“ليكن سباق أسلحة” دعوة قالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنتخب في شهر كانون أول الماضي وعليه بدأت كل الأطراف الدولية بمراجعة أوضاعها النووية تلبية لهذه الدعوة.
وكذلك تحدث ويليام بيري وزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس بيل كلينتون لشبكةCNN : احتمال وقوع كارثة نووية عالمية هو أكثر الآن من أي وقت مضى، بل إن محفزات الصراع النووي حول العالم تتجاوز فترة الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية وأيضا أزمة الصواريخ الكوبية ” التي حدثت في تشرين الأول 1962 ويومها وصل العالم إلى حافة الصراع النووي، وأنقذ بالصدفة البحتة، وتنازل الطرفان الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي بعد ذلك بسحب متبادل للصواريخ من كوبا (السوفياتية)، ومن تركيا (الأميركية)، لقد كان في كلا المعسكرين (الأميركي والروسي وقتها) رجال شغوفون بالحرب. وأضاف بيري ” كارثة نووية يمكن أن تحدث من خلال إطالة الصراع المناطقي وتفاقمه، كما يحدث في سورية اليوم. وبالتالي، فالاحتمالات متعددة، منها حصول مجموعة متشددة على نوع من أنواع القنبلة القذرة التي يمكن أن تقتل ملايين، أو وقوع صراع بين دولتين في العالم الثالث لكل منها قدرة نووية، أما وهو الأهم أن ترى مجموعة من السياسيين في معسكر ما أن الضغط على مصالح دولته لم يعد يطاق!
وكذلك حذرت الأمم المتحدة من أن يؤدي تصاعد التوترات في العالم، مضافا إليها الحرب الإلكترونية المتفاقمة، إلى كارثة نووية لا تحمد عقباها. ورسمت صورة متشائمة للتهديدات التي تواجه العالم.
إذا هناك مؤشرات لاقتراب العالم من المواجهة النووية فمنذ عام 1953 عندما اختبرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي القنابل الهيدروجينية وأزمة الصواريخ الكوبية في ستينيات القرن الماضي لم يطارد شبح الحرب النووية العالم كما اليوم.
بدأ ما يعرف بـ”نادي النووي” في حزيران عام 1945، مع أول قنبلة نووية فجرتها الولايات المتحدة الأمريكية، ثم تلاها الاتحاد السوفييتي في أيلول 1949، بتجربة أول قنبلة نووية في صحراء سيبيريا، وبعدها انضمت بريطانيا وفرنسا والصين إلى النادي, إلى أن تم توقيع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية في حزيران 1968، ووقعت على هذه الاتفاقية حتى الآن 189 دولة.
وقد سعت الدول التي تمتلك أسلحة نووية إلى منع دول أخرى من امتلاك تلك الأسلحة، معللة ذلك بخشية وقوعها في قبضة الإرهابيين. ورغم ذلك امتلكت الهند وباكستان الأسلحة النووية و حصلت بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا عليها لأنهم أعضاء في حلف الناتو وامتلكت إسرائيل أيضا السلاح النووي رغم إنها لم تصرح حتى الآن بامتلاكه.
وكانت جنوب أفريقيا قد شرعت في إنتاج قنبلة نووية، لكنها فككت مشروعها تحت ضغط من المجتمع الدولي، كما امتلكت السويد والبرازيل وسويسرا ومصر، برنامجاً نووياً عسكرياً في أوقات مختلفة، لكنه لم يكتمل.
أما إيران فقد اتهمت مرارا بسعيها لتصنيع قنبلة نووية، واقتصر برنامجها على الأغراض السلمية.
ما هي القنبلة النووية
يطلق اسم “القنبلة النووية” كاسم عام على كل من القنبلة الذرية والقنبلة الهيدروجينية .
القنبلة الذرية هي القنبلة التي تعمل بمبدأ الانشطار الذري، إذ تنتج طاقة هائلة نتيجة الانشطار المستمر في الذرات غير المستقرة لعناصر مثل اليورانيوم.
