كيف غيّر تطوّر تكنولوجيا وسائل الإعلام الإرهاب
موجز
سعى المتطرفون إلى تسخير أحدث تقنيات وسائل الإعلام لغرس الخوف في قلوب الشعوب المستهدفة وللحصول على الدعم من الجماهير المتعاطفة. ويقومون بغية تسهيل عمليات التجنيد عندهم بتكييف تكتيكاتهم واستراتيجياتهم وهيكلة مؤسساتهم وفقاً لذلك. هذا ومكن التطور التكنولوجي السريع، الذي حدث مؤخراً، الإرهابيين من الوصول إلى جمهور أوسع وبسرعة مباشرةً، لتحقيق الأهداف وإيصال الرسائل دون شن هجمات واسعة النطاق والتي تتطلب بنية تحتية مادية كبيرة. ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الثورة الرقمية على نحو متزايد، فإنه يمكن لهم الاعتماد على ما سماه الاستراتيجي الجهادي السوري أبو مصعب السوري، “الإرهاب الفردي”. ومع خسارة الدولة الإسلامية للأراضي واللامركزية المتزايدة لشبكة القاعدة، قد يأخذ الأفراد والخلايا الصغيرة المستقلة زمام المبادرة في كل من عمليات القتل ورسائل الإرهاب.
أقدم مجرم متطرف فرنسي، حوالي الساعة التاسعة من مساء الثالث عشرة من شهر حزيران من هذا العام، يدعى عبد الله العروسي والبالغ من العمر 25 عاماً، على قتل جان بابتيست سالفينغ، كبير مسؤولي الشرطة المحلية، في منزله في حي سكني في مانيانفيل، وهي بلدة صغيرة شمال غرب باريس. طعن العروسي سالفينغ سبع مرات بسكين كبير، وهو نفس السلاح الذي استخدمه لقتل زوجة الشرطي. تاركاً ابنهما البالغ من العمر ثلاث سنوات دون أي أذى، توجه بعدها العروسي إلى هاتفه الذكي.
مستخدماً الميزة الجديدة لتطبيق الفيسبوك، فيسبوك لايف (ميزة البث المباشر على الفيسبوك)، بثّ رجل تسليم الطلبات خطاباً استطرادياً باللغتين العربية والفرنسية استمر لـ 12 دقيقة. تحدث فيه عن دوافعه لهذا الهجوم، وتعهد بالولاء لزعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، ودعا لمزيد من الهجمات في فرنسا ضدّ مجموعة من الأهداف، بما في ذلك مغنيّ الراب والصحفيين والسياسيين البارزين. وقال للذين يشاهدونه أنه غير متأكد من كيفية التعامل مع الطفل المصدوم والذي يجلس على بعد متر منه تقريباً.
كان استخدام العروسي للفيسبوك خطوة متوقعة تماماً. فقد تمّ توثيق الاستغلال السريع للتطور التكنولوجي من قبل الإرهابيين، كما أثّرت الابتكارات في الإعلام على الجماعات الإرهابية نفسها. لكن ظهور الهواتف الذكية مع معالجات ذات قوة عالية، وأجهزة فيديو وكاميرا مصغرة، وشبكات بيانات عالية السرعة، ومع تزايد التشفير في كل مكان، ولأول مرة، قدرة الأفراد على التواصل مع أعداد كبيرة من الأشخاص الآخرين في الزمن الحقيقي. كان لهذا تأثيرات عميقة محتملة على مستقبل الإرهاب. وتوضح هذه المادة تأثير التغييرات في تكنولوجيا وسائل الإعلام على الطريقة التي نظمت بها الجماعات الإرهابية مواردها وتكتيكاتها وأنشطتها، وتلقي نظرة على الكيفية التي ستؤثر فيها السرعة المتزايدة في وتيرة التغير التكنولوجي على الإرهاب في المستقبل.
خلفية تاريخية
إذا اعتمد الإرهاب على خلق الخوف بين السكان المستهدفين وهؤلاء السكان غالباً ما يكونوا ذوو حجم كبير، فعليه أي شكل من أشكال الرسائل الجماعية هو شرط أساسي لنجاح أية استراتيجية إرهابية. ولوحظ أن الإرهاب ظهر في شكله الحديث المعترف به من منتصف إلى أواخر القرن الـ19، إلى جانب الصحف وغيرها من وسائل النشر التي تحمل أخبار العمل الإرهابي إلى أعداد كبيرة من الناس. وكان معاصراً تقريباً لتطوير التلغراف، مما سمح بنشر الأنباء والأحداث بسرعة غير مسبوقة لجماهير بعيدة آلاف الأميال. بعد عدة عقود، سارع الاستراتيجيون، الذين ينتمون إلى حركات التحرر الوطنية وخلال سنوات الذروة من الصراع العنيف ضد الاستعمار عقب الحرب العالمية الثانية، إلى التعرف السريع على إمكانات التلفاز وعدلوا استراتيجياتهم لاستغلال هذا النمط الجديد والقوي من الاتصالات. في السبعينيات، كان لمزيد من التطورات التكنولوجية الأثر الواضح في موجة من العنف المروع خلال ذلك العقد. واحد من هذه التطورات، القدرة على إرسال صور حية من مكان ما خارج الحدود، مثل التلغراف قبل ما يقرب من الـ100 سنة، وساهم هذا في التقديم الفوري لتقارير الأحداث البعيدة جداً، فسارع الإرهابيون لاستغلالها.
