[su_box title=”مقدمة المركز” box_color=”#bfa326″ title_color=”#ffffff”]
يفضح هذا المقال أكاذيب البروباغندا التي باتت تلطخ “اليسار”في الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص النزاع السوري. حيث كشف الكاتب النقاب عن الخطابات الصادرة عن “اليسار”التي تخفي في الحقيقة مشروعات خفية وتلاعبات وتضليل إعلامي لخدمة الأجندات الامبريالية الغربية وفق ما كتب “ايريك دريتسر” على موقع كونتر بنش. وفي نفس الوقت، يقدم للقارئ تحليل بناء حول النزاع السوري وأسبابه المخفية في طموحات حقبة ما بعد استعمار الدول الغربية، إضافة إلى تحول الملامة بحق خطاب “اليسار” في الولايات المتحدة إلى فرنسا وغالبية الدول الفرانكفونية ولأحزاب اليسار فيها، التي عملت جميعها على شيطنة “نظام الحكم السوري”.[/su_box]
تدور في بعض الأوساط لازمة مملة في الرواية التي تقول أن ما أسموها “الثورة” السورية ” اندلعت كردة فعل على السياسات الليبرالية الجديدة التي اتبعتها الحكومة السورية وعلى وحشيتها”، وأن “الرسالة الثورية للعصبة المتمردة تم تحميلها لعصابات الجهاديين الممولين من قبل القطريين والسعوديين” برأيي تستند هذه الفرضية على منطق التخمينات وليس على منطق البراهين والإثباتات. فعند مراجعة الرسائل والتقارير الإعلامية التي غطت الاضطرابات في سورية خلال الأسابيع التي سبقت وتلت اندلاع الفتنة في درعا، في أواسط شهر اذار2011، والتي تم جمعها للاستدلال على بداية الأحداث، نكتشف أنها لا توفر أي إشارة على أن سورية تخوض صراع مع تمرد ثوري ضد الليبرالية الجديدة أو ما شابه. بل على العكس أظهر صحفيون يعملون في مجلة التايم و نيويورك تايمز التأييد الشعبي الواسع الذي تتمتع به الحكومة السورية، حتى أن معارضي الرئيس السوري بشار الأسد يعترفون بشعبيته الكبيرة ولا يستطيعون إنكارها، وأن السوريين لم يشهدوا على أي فائدة تذكر تدعو إلى التظاهر أو الاحتجاج. لكنهم في نفس الوقت وصفوا الاضطرابات كسلسلة من الاحتجاجات الصادرة عن بعض الأشخاص وليس عن آلاف أو عشرات الآلاف من الأشخاص حركتهم أجندا إسلامية بحتة وأبدوا تصرفات وأعمال عنف. وكانت مجلة التايم قد أوردت في تقاريرها أن جماعتين جهاديتين لعبتا أدوراً طليعية في التمرد، هما جبهة النصرة وأحرار الشام، اللتان كانتا موجودتان بقوة عشية الاضطرابات، فيما كان زعماء الإخوان المسلمين قد عبروا عن “أملهم في حدوث ثورة أهلية في سورية” قبل ثلاثة أشهر فقط من اندلاع الأزمة. وهم الذين أعلنوا الحرب على حزب البعث الحاكم في سورية منذ عدة عقود من خلال رفضهم علمانية الحزب، وانغرسوا في القتال حتى الموت مع القوميين العرب منذ الستينيات، و انخرطوا في مواجهات الشارع مع أنصار حزب البعث منذ عام 1940. انطلاقا من عام 2007 بدأ مندوبون من وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي و مندوبون عن مبادرة شراكة الشرق الأوسط، الممولة من قبل الولايات المتحدة، يلتقون زعماء الإخوان المسلمين بشكل دوري.