أما القنبلة الهيدروجينية فتعتمد على اندماج أنوية الذرات، ووقودها الأساسي هو عنصر الهيدروجين، والتفاعل في هذه القنابل يشبه التفاعلات التي تحدث في الشمس، وهذا النوع أقوى بآلاف المرات من القنبلة الذرية.
القنبلة القذرة هي قنبلة محاطة بمواد مشعة تنتشر على نطاق واسع على شكل غبار أثناء الانفجار، وهي تتميز بكثافة حرارية وميكانيكية مماثلة لأي قنبلة عادية أخرى، لكن خطورتها تكمن في المواد المشعة التي تنثرها، وهدفها تلويث المنطقة وليس تدميرها.
يوجد حوالي 15 ألف رأس حربي نووي في العالم، تمتلك روسيا معظمها، وتليها الولايات المتحدة، فيما تمتلك بقية الدول النووية عددا قليلا من القنابل النووية.
ووفقا لمجلة “علماء الذرة” الأمريكية فإن روسيا تمتلك أكبر ترسانة نووية في الوقت الراهن، إذ يبلغ احتياطيها 8500 رأس نووية، بينما يبلغ الاحتياطي النووي للولايات المتحدة الأمريكية نحو 7700 رأس نووي في آذار 2013.
بينما تضم الترسانة النووية الروسية الموضوعة في الخدمة نحو 1800 رأس استراتيجي، في حين تبلغ لدى الولايات المتحدة الأمريكية نحو 1930 رأسا.
ووقعت روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2010 معاهدة حول تقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، عرفت باسم “ستارت 3″، وتنص على تقليص الوسائل الاستراتيجية المنتشرة إلى 700 قطعة وعدد الشحنات النووية إلى 1550 شحنة لدى كل طرف.
أما فرنسا فلديها نحو 300 رأس نووية والصين 260 وبريطانيا 215، ويعتقد أن باكستان تمتلك 130 رأسا نوويا والهند 120، بينما لدى كوريا الشمالية 10 رؤوس نووية فقط.
هناك ساحات كثيرة في العالم مرشحة لمواجهات نووية فهناك الشرق الأوسط حيث التحدي بين السعودية وايران على أشده وأيضا بين اسرائيل وايران، فالمنطقة تشهد سباق تسلح نووي. وفي أوروبا هناك إمكانية لمواجهة نووية أيضا بسبب الدرع الصاروخية الأمريكية في الداخل الأوروبي الذي يواجه رفضا من روسيا. وكذلك بحر الصين الجنوبي، وهو منطقة صراع مرجحة لمواجهة نووية صينية روسية في مقابل أمريكا. وأخيرا الساحة المرجحة أكثر الجزيرة الكورية. حيث ازدادت في الفترة الأخيرة التوترات في شبه الجزيرة الكورية، وتبادلت الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية التهديدات باستخدام الأسلحة النووية، كما أعلنت اليابان استنفار قوات الدفاع الذاتي، كل هذا جذب أنظار العالم بأسره إلى تلك المنطقة وإلى الأسلحة النووية بشكل عام، فقد بدأ العمل في البرنامج النووي في كوريا الشمالية عام 1952 بدعم من الاتحاد السوفييتي، وفي عام 1959 انضمت الصين لمساعدتها إلى جانب الاتحاد السوفييتي، وفي عام 1963 طلبت بيونغ يانغ تطوير الأسلحة النووية، لكن موسكو رفضت، وكذلك بكين، بل أجبرت موسكو كوريا الشمالية في عام 1985 على توقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في مقابل توريد مفاعل بحثي، ويعتقد أن الكوريين عملوا على تطوير أسلحتهم النووية في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي دون علم الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ووفقا لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، وقع أكبر تفجير نووي في التاريخ في العام 1961، زمن الاتحاد السوفياتي، ويعرف الاختبار باسم “Tsar Bomba”، حيث بلغت قوة الانفجار 50 ميغاطن، أي أقوى بحوالي 3800 مرة من قنبلة هيروشيما التي كانت تزن 15 كيلو طن ، ودمرت كل شيء وحرقت جميع من كان داخل 2 كيلومتر. وكان صاروخ ترايدنت الذي أطلق يحمل الرأس الحربي بوزن 455 كيلو طن من قوة المواد المتفجرة ، وهذه مجرد قنبلة واحدة، ولكن صاروخ ترايدنت يحمل ثماني من هذه الرؤوس الحربية، وقد يقوم المخططون العسكريون بإسقاطهم حول هدف واحد، مما سيخلق عاصفة على غرار قصف الحلفاء التقليدي الذي تم في هامبورج وطوكيو خلال الحرب العالمية الثانية. للأسلحة النووية قدرات مختلفة، ولكن روسيا والولايات المتحدة لديها أقوى الأنواع، وهي الأسلحة النووية الحرارية.