لم تتمكن كل المجموعات من الاستفادة من هذه التطورات التكنولوجية. ويعتمد تحقيق أكبر قدر من الدعاية على القدرة على تلبية الحد المطلوب والذي وضعه موظفو أو فنيو الأخبار الذين بدورهم يتحكمون بمضمون نشرات الأخبار أو الصفحات الأولى. وكان صعباً للغاية على الإرهابيين التأثير بهذا الواقع مع محدودية الوسائل المتاحة لهم. بالنسبة لمعظم المجموعات النشطة خلال هذه الفترة، الوسيلة الوحيدة لإنتاج ونشر “المحتوى” هي المنشورات أو حتى الكتابة على الجدران. وحتى أواخر منتصف التسعينيات، تكونت الدعاية الإسلامية المتشددة التي تنتجها المجموعات الجزائرية والمتداولة في المملكة المتحدة بشكل أساسي من الأشرطة السمعية، وهو شكل من أشكال النشر المستخدمة في الشرق الأوسط منذ الثمانينيات. فقط المجموعات ذات الإمكانات الكبيرة المتوفرة، أو لديها إمكانية الحصول عليها، كانت قادرة على تنفيذ هذا النوع من الهجوم المذهل ومن شأنها أن تكون ضامنة لجذب انتباه وسائل الإعلام الرئيسة في البلدان المستهدفة. ويمثل الجيش الجمهوري الأيرلندي(IRA) مثالاً واضحاً على ذلك. وكل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين(PFLP)، التي كانت وراء خطف الطائرات عام 1970 من ميدان داوسن، ومنظمة أيلول الأسود، المسؤولة عن الهجوم على الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونيخ عام 1972، كانتا قادرتين على الاستفادة من البنية التحتية الكبيرة مثل معسكرات التدريب.
تأسست القاعدة عام 1988. واستغرقت استراتيجية أسامة بن لادن الإعلامية ما يقرب من عقد من الزمن حتى تنضج، رغم أن أهدافه ومصالحه ظلت ثابتة إلى حد ما من أوائل ومنتصف التسعينيات. فقد اعتمد بن لادن في بلده المملكة العربية السعودية ومن ثم في منفاه في السودان، إلى حد كبير على الطباعة والتسجيلات الصوتية لنشر أفكاره. وبعد وقت قصير من انتقاله إلى أفغانستان عام 1996، أصبح أكثر اهتماماً بالتلفاز وبكثرة. وتزامن وصوله مع نضج البث الفضائي، الذي نقل المشهد الإعلامي في الشرق الأوسط وما وراءه. أدرك بن لادن مزايا شبكات الأقمار الصناعية في بثّ المواد، وفيما سبق كانت الحكومات تمنعها لفترة طويلة حتى تسيطر على ما يشاهده سكانها باللغات المحلية.
وأشهر مثال على شبكة الأقمار الصناعية قناة الجزيرة القطرية، التي أنشئت عام 1996، لكن هناك وسائل أخرى أيضاً مكنت زعيم القاعدة، على الرغم من أن مقرها في أفغانستان البعيدة، من الوصول إلى مئات الملايين من الجمهور، والتي لولاها لكانت مهمته مستحيلة. ولعبت الشبكات الناطقة باللغة الإنكليزية دوراً أيضاً، وإن كان أقل أهمية. ففي عام 1997، ظهر بن لادن في مقابلة على قناة (CNN) على سبيل المثال، وأي شخص لديه جهاز استقبال وطبق في أي مكان في العالم استطاع أن يراه ويسمعه. ونتيجة لقدرة بعض الحكومات في العالم الإسلامي إحكام سيطرتها على شعوبها، لم يكن التلفاز الفضائي متاحاً لشعوبها حتى أوائل الألفية الجديدة. وكانت الأطباق وأجهزة الاستقبال الفضائي، على الرغم من عدم شرعيتها في العراق في عهد صدام حسين، منتشرة على نطاق واسع مما سمح لأعداد كبيرة من الناس بمشاهدة غزو العراق 2003 مباشرة.
وبحلول منتصف وأواخر التسعينيات، أصبحت الحملة الغربية ضد “العدو البعيد” الهدف الرئيس للقاعدة. ولهذا ثلاثة أهداف مترابطة، فرض انسحاب مادي ومالي ودبلوماسي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية من الشرق الأوسط، والتأكيد على سقوط الأنظمة “المرتدة” المكروهة هناك، والمطالبة بتشكيل جماعة جديدة من المؤيدين. وكان هذا بيان لمهمة أرادوا أن يسمعوها لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية وللمسلمين في جميع أنحاء العالم، ولأكبر عدد من سكان الدول الغربية.