هذه المبادرة تقوم علناً بدور تمويل المنظمات المتمردة في الخارج، بينما كانت السي اي ايه تتولى هذه المهمة سراً فيما مضى. وكانت واشنطن، منذ أواسط عام 1950، تتآمر على سورية بغية الضغط عليها لتتخلى عن نفوذها القومي العربي في نفس الفترة التي عمل فيها كيرمت روزفلت جي آر، الذي كان وراء إقصاء رئيس الوزراء الإيراني آنذاك محمد مصدق الذي أطيح به على خلفية تأميمه الصناعة النفطية في بلاده، يتآمر مع الاستخبارات البريطانية لتحريض الإخوان المسلمين على الإطاحة بثلاثة من القادة القوميين العرب والشيوعيين في دمشق، كانت تعتبرهم واشنطن مصدر ضرر للمصالح الاقتصادية الغربية في الشرق الأوسط. وبذلك عملت واشنطن على دعم وتمويل مقاتلي الإخوان المسلمين بالسلاح عام 1980 لقيادة حرب عصابات مدنية ضد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي كان المحرضون على الحروب في واشنطن يصفونه بـ” الشيوعي العربي”. ثم جاء ابنه الرئيس بشار الأسد ليواصل تمسك القوميين العرب بوحدة “الأمة العربية”، واستقلالها وبالاشتراكية العربية.
هذه الأهداف الثلاثة كانت تقود الدولة السورية، كما كانت تقود الدولتين القوميتين العربيتين ليبيا و العراق. وعليه غدت هذه الدول الثلاث هدفاً لواشنطن لنفس السبب: مبادؤها القومية العربية تتعارض مع الأجندة الامبريالية الأمريكية الرامية إلى الهيمنة العالمية.
بدوره رفض الرئيس السوري بشار الأسد التخلي عن الايدولوجيا القومية العربية ما أزعج واشنطن وأثار حفيظتها وهي التي تمتعض من اشتراكيته، ثالث أهداف ومبادئ البعث الثلاث المقدسة.
وعليه بدأت واشنطن تضع الخطط وتحيك المؤامرة لتدمير الدولة السورية وتغيير نظام الحكم فيها الذي رفض قبول ليبرالية واشنطن الجديدة، منذ عام 2003 إن لم يكن قبل ذلك.
ولو كان الرئيس بشار الأسد وافق على احتواء الليبرالية الجديدة، لكان تخلص من شر واشنطن ووول ستريت اللذان يمتعضان من سورية الاشتراكية ومن سياساتها الاقتصادية المناهضة لليبرالية الجديدة، ولما كان حدث ما حدث ويحدث حتى الآن لسورية.
حمام دم يسيل بمساعدة الولايات المتحدة
في نهاية كانون الثاني 2011 أطلقت شبكة التواصل الاجتماعي صفحة على فيسبوك بعنوان:
“الثورة السورية2011” التي أعلنت عن “يوم الغضب” في 4 و5 شباط، وحسب التايم ” تلاشت المظاهرات من تلقاء نفسها”، حيث آل يوم الغضب إلى يوم اللامبالاة. بل ومزيدا على ذلك، ترسخت علاقة الشعب مع الحكومة السورية. غالبية الشعارات التي رفعها بعض المتظاهرين وشاهدناها على وسائل إعلامنا الكبرى كانت تتعلق بليبيا وتطالب برحيل معمر القذافي، الذي كانت حكومته محاصرة من قبل المتمردين الإسلاميين. بعد ذلك تم الإعداد لمشاريع مظاهرات جديدة في 4 و15 آذار إلا أنها هي الأخرى باءت بالفشل ولم تستقطب أي تأييد لها. وكانت مراسلة مجلة التايم، رانيا أبو زيد، عزت سبب فشل منظمي المظاهرات في جذب تأييد لها إلى أن معظم السوريين لم يكونوا يعارضون حكومتهم، فالرئيس الأسد يتمتع بشعبية كبيرة ، وبشكل خاص وسط شريحة السكان الذين تقل أعمارهم عن 30 عام، بينما تحظى سياسات حكومته بتأييد شعبي واسع. وتضيف المراسلة:” حتى المعارضون للرئيس السوري يعترفون بشعبيته وبأنه مقرب من شريحة واسعة من الشباب السوري عاطفياً ونفسياً ” بينما رأينا كيف تمت الإطاحة برؤساء كانوا مقربين من واشنطن والغرب عموما ومحسوبين عليهما، وهما الرئيس المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي.
