مع تطور الحياة البشرية أصبحت الضرورة ملّحة جداً لصياغة واضحة لحقوق الإنسان ولأهمية الحفاظ على هذه الحقوق وتعقيداتها وعدم تناسيها أو إغفالها خاصّة بعد ما خبِره العالم من فظائع وكوارث جرّاء الحرب العالمية الثانية،من أجل كل ذلك وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة تمّ وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تعهدت فيه بعض حكومات العالم بتأييد حقوق معينة بحيث لا تكون محصورة بمواطنيها فقط بل تضم الأشخاص في بلدان أخرى، وكان ذلك في عام 1948 حيث أصبح الإعلان العالمي هو المعيار الدولي لحقوق الإنسان.
وفي عام 1993 عُقِد مؤتمر عالمي لحقوق الإنسان حدد التزامه بميثاق حقوق الإنسان والتعهد بالعمل على إحقاقها في العالم وتجسد ذلك بالضوابط والمعايير والحاجات الأساسية التي لا يُمكن للبشر العيش حياة طبيعية كريمة بدونها، وتَعتبر حقوق الإنسان أساس العدالة والأمان على وجه الأرض، كما أنّ تلبيتها تساهم في تنمية المجتمعات البشرية ونهوضها بل هي أساس لكل أشكال الحياة ويمكن أن نقول أيضاً أنّ حقوق الإنسان هي كل الحقوق اللازمة لجعل الإنسان يشعر بإنسانيته وهي شاملة وجامعة لكل نواحي حياته المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن وكعادة الدول المهيمنة على السياسة العالمية قامت بتسخير هذه المنظمات الإنسانية لتحقيق مصالحها بغض النظر عن كل ادعاءاتها باحترام وصيانة حقوق الإنسان،حيث أصبح الدفاع عن تلك الحقوق شمّاعة تتخذها تلك الدول للتدخل في الشوؤن الداخلية للدول الأخرى لا بل وصل الأمر في كثير من الأحيان إلى شن حروب على دول أخرى في انتهاك صارخ لسيادتها.
كالاحتلال الأمريكي للعراق بذريعة القضاء على الأسلحة الكيماوية هناك حيث قامت امريكا بانتهاكات يندى لها جبين الإنسانية في ذلك البلد ولقد خلّف هذا الاحتلال أكثر من مليون شهيد وعشرات الآلاف من المصابين والأرامل واليتامى بالإضافة إلى سرقة ونهب آثار وبترول العراق وتحويله إلى واحة للديمقراطية حسب المفهوم الأمريكي للحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان ليدخل العراق بعدها في صراع ديني وطائفي وعرقي ويصبح من أكثر بؤر العالم توتراً وخطورة، فعندما وصل بوش الابن إلى رئاسة الولايات الأمريكية أوهم العالم بأن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وأنّه قاب قوسين أو أدنى من استخدامها وبالتالي سيهدد السلم والأمن الدوليين وهنا دارت ماكينة الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية لتتهم العراق آنذاك بامتلاكه لتلك الأسلحة بعد أن عانى من حصار وعزلة دولية لسنين عديدة ولم ننس الفيلم الهوليودي الذي قام به وزير الخارجية الأمريكية كولن باول آنذاك في مجلس الأمن في محاولة لتقديم ذرائع تبرر الاحتلال دون أن ننسى المفارقة العجيبة التي تناساها بوش أيضاً وهي جريمة استخدام بلاده للقنبلة النووية في هيروشيما أثناء الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي حيث كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت هذا السلاح الفتّاك. وبعدها وصل إلى سُدة الرئاسة باراك اوباما الذي ادّعى أنه سيغلق معتقل غوانتانامو الذي تحدث فيه انتهاكات إنسانية بحق الموجودين داخله والذي يقبع فيه العشرات من المتهمين الذين لم تتم محاكمة بعضهم أصلاً حتى الآن وهاهو أوباما ينهي ولايتين رئاسيتين من دون تنفيذ هذا الوعد وهي بالتأكيد لم تكن المرة الوحيدة التي يُظهر فيها الرؤساء الأمريكيون عكس ما يُبطنون في سياستهم المعلنة فلقد صدّعت الولايات المتحدة الأمريكية العالم بالشعارات البرّاقة كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وهي نفسها من أخرجت من تحت عباءتها عدداً كبيراً من قيادات التنظيمات الإرهابية الذين نجدهم اليوم في داعش والنصرة، وكان هذا باعتراف صريح وواضح من هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية التي صرّحت علانية أنّ أمريكا هي مَن أوجدتهم لتحارب بهم الاتحاد السوفييتي في افغانستان سابقًا، حيث قامت بتجنيدهم واستقدامهم من كل الدول كالسعودية وفيما بعد شكلوا تنظيم القاعدة.