هناك عوامل كثيرة تحدد هيكل وتنظيم القاعدة، ولكن الرغبة في تنفيذ هجمات إرهابية كبيرة ومذهلة من شأنها جذب اهتمام وسائل الإعلام العالمية لإيصال رسالتهم كانت مركزية بشكل مثير للجدل. ولتحقيق ذلك، يحتاج بن لادن إطلاق عمليات لا يستطيع معها حراس وسائل الإعلام الجدد-المسؤولون التنفيذيون في شبكات الأقمار الصناعية في جميع أنحاء العالم- تجاهلها. شكلت القاعدة في أفغانستان، أو خصّصت، بنية هيكلية للتدريب تقدم هذه القدرة. ويتم فرز أفضل المجندين في المعسكرات الأساسية، التي غالباً ما تديرها جماعات محلية أو فصائل، إلى مخيمات أصغر تديرها القاعدة، حيث يلقنون تقنيات متقدمة. وهذا ما أمّن القدرة على القيام بسلسلة متصاعدة من الهجمات التي نفذها التنظيم بين عامي 1998 و2001، والتي يمكن أن ينظر إليها على أنها محاولات طموحة لجذب انتباه العالم. وانتهج تنظيم القاعدة تنفيذ مثل هذه الضربات، على الرغم من كونها مرهقة ومكلفة وحتى خطرة كما بينت الأسابيع التي تلت أحداث الحادي عشر من أيلول.
الثورة الرقمية
شهد العقد التالي تطوراً دراماتيكياً كبيراً في تكنولوجيا وسائل الإعلام. كيفت معها الجماعات الإسلامية المتشددة استراتيجياتها وهياكلها في كل مكان نتيجة لذلك. وكانت التغييرات لا خطية ولا منتظمة.
ولغاية عام 2004، لعبت شبكة الإنترنت دوراً ثانوياً في الدعوة إلى الجهاد والتشدد الإسلامي، لتقتصر إلى حد كبير على توفير منتديات للنقاش والتواصل بين عدد قليل من الناس. وإذا كان هناك بعض المواقع المعروفة، فقد كانت محدودة الوصول وتواجه مجموعة متنوعة من القضايا اللوجستية الهامة، مثل أوقات التحميل والولوج. صورة قاتل دانيال بيرل في باكستان عام 2002 وزعت لأول مرة في شريط فيديو قبل أن يتم تحميلها على موقع على شبكة الانترنت مرتبط بالمتشددين الإسلامويين. وما يمكن تأكيده، أنّ عدداً قليلاً من الناس شاهدوه بأي صيغة كانت، وأنه لم يكن هناك وجود لأي شبكة أقمار صناعية من شأنها أن تبث لهم. وحتى أعقاب الغزو في العراق، لا يزال إنتاج ونشر معظم الدعاية يعتمد على أساليب مألوفة. وعندما تم اقتحام الاستوديوهات المؤقتة للإرهابيين في الفلوجة عام 2004، ضبطت عشرات تسجيلات الفيديو. فقد مكن إدخال كاميرات رقمية صغيرة، وبأسعار معقولة المتطرفين من الحصول على لقطات قتالية أسهل بكثير، وغالباً ما كانت هذه المواد تحرق على أقراص مدمجة (CD/DVD) ومن ثم توزع باليد أو تنقل إلى مواقع خارج العراق حيث البنية التحتية اللازمة للبث.
وحوّل توزيع الشبكات في المرحلة الرقمية المقبلة من التطور أو الثورة إلى أرقام. وكانت نقطة التحول عندما تم نشر صور إعدام المقاول الأمريكي نيك بيرغ على يد أبو مصعب الزرقاوي في أيار من عام 2004 على موقع للمتشددين على شبكة الانترنت. والعدد الدقيق لتنزيلات الفيديو غير معروف، ولكن انتشر بشكل واسع على المواقع الجهادية، و”الضجة” التي تم إحداثها على منتديات المتطرفين على الانترنت، تشير إلى أن هذه لقطات وصلت إلى جمهور أكبر بكثير بالمقارنة بأي مواد أخرى. وحتى هذا كان محدود الوصول بالمقارنة مع ما كان يدخل إلى شبكة الإنترنت، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث لا يزال الوصول إلى الإنترنت مقيداً وكمية نقل البيانات محدودة للغاية.
وأدرك الزرقاوي أو أحد مساعديه على الأغلب، أن المتطرفين ليسوا بحاجة إلى رضا المحررين في المكاتب البعيدة بعد الآن لنشر أخبارهم. يمكن لهم خلق منتجاتهم الخاصة، وهي مصممة من أجل مخاطبة أشخاص معينين يريدون التحدث إليهم مباشرة، ومن ثمّ بثها عبر شبكة الإنترنت. وعلى الرغم من قيام الزرقاوي ببناء بنية تحتية هامة لشن حملة تمرد وإرهاب داخل العراق، لكن لم يتم إعداد هذا النوع من معسكرات التدريب كالتي قامت القاعدة بإعداده في أفغانستان لشن هجمات دولية مذهلة. وهذا بسبب تركيز اهتمامه أكثر بكثير على “العدو القريب”، ولأن البيئة الأمنية في العراق مختلفة جداً عن تلك الموجودة في أفغانستان قبل عام 2001، ولكنه كان أيضاً بسبب قدرته على إيصال رسالته مباشرة دون أن يكون هناك حاجة للقيام بعمليات دولية للوصول إلى الجمهور المستهدف.
