بعيدة كل البعد عن أن تكون انتفاضة شعبية كالتي ميزت الثورات في مصر وتونس”. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مجلة التايم أشارت في تقاريرها إلى أن الإسلام المتطرف له دور كبير في الاحتجاجات السورية، وهنا نعرض الوصف كما جاء فيها:
- اضطرابات أهلية أضرمها إسلاميون متطرفون منذ أعوام 1960
- عصابات إسلامية منذ عام 1970 بلغت الذروة عام 1982 بسيطرتها على مدينة حماه
- البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي يعقدون لقاءات عديدة مع إسلاميين سوريين انطلاقاً من عام 2006 بعدما عزفت واشنطن عن خطتها المتعلقة بتدخل عسكري مباشر في سورية.
وها نحن نشهد الدور الكبير الذي لعبه الإسلام المتطرف في المظاهرات التي كانت عنيفة والتي حمل فيها المتظاهرون السلاح.
ضمن نفس السياق، وفي العام 2012 ، كشف احد أفرع السي اي إيه النقاب عن أن هذه “الثورة “إسلامية متطرفة يديرها ويحركها الإخوان المسلمون والقاعدة في العراق التي “بشرت” بقدوم الدولة الإسلامية.
هكذا بدأت الإشارات والدلائل تتوافر بكثرة وتؤكد أن الحراك لم يكن يوماً علمانياً سلمياً أو اندلع من أجل ديمقراطية ليبرالية، وإنما ما يجري منذ اليوم الأول ما هو إلا إنعاش و استئناف حرب قديمة أضرمت نيرانها منذ عقود بين الإسلاميين والعلمانيين، ويحظى فيها الإسلاميون بدعم الولايات المتحدة وحلفائها. وكالة الاستخبارات الأمريكية نفسها اعترفت بأن المتمردين يتلقون الدعم المادي والمعنوي واللوجستي من قبل الغرب وممالك الخليج وتركيا.
الرئيس السوري ليس العدو الوحيد:
تقوم الحملات الأمريكية الرامية إلى تغيير الأنظمة على تقليص حجم الحكومات التي تعارض واشنطن واختصارها بشخص واحد تعمل على شيطنته كما فعلت مع هتلر، أو تصفه بالديكتاتور المتوحش أو إنسان عديم الأخلاق. ولكن العدو ليس شخص.
فإذا تعين على الرئيس السوري مغادرة السلطة اليوم وحل محله شخص آخر يشاطره نفس القيم الاشتراكية البعثية، فلن تنتهي الحرب بل ستستمر. فعندما غزت الولايات المتحدة العراق و طردت صدام حسين من السلطة، أرسلت الديكتاتور الحربي “باول بريمر” إلى العراق ليطلق حملة إقصاء كل البعثيين من المناصب الحكومية، وقامت واشنطن بفرض دستور يمنع القوميين العرب العلمانيين من تبوء أي منصب في الدولة العراقية. وعليه فان الهدف الرئيسي من حرب واشنطن الطويلة على سورية ليس رحيل الأسد واستبداله وإنما إبعاد أي شيء يأتي من حزب البعث عن الدولة السورية.
كذلك الأمر بالنسبة للرئيس الليبي معمر القذافي: بعد عام على قيام الإسلاميين المتطرفين بإطاحة القذافي عن الحكم واغتياله بدعم من حلف الناتو، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال النقاب عن إن شركات النفط الغربية لعبت دوراً كبيراً في إسقاط الرئيس الليبي لأنه لم يرضخ لمطالبها وكان عنيداً في المفاوضات ويتمسك بفكرة أن الشعب الليبي يجب أن يستفيد من مصادره النفطية أكثر من أي جهة أخرى. إذ تعتبر كبرى شركات النفط الأمريكية بأن الثروات النفطية العربية والمسلمة يجب أن تثري خزائنها، ولا يجب أن تستفيد منها الشعوب التي تقطن في هذه البقعة من الأرض. ولأن القذافي رفض هذا الأمر سارعت إلى التخلص منه.
إذاً يطرح هذا الكتاب الفكرة التالية: لا يمكننا أن نفهم حرب واشنطن الطويلة ضد سورية إلا في سياق ما يسمى بالمجتمع الإنساني الذي يسمح لأعداء البشرية هؤلاء أن يتواجدوا على هذه الأرض ويعيثوا فيها خراباً وتدميراً وفساداً. وأخيراً استعير المقطع الأخير من مقالة الكاتب ” الثورة التي لا وجود لها” ليكون الخاتمة و لنر كيف تتجسد فكرة أن يكون السلام والعدل أحياناً متناقضين في الحوار التالي بين الكاتب والروائي الثوري الفلسطيني، غسان كنفاني، والصحفي الاسترالي ريتشارد كارلتون:
كارلتون: لماذا لم تشرع منظمتكم بمحادثات سلام مع الإسرائيليين؟
كنفاني:أنت لا تريد فعلاً “محادثات سلام” بل تريد القول استسلام، تنازل.
كارلتون: لماذا لا نتكلم ببساطة؟
كنفاني:نتكلم لمن؟
كارلتون: نتحدث إلى الحكام الإسرائيليين.
كنفاني: إنه كنوع من الحوار بين السيف والرقبة أليس كذلك؟
كارلتون: حسناً، إذا لم يكن هناك أي سيف أو بندقية في الغرفة، فبوسعك التحدث دائماً.
كنفاني: لا. لم أر أبداً حوار بين مستعمر و حركة تحرير وطنية.
كارلتون: على الرغم من ذلك، لماذا لا تتكلمون؟
كنفاني: نتكلم عن ماذا؟
كارلتون: عن إمكانية عدم التحارب والاقتتال.
كنفاني: لا نقاتل من أجل ماذا؟
كارلتون: لا نتحارب بشأن أي شيء أياً كان هذا الشيء.
كنفاني: يتحارب الناس عادة من أجل شيء ما، وإذا توقفوا عن الاقتتال فمن أجل الشيء عينه
وبالتالي ليس بوسعك أن تقول لي لماذا وعن أي شيء يتعين علينا التحدث، لما علينا التوقف عن التحارب؟
كارلتون: نتحدث عن التوقف عن التحارب لحقن الدماء و إنهاء المأساة و التدمير والآلام.
كنفاني:مأساة وتدمير، ألم وموت من ؟
كارلتون: الفلسطينيون، الإسرائيليون والعرب.
كنفاني: مأساة الشعب الفلسطيني الذي اقتلع من جذوره والقي به في المخيمات، الذي يعاني من الجوع والعطش، ويغتال منذ عشرين عاماً ويمنع من اسمه الخاص به”فلسطينيون”؟
كارلتون: مع ذلك كله، يبقى التحدث عن وقف التحارب أفضل من الموت.
كنفاني:ربما بالنسبة لك هذا صحيح. ولكن بالنسبة لنا، من أجل تحرير أرضنا، وامتلاك كرامتنا
وامتلاك الحقوق الإنسانية، هذه الأمور هامة وأساسية كالحياة نفسها.