عملت أمريكا وغيرها من الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا على دعم إن لم نقل أنها كانت وراء الأحداث التي جرت في الوطن العربي أو ما سُمي بالربيع العربي فلقد أوصلت الدول العربية إلى وضع إنساني مُزري وكعادتها أخذت الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقها حماية حقوق الإنسان حيث نصّبت نفسها( شرطي العالم ) لتقييم الأوضاع الإنسانية في الدول في تكرار مُمل لديباجة حقوق الإنسان ودأبت على إعداد التقارير الدّولية عن أوضاع حقوق الإنسان في الدول بشكل ينطبق مع مصالحها وغاياتها فتارة تعقب على الأوضاع الإنسانية في كوريا الشمالية وتارة في فنزويلا وكوبا وغيرهما من بلدان العالم في تدخل وانتهاك سافر لسيادة تلك الدول.
إنّ ازدواجية المعايير التي تتبعها أمريكا في سياستها الخارجية ليست بغريبة إذ نراها تتغاضى عن الوضع الإنساني في الدول التي تتشابك مصالحها معها كالسعودية التي تمثل نموذج سيء السمعة ليس فقط على مستوى المنطقة بل على مستوى العالم، بالإضافة إلى بعض دول الخليج كالبحرين التي تقوم فيها السلطات هناك باحتجاز واعتقال العشرات من الناشطين الحقوقيين والتضييق عليهم وليس العدوان الذي تشنه السعودية والإمارات على اليمن منذ ما يقارب السنتين سوى حقيقة مؤلمة عن الانتهاكات الدولية التي تحصل أمام مرأى ومسمع العالم.
أمّا بالنسبة لسورية التي تتعرض منذ سبع سنوات لحربٍ ظالمةٍ تشنُها عليها دول عربية واقليمية ودولية فلقد اتخذت أمريكا موضوع حقوق الإنسان شمّاعة لتبرر تدخلها السافر فيها، فمنذ بداية الأحداث وحتى الآن عملت أمريكا بالتعاون مع حلفائها الإقليميين والغربيين والعرب على دعم مجموعات صنّفتها على أنّها “معارضة سورية معتدلة”، لكن في واقع الحال فإن أقل ما يُقال عنها أنّها إرهابية. فقد أثبتت الوقائع والأحداث قيام تلك الجماعات الإرهابية المدعومة أمريكياً واسرائيلياً باستخدام الأسلحة الكيماوية لتُسارع بعدها أمريكا وحلفائها لاتهام الحكومة السورية لتبرر تدخلها تحت مسمى الدفاع عن حقوق الإنسان
وحماية الشعب السوري.
أصبحت سياسة الكيل بمكيالين المتبعة من قبل تلك الدول من الماضي لأنّها لم تعد تحقق أهداف وغايات تلك الدول المهيمنة على السياسة الخارجية وذلك بسبب تغير التحالفات الإقليمية والدّولية وانتهاء ما كان يسمى بسياسة القطب الواحد التي كانت تنتهجها أمريكا لتتدخل بـ الدول تحت مُسمى الدفاع عن حقوق الإنسان من أجل السيطرة على مقدرات الدول .