وهناك جهادي آخر، أبو مصعب السوري، أدرك أهمية التطور التكنولوجي والآثار المحتملة لهذه التكنولوجيا في المستقبل. ولم يكتف باستغلال قدراتها عملياً، من خلال نشر كتابه التنويري “دعوة إلى المقاومة الإسلامية العالمية” أواخر عام 2004 على شبكة الإنترنت، ولكنه أشار مراراً وتكراراً في النص إلى أهمية الإنترنت كمصدر للجهاديين.
ورغم تعقيده، يشتهر نص “السوري” لعقيدته المعروفة بـ “نظام لا تنظيم” والذي يترجم بشكل تقريبي إلى “نظام وليس منظمة” ودبلج إلى “جهاد بلا قيادة” من قبل المحللين. و”السوري” نفسه وسمها بـ”الإرهاب الفردي”. ولا تعدّ هذه الرؤية للفاعلين المستقلين بتنفيذ عناصرهم الفردية الخاصة بهم من التطرف الإسلامي الجمعي فكرة جديدة تماماً، ولكن قدم “السوري” واحدة من أكثر التصنيفات وضوحاً وتفصيلاً لهذه الاستراتيجية، والأولى التي شددّت صراحةً على الانترنت كوسيلة لنقل المشورة والتوجيه.
لعبت عدة ظروف قوية دوراً هاماً في تطوير مذهبه الاستراتيجي الجديد، كالحاجة إلى جعل الجماعات الإرهابية أكثر مرونة في مواجهة جهود مكافحة الإرهاب الدولية الشديدة، وخصوصاً القوة العسكرية الأمريكية أعقاب اعتداءات الحادي عشر من أيلول.
ومع ذلك تشير كتابات السوري بأنه أدرك أيضاً أن التغيرات في تكنولوجيا وسائل الإعلام تعني إمكانية أن يتكيف الإرهابيون مع المستقبل عبر البنية التحتية الأنفة الذكر التي لا تزال رسائلها تنجح في تحقيق أهدافها. فلم تعد معسكرات التدريب التي أقامها بن لادن وبنفقات كبيرة من أجل تنفيذ هجمات إرهابية مذهلة، فضلاً عن الهياكل المركزية والهرمية للقاعدة ضرورية. وكتب السوري “يجب أن تصبح بيوت المسلمين معسكرات التدريب الجديدة والقواعد الأمامية”.
ولكي تنجح هذه الحركة اللامركزية في رسائلها الهادفة، دعا لإنشاء “فصائل التحريض السرية” لتعمل جنباً إلى جنب مع الخلايا العملياتية لإرسال رسالة الجهادي “من خلال وسائل سرية للبث، وخاصة عبر شبكة الإنترنت”. ويجب أن تتكون هذه الفصائل على حد تعبير “السوري” من أفراد لديهم معرفة كبيرة في الشريعة والسياسة والأيديولوجية، وكذلك تجربة في وسائل الاعلام وخبرة في استخدام الانترنت.
ولكن حتى السوري لم يتنبأ ما كان سيحدث لاحقاً. فشهدت المرحلة الثالثة من الثورة الرقمية تغييرات سريعة وعميقة ودائمة. أحدها كان التصغير، فقد أصبحت الكاميرات صغيرة جداً بحيث يمكن إدراجها ضمن الهواتف. وأول ما برهن على قوة هذه الأجهزة حقيقةً، تأثير الصور التي تم التقاطها سراً من عملية إعدام صدام حسين عام 2006. هذه المقاطع غيرت تصور هذا الحدث الهام في منطقة الشرق الأوسط، وبشكل درامي عطلت سرد كلّ من المسؤولين في الحكومة العراقية و الولايات المتحدة عن مدى صعوبة إدارة الدول للمعلومات. على مدى السنوات التالية، أصبحت الأجهزة قادرة على التقاط لقطات ذات جودة عالية وحجمها أصغر وأرخص ثمناً وأخف وزناً.
كما أصبحت الرسائل القصيرة ورسائل الوسائط المتعددة (SMS وMMS) والبريد الإلكتروني، أرخص وأسهل استخداماً في جميع أنحاء العالم الإسلامي وخارجه. وكان إدخال الهواتف الذكية مرافقاً لانتشار التويتر والفيسبوك وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعية، ما أتاح المجال لبثٍّ واسع النطاق وبشكل فوري للمحتويات، خطوة كبيرة أخرى. ومرة أخرى، بدأت جميع الجماعات الإرهابية باستخدام التكنولوجيا الجديدة وبطرق مختلفة.
كان أنور العولقي، أحد أنجح المروجين الإعلاميين في السنوات الأخيرة، ورجل الدين الأمريكي اليمني الأصل، والذي يرتبط اسمه بالعديد من الهجمات في الغرب، سريع التعرف على إمكانات اليوتيوب، منصة تبادل ملفات الفيديو والتي أنشئت عام 2005. ووجد محللو حكومة بريطانيا عام 2009، حوالي 1910 فيديو للعولقي على موقع اليوتيوب، وأحدها شوهد 164420 مرة. وكما حدث سابقاً، غالباً ما تستكمل التكنولوجيا الجديدة طريقة النشر القديمة. ففي الأجزاء التي تسيطر عليها الهند من كشمير في عام 2013، على سبيل المثال، لاقت الأقراص المدمجة لمحاضرات العولقي شعبية بين سائقي سيارات الأجرة. وبالنسبة لأولئك الذين لديهم مركبات مجهزة بوسائل سمعية حديثة، كانت ملفات بصيغة (MP3).