وعلى افتراض أن 13800 قنبلة نووية سوف تنفجر على سطح الأرض، بطريقة تكون فيها موزعة بشكل متساو في جميع أنحاء العالم، فإن 94 كم مربع من الأراضي ستنسف على الفور، بالإضافة إلى تدمير 232 ألف كم مربع من البنية التحتية.
كما سيؤدي الانفجار إلى تكون كرة نارية ستقضي على كل شيء يعترض طريقها داخل نطاق يمتد إلى 79 ألف كم مربع، فضلا عن أن أي شخص يتواجد على مدى 5.8 مليون كم مربع سيصاب بحروق من الدرجة الثالثة. فضلا عن إن معظم الناجين من الإنفجار سيعانون من أمراض ناتجة عن الإشعاعات المؤذية ذات الطاقة العالية الناتجة عن الانفجار والتي أدت إلى تلوث الهواء .
أما بالنسبة للذين نجوا من الانفجار ومن التلوث الإشعاعي، فإن عليهم الاستعداد لفترة طويلة من الظلام. وكذلك فإن الشتاء النووي سيبرد العالم لمئات السنين حيث ستصعد الجسيمات الناتجة عن الانفجارات البركانية إلى الغلاف الجوي العلوي، فتؤدي إلى تبريد درجة حرارة المنطقة من حولها على غرار مفهوم التبريد البركاني.
ومن شأن دخان الكربون الأسود الناتج عن الانفجارات الضخمة أن يمنع أشعة الشمس من الوصول إلى سطح الأرض، ويغرق العالم في الظلام، مما يجعل التمثيل الضوئي مستحيلا، ويؤدي إلى انهيار النظام البيئي.
واليوم معظم الرؤوس الحربية النووية في العالم هي في أيدي الرجال الذين بالنسبة لهم أصبحت فكرة استخدامها ممكن تصورها.
ما نعرفه هو أن ترامب كان مهووساً منذ الثمانينيات بالأسلحة النووية، وأنه يرفض العمل بمشورة المهنيين العسكريين، وأنه يبدو أنه لا يفهم مفهوم الناتو الأساسي من الأسلحة النووية باعتبارها رادعاً سياسياً، بدلا من سلاحاً عسكرياً.