إضافة إلى أن السياسة الخارجية للحكومة السورية، المعادية لإسرائيل وودعمها لحركات المقاومة في فلسطين وجنوب لبنان، تتفق مع مشاعر الشعب السوري الذي يدعمها بقوة، وعليه يتمتع الرئيس الأسد بالشرعية”. وأضافت رانيا أبو زيد أن “الرئيس السوري كان يقود السيارة بنفسه عندما قصد الجامع الأموي في شباط لأداء الصلاة بمناسبة عيد المولد النبوي “محمد”، و من ثم مشى وسط حشود الناس في سوق الحميدية “. هذا الوصف للرئيس السوري، قائد محبوب من شعبه، المتوافق إيديولوجياً مع مشاعر السوريين، ألقى خطاباً بعد أسبوعين من اندلاع المظاهرات العنيفة في مدينة درعا سوف يترسخ في خطاب يساريي الولايات المتحدة. ولكن عشية اندلاع الأحداث في درعا، حافظت الحكومة السورية على هدوئها، لا أحد “يترقب ثورة شعب في سورية” حسب تعبير مراسلة المجلة رانيا أبو زيد التي أضافت: “وعلى الرغم من التعبير عن حدوث انشقاق من حين لآخر فقلائل جدا الأشخاص الذين يرغبون بذلك”. وتضيف ” هناك شابة سورية قالت لي: تقدم الحكومة السورية الكثير من المساعدات للشباب، تقدم لنا الكتب مجاناً، والمدارس والجامعات مجانية، إذاً لماذا يكون هناك ثورة ؟ احتمال حدوثها لا يتجاوز واحد بالمئة”. النيويورك تايمز تشاطرها نفس الرأي وأوردت في أحد تقارير مراسليها أن ” سورية اكتسبت مناعة ضد موجة الثورات التي تضرب العالم العربي”. لقد كانت خالية من الاضطرابات.
ولكن في 17 آذار، وقعت مظاهرات عنيفة في درعا على خلفية روايات متناقضة حول من أو ما الذي أطلقها. فقد أشارت مجلة التايم إلى أن” سبب اندلاع تمرد درعا هو اعتقال مجموعة من اليافعين بتهمة كتابات ضد الحكومة السورية على جدران المدينة” أما روبرت فيسك فقد قدم رأياً مختلفاً عبر الاندبندت قال فيه: ” قام عناصر من المخابرات السورية باعتقال وضرب عدد من اليافعين بتهمة كتابات على جدران المدينة”. رواية أخرى تقول أن العامل الأساسي الذي أدى إلى تفجر الموقف في درعا في ذلك اليوم هو استخدام القوة من قبل عناصر المخابرات السورية رداً على مظاهرات تحتج على اعتقال الفتية. هناك “عدد من الفتيان اليافعين خطوا بعض الكتابات على الجدران ما أدى إلى اعتقالهم، وعندما حاول أهاليهم التظاهر من أجل إخلاء سبيلهم رد عناصر الأمن بطريقة وحشية جدا”. أما رواية الحكومة السورية فتؤكد انه “لم يحدث شيء من هذا القبيل وكل ما سبق لا أساس له من الصحة”. وقد أكد الرئيس الأسد على ذلك خلال مقابلة صحفية أجريت بعد مرور خمسة أعوام على الحادثة وقال: “لم يحدث هذا الأمر على الإطلاق، إنها ليست سوى بروباغندا، سمعنا عنها كلام كثير ولكننا لم نر أبداً هؤلاء الأطفال يقتادون إلى السجن آنذاك، إذاً كانت رواية ملفقة”. صحيح أن هناك خلافات حول سبب اندلاع الأحداث في درعا، ولكن وبوسعنا القول انه كان هناك أعمال عنف. فقد أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن” المتظاهرين أحرقوا المقر العام لحزب البعث في المدينة وأبنية حكومية أخرى، وهجموا على رجال الشرطة، كما أنهم أقدموا على إحراق دار القضاء و المكاتب الخاصة بشركة الاتصالات سيريتل”
أما مجلة التايم فقد ذكرت من جهتها أن المتظاهرين حرقوا مبنى المحافظة ومكاتب خدمات سيريتل. فيما نشرت وكالة الأنباء السورية سانا على موقعها الالكتروني صوراً لسيارات تحترق.
يبدو جليا انه لم يكن هناك مظاهرة سلمية كما وصفت على وسائل إعلامنا، ولم تكن ثورة شعبية.