بدأت حركة طالبان باستخدام التويتر في أوائل عام 2011، والذي أطلق عام 2006. وبعدها بأشهر قليلة، استقطبت حركة الشباب في الصومال، والنشطة على منصة التويتر، مجموعة من آلاف المتابعين. ولم يتح التويتر للأفراد القدرة على بث الدعاية وحسب، وإنما أيضاً التعبير عن المظالم من خلال الصراعات الداخلية على السلطة. بررت حركة الشباب، خلال هجومها في أيلول من عام 2013 على مول ويستغيت في نيروبي-كينيا، الهجوم وقدمت تفاصيل عن العملية الجارية مباشرة.
وتماماً كان تأثير الفيسبوك، الذي بلغ عدد مستخدميه مليون مستخدم عام 2004 و750 مليون مستخدم مع قدوم أحداث الاحتجاجات العربية عام 2011. وفي تعليق كشف بعد فترة وجيزة من الاحتجاج الذي أطاح بحسني مبارك في مصر- الهدف البعيد للقاعدة وغيرها من المجموعات المتطرفة- صرح عبود الزمر، أحد المحاربين القدامى للإخوان المسلمين، لأحد الصحفيين أنه لو كان الفيسبوك موجوداً قبل 30 عاماً، لما كانت هناك حاجة لاغتيال الرئيس أنور السادات. بدلاً من محاولة استخدام العنف المذهل ضد هدف رفيع المستوى، المشروع المحفوف بالمخاطر والطموح لأي منظمة متطرفة، بالمطالبة بمظاهرة عامة وإسقاط النظام، يبدو أنه يمكن تحقيق نفس الهدف بإقامة شبكات من الأفراد عن طريق وسائل التواصل الاجتماعية.
استخدمت الدولة الإسلامية في العراق عام 2014 رسائل الوسائط المتعددة خلال تأطير عملياتها قبل انطلاق هجومها الوحشي الناجح و”المفاجئ” ضد الموصل، مرسلة صور لعمليات إعدام واختطاف لضباط من الجيش العراقي في محاولة ناجحة لإضعاف الروح المعنوية. كما أطلقت “هاشتاغ” على تويتر، كل العيون على داعش (#(AllEyesOnISIS، أثناء سريان الحملة.
استغلت الدولة الإسلامية والمتعاطفين معها، داخل وخارج المنطقة التي تسيطر عليها، بشكل ممنهج وعلى نطاق واسع، توليفة الكاميرات الرقمية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة الرخيصة وبرامج التحرير والتعديل ووسائل التواصل الاجتماعي، بطرق توثيقية جيدة. الاستقصاء التفصيلي هو خارج مجال هذا المقال. ومن الجدير بالذكر أن الجماعة استثمرت موارد كبيرة جداً في دعايتها وجعلت من إنتاج ونشر المحتوى هدفاً استراتيجياً رئيساً. نشرت الدولة الإسلامية العنف في المناطق التي تسيطر عليها لتلبية مطالب الجماهير الرئيسة، واستغلت بعناية قدرات تكنولوجيا وسائل الإعلام المعاصرة لتقديم هذا المحتوى، غالباً عن طريق وسائل الإعلام الاجتماعية ولكن أيضاً عن طريق وسائل أخرى. ويتم تكرار العديد من ممارسات الدولة الإسلامية، سواء من جانب مختلف المنظمات التابعة لها، مثل بوكو حرام في نيجيريا، أو من قبل المجموعات المتنافسة في المناطق التي يسيطرون عليها.
جيل الألفية الجهادي
بدأ جيل جديد من جيل الألفية الجهادي البارع في أمور التكنولوجيا استغلال الإمكانات الكاملة لتكنولوجيا وسائط الإعلام المتقدمة. ويتمثل الجزء المهم جداً من هذه المرحلة الجديدة في التكنولوجيا الجديدة مثل كاميرات GoPro، المصممة في الأصل للاستخدام من قبل الرياضيين المحترفين، التي تسمح للفرد بمفرده لتصوير فيلم ومنتجة صور ومحتوى للبث. وقد شهدنا الاستغلال التدريجي من قبل المهاجمين لكامل قدرات مثل هذه المعدات عند دمجها مع الهواتف الذكية والإنترنت السريع ضمن فرنسا في السنوات الأخيرة. حيث قام محمد مراح، الفرنسي الجزائري البالغ من العمر 24 عاماً والذي قتل سبعة أشخاص في إطلاق نار في جنوب غرب فرنسا عام 2012، بتصوير هجماته الخاصة بكاميرا GoPro ومنتجة مقطع طويل من المواد التي حصل عليها. ومع ذلك، قال أنه لجأ إلى وسائل الإعلام التقليدية عندما تعلق الأمر بتسليم ونشر ذلك المحتوى، وأرسله إلى قناة الجزيرة المرتكزة في قطر، التي امتنعت عن بثه. فيما التقط أميدي كوليبالي (32 عاماً)، الذي هاجم كاشير ضمن سوبر ماركت في باريس في عام 2015، صوراً بكاميرا GoPro ثم حملها إلى جهاز كمبيوتر محمول في حين يحتجز الرهائن. حاول إرسالها بالبريد الإلكتروني إلى أحد الأسماء، ولكن لم تنشر الصور أبداً، ولم يتضح ما الذي حدث لهم. كما هو مبين أعلاه، استخدم عبد الله العروسي مهاجم مانيانفيل البالغ من العمر 25 عاماً، البث المباشر لمخاطبة جمهوره من مكان اعتدائه.
