منذ احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003 وما تبع ذلك من انهيار المؤسسات بكل أشكالها، انتشرت ظاهرة الجماعات المسلحة واستفحل الإرهاب في كل مكان، وتطورت هذه الجماعات ايديولوجيا وتنظيمياً وعسكرياً خلال السنوات التالية للاحتلال حتى وصلت إلى أكثر أشكالها تنظيماً متمثلا في تنظيم “الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام” تحت اسم “داعش”.
خضع تنظيم الدولة الإسلامية مثل غيره من التنظيمات الإرهابية للرقابة والمتابعة من الناحية المالية من جانب المنظمات والمؤسسات المعنية بمكافحة الإرهاب على مستوى العالم. وقد كشفت عمليات المراقبة وتتبع تمويل تنظيم داعش عن تغيرات هائلة في بنية التمويل ومصادره. فقد جاء في تقرير إدارة العمليات المالية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي هيئة دولية مستقلة تعمل من خلالها حكومات الدول المختلفة على تطوير وتعزيز سياساتها لحماية النظام المالي العالمي، أن داعش تنظيم إرهابي يختلف كثيراً عن التنظيمات الأخرى، وأن عمليات تمويله تنطوي على أهمية خاصة، إضافة إلى أنها ذات طابع مركزي. لا يختلف أحد على قدرة التنظيم على التمويل ذاتيا بالاضافة إلى وجود قوة دولية تموله .
توفرت لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام مصادر تمويل لم تتوفر لتنظيم إرهابي من قبل، بدءا من تدفق التمويل من كل حدب وصوب وصولا الى الحصول على الأسلحة والعتاد والقدرة على إقامة معسكرات لتدريب مقاتلي التنظيم وتوسيع نطاق عملياته ليمتد خارج حدود العراق وسورية.
تضمنت مصادر تمويل داعش طبقا للتقرير ما يلي:
– مكاسب غير شرعية يحصل عليها التنظيم بسبب احتلاله للأرض. وتتضمن: إيرادات وأصول فروع البنوك في المناطق الخاضعة للسيطرة، السيطرة على آبار النفط والغاز ومصافي تكرير النفط، والسيطرة على أصول مالية واقتصادية مختلفة تتضمن مزارع ومصانع ومساكن وغير ذلك، وهي النسبة الأكبر من إيرادات التنظيم.
– تبرعات يحصل عليها التنظيم من منظمات ومؤسسات تقوم باستغلال شرعيتها في جمع تبرعات داخل أو خارج المناطق الخاضعة وتحويلها إلى الإدارة المالية لتنظيم داعش.
– خطف الأفراد والمطالبة بفدية مقابل الإفراج عنهم، وعادة ما يتعرض أفراد العائلات الميسورة لمثل هذه الممارسات.
– تهريب الأموال والذهب ومسروقات المقتنيات الأثرية والفنية.
– فرض ضرائب ورسوم وأتاوات على المتاجر وغيرها من مؤسسات الأعمال.
وضمن إطار “حالة داعش الاقتصادية” كشفت دراسة نفذتها كلية كينجز في لندن وشركة (ارنست أند يانج) الاستشارية أن دخل تنظيم داعش الإرهابي تراجع إلى النصف في العامين الأخيرين، وأكدت الدراسة أنه “مقابل دخل بقيمة مليار و890 مليون دولار حققه تنظيم داعش في 2014، تراجع في 2016 إلى 870 مليون دولار فقط”.
وعن نفس الموضوع قام المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي بنشر تقرير كامل على موقعه تحت عنوان “الخلافة في انهيار”. ركز التقرير على تقدير موارد داعش خلال الفترة من 2014-2016 معتمدا على مصادر معلومات من وثائق التنظيم المسربة، وشهادات المقبوض عليهم، والتقارير الحكومية، والمقالات الصحفية، والتحقيقات الإعلامية، ودراسات مراكز الفكر، والمقابلات التي أجريت مع الخبراء والمسؤولين الحكوميين.