وبالنسبة لكيم جونغ أون، الأسلحة النووية سلاحا يهدد باستعمالها . وبالنسبة إلى فلاديمير بوتين، أيضا ممكن تصورها حيث أن كل المناورات الروسية الكبرى تنتهي بمرحلة “التصعيد النووي”. وفي 22 كانون الأول من العام الماضي، أعلن ترامب وبوتين في وقت واحد تقريباً أنهما سيعملان على توسيع ترساناتهما النووية وتحديث التكنولوجيا. ونتيجة لهذه الأقٌوال والأفعال أصبحت الحرب النووية الحديث الشاغل والمهم لكل وسائل الإعلام بكل أنواعها الإلكترونية والمسموعة والمرئية والمقروءة. وأصبحت هوس مفاجئ للجميع، والعنوان رقم 1 في نشرات الأخبار، والقلق رقم 1 للسياسيين الديمقراطيين والمحبين للسلام. وكذلك التحذير الأول والأهم لمنظمات الأمم المتحدة فقد اعتبرت المنظمة الدولية، في تقرير شامل صدر عن معهد نزع الأسلحة التابع لها أن”عدم استخدام أسلحة نووية منذ كارثتي هيروشيما وناكازاكي، لا يمكن أن يشكل بحد ذاته ولا بتفسيراته من تلقاء نفسها، دليلاً كافياً على أن احتمال وقوع كارثة نووية هي عند الحدود الدنيا!” “على الرغم من أن تفجيرات خطرة لم تحدث حتى في الظروف التي كانت فيها الحرب الباردة على أشدّها، فإن الإنذارات الكاذبة، والحوادث داخل وحول الأسلحة النووية، تجعلنا نفكر بهذه الأخطار الماحقة”.
واعتبر التقرير أن الأخطار والتهديدات تزايدت كثيرا مع جعل منظومات القيادة والسيطرة على الأسلحة النووية آلية. وقال إن الاعتماد على النظم الآلية في إدارة الأسلحة النووية أدى ويؤدي إلى زرع ثقة في غير محلها بشأن أمانها وسلامتها.
وأوضح التقرير أن الحفاظ على الردع النووي سيبقى قائماً حتى الوقت الذي يثبت فيه عدم صلاحيته!” والخطر متأصل، وعندما يسوء الحظ، فإن النتائج ستكون كارثية بلا أدنى شك”.
وخلص التقرير إلى القول: “ينبغي لهذه الدول أن تتخلى عن خطط تطوير أنظمة تسلح نووي جديدة والعمل على تخفيف حدة التوتر في ‘المشهد الأمني الدولي”
في هذا العالم المجنون الذي نعيش فيه الآن، وانتشار الجماعات الإرهابية الدولية، وسقوط بعض الأنظمة المستقرة ومن ثم تشظي بعض الدول، فإن هناك خطر جم من استخدام التكنولوجيا النووية خصوصا بوجود سياسيين وعسكريين مهووسين والحديث هنا ليس عن ترامب فقط بل ها هي رئيسة الوزراء البريطانية، تريزا ماي، تقول إنه سيكون “من الخطأ التام” بالنسبة لبريطانيا أن تتخلص من أسلحتها النووية وطالبت بتجديد البرنامج النووي الذي وصفته بأنه “الضمانة الأكيدة” لأمن البلاد. وتابعت أن التهديدات من دول مثل روسيا وكوريا الشمالية لا تزال “واقعية للغاية.
كان يمكن لتريزا أن ترسل رسالة مفيدة في عيد الفصح تكون امتثالا لمعاهدات عدم انتشار الأسلحة النووية وتقول لن نستخدم أبدا أسلحتنا النووية وسوف نلتزم بالضغط الدبلوماسي والاقتصادي لحمل الدول على الامتثال وسنستخدم نفوذنا الدبلوماسي المستقل لتعزيز نزع السلاح وعدم الانتشار.
ولكن صمت بريطانيا تماما مثل لعب ترامب بالتصعيد العسكري وإعادة التسلح. ربما كانت عملية إطلاق الصواريخ الأمريكية من قطع بحرية عسكرية أمريكية علي مطار الشعيرات في سورية إيذانا بالخطر الأمريكي الوارد حدوثه في أي لحظة؟ يخبرنا “بروس بلاير” ضابط إطلاق الصواريخ السابق في الجيش الأمريكي، بأن دونالد ترامب شخص خطير، وأنه الوحيد الذي بإمكانه أن يقرر وبصورة منفردة إطلاق آلاف الأسلحة النووية خلال دقائق وعبر مكالمة هاتفية بسيطة.. . ما يفعله قادة العالم يعتبر اجرام بحق شعوبهم .