الخطوة التالية، والتي تبدو الآن أمراً لا مفر منه، هي البث المباشر من كاميرا GoPro أو غيرها لفعل قتل واقعي. تتمثل التكنولوجيا الموجودة الآن باستخدام مجموعة واسعة من تطبيقات البث المباشر مثل “بريسكوب” و”توتش” و”فيسبوك” المنتشرة بسرعة خلال الثمانية عشرة شهر الماضية. وقد سمحت هذه التطبيقات لامرأة فرنسية لتبث بشكل مباشر عملية انتحارها ولمراهقة في الولايات المتحدة لتبث عملية اغتصاب صديقتها. في آب عام 2015، قتل صحفي ومصور برصاص زميل لهما أثناء البث المباشر لمقابلة تلفزيونية في مونيتا في ولاية فرجينيا. على الرغم من قطع محطة “سي بي اس” المحلية للبث، كان القاتل فستر فلاناغان قد استخدم كاميرا GoPro لالتقاط صور من الهجوم ثم نشرها ضمن شريط فيديو مدته 56 ثانية على وسائل التواصل الاجتماعي. سارعت إدارة كل من “تويتر” و”فيسبوك” بسرعة لإزالة بروفايل فلاناغان، السابق في غضون ثمان دقائق من الفيلم الذي تم نشره، ولكن سرعان ما استحوذ الحدث على اهتمام عالمي واسع. نشرت الصحف في جميع أنحاء العالم صوراً لمشاهد القتل من فيلم فلاناغان الخاص على صفحاتها الأولى. وانتشرت تغريدة فلاناغان، “أنا صورت إطلاق النار، انظر للفيسبوك”، بسرعة وعلى نطاق واسع من قبل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
هناك تطور آخر أكثر شمولاً وفعالية ويتيح التشفير عبره. فقد قامت الدولة الإسلامية بجعل تطبيق التلغرام، وهو تطبيق الرسائل المجانية، أحد الوسائل الرئيسية للدعاية ولادعاء المسؤولية عن العمليات. في الأسبوع التالي لهجمات باريس في تشرين الثاني من العام الماضي صرحت إدارة التلغرام أنها أغلقت “القنوات ذات الصلة بداعش”. ولكن مثل هذه القنوات عامة. أما المجموعات التي تصل إلى 200 عضو، أو حتى المجموعات الكبيرة ذات 5000 عضو، على التلغرام ليست كذلك. يتم تشفير الدردشات بشدة، ويمكن ضبط الرسائل لتتلف ذاتياً.
وقد وفرت قنوات التراسل المشفرة مثل التلغرام للدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات الإرهابية أداة عملياتية قوية جديدة للتحريض وتخطيط وتنسيق وبث الهجمات. ويعتقد المحققون الفرنسيون أن يكون رشيد قاسم، فرنسي بالغ من العمر 29 عاماً وعضو في الدولة الإسلامية، حالياً في سورية أو العراق، استخدم تطبيق التلغرام ليس فقط لتوزيع قائمة الأهداف وسيناريوهات الهجوم إلى نحو 300 متصل داخل فرنسا، ولكن أيضاً للوصول بسرية إلى المتطرفين وتوحيد الأفراد المتطرفين الذين يعيشون متباعدين وربما لا يعرفون بعضهم البعض لتشكيل خلايا عملياتية. ويعتقد قاسم أنه قد جمع بين الرجلين اللذين قتلا كاهناً في بلدة سانت اتيان دو روفراي في منطقة نورماندي، في تموز 2016، وكذلك الخلية النسائية المتهمة بالتآمر لاستخدام سيارة مليئة بقنابل الغاز وعبوة ناسفة قرب كاتدرائية نوتردام في باريس. وكان عبد الله العروسي، الذي قتل شرطيين في ماينانفيل، من بين المتصلين مع قاسم.اذ تكشف المراسلات الالكترونية الخاصة بينهما التي التقطتها الأجهزة الأمنية الفرنسية عن أن خطاب العروسي، الذي بثه لمدة 12 دقيقة عبر الفيسبوك مباشرة تأثر بشدة بقاسم. واستخدمت جماعات أخرى مثل حركة الشباب أيضاً التلغرام لتعلن مسؤوليتها عن الهجمات. وهذه الأيام تمت إضافة خيار التلف الذاتي المتاح في التلغرام لمعظم تطبيقات الدردشة، في حين أصبحت بروتوكولات التشفير قريبة من العالمية. لا تتيح تطبيقات التشفير للمتطرفين التواصل بشكل آمن مع الجماعات الإرهابية فقط ولكن تضمن تحميل لقطات من هجماتهم أيضاً.