كانت النتائج على النحو التالي:
بالنسبة للضرائب والرسوم المفروضة في مدينة الموصل أكبر مدن التنظيم بصيف عام 2014، تلقى التنظيم مبلغاً يتراوح ما بين 300-400 مليون في عام 2014. وعلى الرغم من خسارته لأراضي على مدار العام، زادت الضرائب وتراوحت ما بين 400-800 مليون دولار في عام 2015. وبفقدان المدن التي احتلها التنظيم انخفضت الإيرادات في عام 2016 لتصل إلى ما بين 200- 400 مليون دولار.
وبالنسبة لعائدات النفط والغاز، شهد عام 2014 عائدات نفط بلغت ما بين 150- 450 مليون دولار بناء على تقديرات الأرباح في الأشهر التالية للاستيلاء على العديد من آبار النفط العراقية خلال الصيف. وأدى استغلال الحقول على مدار عام 2015 في زيادة الربح ليتراوح ما بين 435-550 مليون دولار. ومع فقدان السيطرة على أسواق النفط الرئيسية في شمال سورية وغرب العراق، قدرت الأرباح لما يتراوح ما بين 200-250 مليون دولار في عام 2016.
وتبين التقديرات أن عمليات الخطف قد بلغت أرباحها في عام 2014 ما بين 20-40 مليون دولار. فيما لم تتوفر بيانات حول عام 2015، إلا أنه من المرجح أن يكون معدل الأرباح أقل من العام السابق، حيث أن معظم الرهائن قد تم الإفراج عنهم. وخلال عام 2016 حصل التنظيم على بعض الإيرادات من خطف الأهالي والحصول على فدية نظير إطلاق سراحهم، كان من بين هؤلاء المختطفين 230 من الآشوريين المسيحيين الذين تم الإفراج عنهم، ومن ثم بلغ حجم الإيرادات ما يتراوح ما بين 10-30 مليون دولار.
وبالنسبة لمورد الآثار، يقوم التنظيم ببيع التحف، ويكسب المال من بيع تصاريح الحفر وفرض رسوم العبور، ويعتبر الدخل المتولد من هذه الأنشطة أقل مصادر الدخل، ومن المرجح أن تنخفض إيراداته أكثر مع التقلبات الإقليمية ومنع التنظيم من الوصول إلى العديد من المواقع.
وفيما يتعلق بالتبرعات الأجنبية، هناك بعض الأدلة على أن التنظيم يتلقى تبرعات من دول الخليج بالإضافة إلى أن التنظيم يستفيد من الدعم الخارجي الذي تقدمه السعودية وتركيا وبعض الدول للجماعات المتمردة الأخرى في سورية .
وبالنسبة لأعمال النهب والمصادرة والغرامات، ومع توسع التنظيم في عام 2014 باستيلائه على مساحة واسعة من الأراضي، حقق التنظيم إيرادات تتراوح ما بين 500 مليون دولار إلى مليار دولار من أعمال النهب، وخصوصاً في الموصل، التي استولى عليها بالكامل في شهر حزيران من ذلك العام. وبناء على بعض الأدلة من وثائق ميزانية المحافظات، وصلت تقديرات عام 2015 و 2016 إلى تقديرات منخفضة مع تراجع مساحة الأراضي التي يحتلها التنظيم (بنسبة 14٪ في عام 2015 و 23٪ في عام 2016)، والخسائر الحاصلة بسبب تراجع عدد السكان الذين هم تحت السيطرة بناء على تقديرات ما قبل الحرب ( بنسبة 4.8٪ في عام 2015 و18.3٪ في عام 2016)، علاوة على تناقص معدل المصادرات. حيث بلغت التقديرات ما بين 200-300 مليون دولار في عام 2015، و110-190 مليون دولار في عام 2016.
وبحسب التقرير فإن هناك من الأسباب التي تدعو للقول بأن مصادر تمويل التنظيم في طريقها للانهيار، خاصة وأن تحرير الموصل التي تمثل العاصمة التجارية لدولة التنظيم، سيمثل مصدر خطر كبير على تمويلات التنظيم. وباختصار، فقد انخفضت ميزانيات التنظيم بسبب الحملة العسكرية الكبيرة لعزل التنظيم وتحرير الأراضي التي حصل عليها.
يرد محتوى التقرير كاملاً على الرابط التالي:
http://icsr.info/wp-content/uploads/2017/02/ICSR-Report-Caliphate-in-Decline-An-Estimate-of-Islamic-States-Financial-Fortunes.pdf