كان أحد قتلة الكاهن في بلدة سانت اتيان دو روفراي، عادل كرميش، ناشطاً بشكل خاص على تطبيق رسائل التلغرام. في الأسابيع التي سبقت الهجوم، قال أنه بث سلسلة من الرسائل الصوتية إلى 200 متطرف عبر قناته الخاصة على التلغرام سرد ضمنها محاولته الفاشلة للسفر من فرنسا للانضمام للدولة الإسلامية في سورية. وأشار أيضاً إلى أنه كان ينوي تنفيذ هجوم بسكين في كنيسة. وقال لأتباعه قبل يوم من الهجوم بأنهم سوف يحتاجون قريباً إلى إعادة بث محتوى سيقوم بنشره. “سأخبركم مسبقاً، قبل ثلاث أو أربع دقائق، وعندما يحدث الأمر، سوف تحتاجون إلى مشاركته مباشرة”. وفي صباح اليوم التالي قبل حوالي 90 دقيقة من شن الهجوم، أخبر أتباعه بأن يقوموا بـ “مشاركة ما سوف يتبع”. وبعد ذلك دخل مجدداً إلى التطبيق قبل دقائق من دخوله الكنيسة. وقام وشريكه، بعد قتل الكاهن، بإجبار رهينة لتسجيل أحداث ما بعد الهجوم على أحد الهواتف المحمولة الخاصة بهم، وقاموا بالتدقيق على جودة الصور، ولكنهم قتلوا على يد القوات الخاصة الفرنسية أثناء حصار الرهائن قبل أن يتمكنوا من فرصة تحميل اللقطات المصورة. ولكن تمكنوا قبل الهجوم من إرسال شريط فيديو كانوا قد سجلوه سابقاً يظهر مبايعتهم للدولة الإسلامية، وتم إعادة بثه من قبل وكالة “أعماق” التابعة للدولة الإسلامية. في تطور غير عادي بعد أسبوع من الهجوم، نُشرت رسائل جديدة على قناة كرميش الخاصة على التلغرام، بما في ذلك رسالة صوتية من قبل متطرف ناطق بالفرنسية قدم نفسه على أنه جهادي ضمن ساحة المعركة الجهادية في الخارج. وقام المتطرف الغامض، الذي من المفترض أنه قدم تفاصيل حساب كرميش قبل مقتله، بتهنئة مهاجمي الكنيسة وقاتل ماينانفيل عبد الله العروسي ضمن الشريط.
ربما خططت عناصر أخرى لبث الهجمات مباشرة. في الساعات الأولى من صباح 20 تشرين الثاني تم القبض على شبكة يزعم أنها تابعة للدولة الإسلامية، ويقول المحققون الفرنسيون أنها كانت تخطط لشن هجمات في فرنسا، من قبل الشرطة الفرنسية في ستراسبورغ ومرسيليا. في الساعات التي سبقت إلقاء القبض عليهم، قام اثنين من المتآمرين بتنزيل تطبيق بروسبيكت على هواتفهم الذكية، وهو تطبيق يتيح للمستخدمين ببث لقطات فيديو حية، مثبتين بذلك “الخطر الوشيك” لهجماتهم المخطط لها، وفقاً للمدعي العام في باريس.
فمن الممكن تماماً أنه في مرحلة ما في المستقبل غير البعيد جداً، سيكون هناك بث مباشر مشفر لهجوم يرسل إلى متتبعي قناة معينة. ومع ذلك تعني الطبيعة المشفرة للاتصالات أنها ستصل في البداية لأولئك الذين كانوا بالفعل جزءاً أو تقريباً، من شبكة متطرفة، ولكن يمكن أن يتم تنزيلها وإعادة بثها من قبل الجماعات الإرهابية مثلما فعلت وكالة أنباء أعماق مع فيديو عبد الله.
المزيد من الجهاد الفردي
يكمن الأثر الجمعي لجميع هذه الابتكارات التكنولوجية المختلفة في جعل أصغر الهجمات، التي ينفذها أفراد أو مجموعات صغيرة جداً، أكثر جاذبية للمنظمات الإرهابية من أي وقت مضى.
لقد شملت معظم الهجمات التي تقوم بها الدولة الإسلامية في الغرب، باستثناء هجمات في باريس وبروكسل، إلهام أو تحريض المجموعة على أعمال إرهابية صغيرة. رغم إنشاء الدولة الإسلامية لقسم عمليات خارجي مكرس لشن هجمات عالمية، لم تخصص المجموعة حتى الآن جزءاً كبيراً من مواردها لهذا القسم. لا يوجد دليل ظاهر حتى الآن على إقامة المجموعة لمعسكرات تدريب، كما فعلت القاعدة في أفغانستان، مخصصة حصراً لمهاجمة الغرب. قد يعكس قرار تخصيص موارد محدودة فقط للهجمات الدولية تركيز الدولة الإسلامية على الحفاظ والدفاع عما يسمى الخلافة في سورية والعراق، كما أنه يعكس كيف وفرت تكنولوجيا الإعلام المتطورة للتنظيم بديلاً للهجمات المكلفة والمعقدة والمتوقعة التي كانت السبيل الوحيد الذي يمكن للإرهابيين أن يحققوا من خلاله أهداف الرسائل الخاصة بهم. في الأشهر التي تلت هجمات بروكسل في آذار 2016، شن المتعاطفون في فرنسا وألمانيا سلسلة من الهجمات ومحاولات الهجوم باستخدام ما وصفوه بعمليات الدولة الإسلامية مستخدمين أدوات الإعلام. وبشكل تراكمي، كان ذلك فعالاً في الحفاظ على الدولة الإسلامية ضمن العناوين الرئيسة، مما أدى إلى تفاقم التوترات الطائفية في أوروبا وأماكن أخرى في الغرب، وإلى حد ما، التعتيم على الضعف المتزايد للتنظيم.
في هذه الحقبة من إرهاب الدولة الإسلامية، تجعل وسائل الإعلام الاجتماعية والتشفير من رؤية أبو مصعب السوري للإرهاب الفردي واقعاً. كانت هناك زيادة مطردة في عدد العمليات الفردية على مدى العقد الماضي، وهي نزعة تزامنت مع تعميق وتوسيع الثورة الرقمية، وكذلك مع تشجيع مثل هذه العمليات من قبل الجماعات الإرهابية لأن تكثيف عمليات مكافحة الإرهاب عطلت قدرتها على إطلاق المؤامرات الكبيرة. لدى الأفراد الآن قدرة على خلق وبث المواد أكبر بكثير مما كانوا عليه قبل عقد من الزمن، في حين يمكن للجماعات المتطرفة الاتصال والتفاعل مع المجندين المحتملين بسهولة أكبر بكثير. وهذا ما جعل الأمر أكثر سهولة للإرهابيين “الأفراد” من كوبنهاغن إلى سان برناردينو وإلى بافاريا للادعاء بتنفيذ هجومهم نيابة عن مجموعة إرهابية معينة، وهو الأمر الذي أكدت فاعليته منذ سنوات عديدة كلاً من الدولة الإسلامية في مجلاتها الدعائية وأبو مصعب السوري. ليكون الإرهاب الفردي “منظماً” تحتاج “المبادرات الفردية الرائعة لتستثمر ضمن دولة موحدة عموماً”، كما قال السوري في “الدعوة إلى المقاومة الإسلامية العالمية”.
يحدث التواصل بين الإرهابيين الآن من خلال قنوات متعددة لتعظيم أثر هجوم معين. ويمكن الاعتماد على غرفة الصدى ضمن وسائل الإعلام الاجتماعية لتقوم بتضخيم الأمر أيضاً. في الواقع، إذا كان الهدف من الإرهاب هو بث الخوف، يعتبر ما يسمى بـ “الإرهابيين الأفراد” فعالين بشكل فريد، مما يؤكد شعور المواطن العادي بأنه مهدد في كل مكان ولا يمكن وقف ذلك التهديد. وبالتالي يمكن لسلسلة من الهجمات التي يشنها أفراد خلق شعور عام من الذعر، ينافس تقريباً ما تثيره بعض الهجمات الكبيرة مثل الهجمات الأخيرة في باريس وبروكسل، ولكن للاستثمار في جزء صغير فقط.
ما الذي ينتظرنا في المستقبل
يظهر مشهد تطرف إسلامي جديد مع تزايد تحول القاعدة لائتلاف جماعات محلية ترتبط ارتباطاً فضفاضاً ويجمعها فقط الولاء الاسمي لقيادة مركزية ضعيفة، ومع فقدان الدولة الإسلامية لأراضٍ أكثر من قاعدتها الإقليمية. وكلما فقدت الدولة الإسلامية المزيد من الأراضي في سورية والعراق والقدرة على تجنيد وتدريب المقاتلين الأجانب مباشرة، فمن المرجح أن تعتمد أكثر على “الإرهاب الفردي” من قبل جهات فردية تعمل بالنيابة عن مجموعة من تلقاء نفسها. سواءً إذا كانت هذه الجهات هي من المقاتلين الأجانب الذين عادو إلى وطنهم أو إلى جبهات جديدة أو كانوا متطرفين لم يسافروا أبداً للانضمام إلى المجموعة، من المرجح أن يستفيد جيل جهاديي “ما بعد الخلافة” من التقنيات الإعلامية الجديدة لتضخيم تأثير هجماتهم. سيكون المشهد الجديد عبارة عن قليل من الحدود الرسمية أو الهياكل الصلبة، حيث يمكن لمجموعات أن تتشكل حيثما كانت الظروف والموارد مواتية. كما أنه قد تسمح التكنولوجيا للمسلحين الناشطين في المستقبل بأن يصبحوا وحداتٍ لبث الإرهاب الفردي، وتسهيل طريقهم نحو الإرهاب وتعليم الآخرين هذه الحرفة.
جيسون بيرك: صحفي ومؤلف بريطاني قام بتغطية التطرف والصراع والعنف السياسي منذ أكثر من 20 عاماً، وتقديم التقارير من أوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. كان كتابه الأخير، “التهديد الجديد للتشدد الإسلامي”، على قائمة المرشحين لجائزة أورويل. ويعمل حالياً مراسلاً خارجياً لصحيفة الغارديان.
مراجعة: هيفاء علي