فقد أكدت التايم أن عدد المتظاهرين لم يتجاوز المئات وليس بالآلاف أو عشرات الآلاف. استجاب الرئيس الأسد مباشرة لاضطرابات درعا بالإعلان عن “سلسلة من الإصلاحات من ضمنها زيادة رواتب الموظفين، وزيادة هامش الحرية لوسائل الإعلام واطلاق الأحزاب السياسية ومراجعة قانون الطوارئ”، علما أن تقييد الحريات السياسية و المدنية سارية المفعول في زمن الحرب على اعتبار أن سورية كانت رسمياً ولا تزال في حرب مع إسرائيل. قبل نهاية شهر آذار، ألغت الحكومة ” قانون الطوارئ المفعل منذ 48 عاماً”، وألغت محكمة أمن الدولة العليا”. هذه هي مطالب المتظاهرين في درعا الذين تجمعوا داخل وحول مسجد العمري وطالبوا أيضاً بإطلاق سراح المعتقلين. إن إطلاق سراح المعتقلين لأسباب سياسية يعادل تحرير جهاديين أو “إرهابيين” كي نستخدم عبارة الغرب، فقد اعترفت وزارة الخارجية الأمريكية أن الإسلام السياسي هو القوة الرئيسة المكونة للمعارضة في سورية: إذ يشكل الجهاديون الجزء الأكبر من جسد المعارضين المعتقلين، وعليه أن يطالب رجال الدين دمشق بتحرير كل السجناء السياسيين يشبه ما يطالب به تنظيم الدولة الإسلامية من واشنطن، وباريس ولندن بتحرير كل الإسلاميين المعتقلين في السجون الأمريكية والفرنسية والبريطانية بقضايا ترتبط بالإرهاب. وبالتالي لم تخرج المظاهرات المحدودة مطالبة بفرص العمل أو من اجل الديمقراطية وإنما بكل بساطة طالبت بمعتقلين وناشطين هدفهم إقامة دولة إسلامية في سورية. كما أن الدعوة لرفع قانون الطوارئ، ترتبط بتحسين سهولة حركة وتنقل الجهاديين و شركائهم لتشكيل معارضة للدولة العلمانية، ولا تمت بصلة لمطالب الارتقاء بالديمقراطية. بعد مضي أسبوع على تفجر أعمال العنف في درعا، أوردت مراسلة التايم، رانيا أبو زيد في تقريرها اليومي انه “لم نسمع أن هناك مطالب بسقوط النظام أو رحيل الرئيس الشعبي “. فعلياً، لم تتضمن مطالب المتظاهرين ورجال الدين أي دعوة لاستقالة الرئيس بشار الأسد، فالسوريون متمسكون برئيسهم وهذا ما شاهدناه من خلال المسيرات المؤيدة له في كافة المدن السورية التي نظمت رداً على التقارير التي نشرتها معظم وسائل الإعلام العالمية حول نزول مئات المتظاهرين في درعا إلى الشارع وإقدامهم على حرق المباني الحكومية وسيارات الشرطة ومواجهة رجال الشرطة. وبعد شهر من أحداث درعا، أفادت التايم بخروج عدة مظاهرات يغلب عليها الطابع الإسلامي وكأن التاريخ يعيد نفسه ويذكر بالإضرابات و أعمال العنف التي دشنها الإخوان المسلمون ضد ما كانوا يسمونه “الحكم البعثي”، ومع ذلك لم تبلغ المظاهرات الكتلة الشعبية الناقدة للسلطة، بل على العكس “حافظت الحكومة السورية على تأييد وولاء النسبة الأكبر من الشعب السوري بحسب التايم. لقد كان للإسلاميين دوراً بارزاً في صياغة “إعلان دمشق” في أواسط ال2000، الذي كان يطالب بتغيير نظام الحكم في سورية. وفي 2007، اجتمع الإخوان المسلمون، النموذج المثالي للحركة السياسية الإسلامية، المستوحاة من القاعدة و فروعها جبهة النصرة والدولة الإسلامية، مع نائب الرئيس السوري السابق، عبد الحليم خدام، لتشكيل حزب الخلاص الوطني، الذي كان له لقاءات عديدة مع وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي الأمريكي وأيضاً مع “مشروع أو مبادرة شراكة الشرق الأوسط” الممول من قبل الإدارة الأمريكية، التي تواصل علناً ما كانت تقوم به السي آي إيه سراً ألا وهو تسيير الأموال والخبراء إلى الدول التي لم تحب واشنطن حكوماتها يوما.
في 2009، تحديداً بعد عامين على اندلاع الاضطرابات في العالم العربي، انتقد الإخوان المسلمون في سورية حكومة الرئيس بشار الأسد القومية العربية واعتبروها عنصراً خارجياً معادياً للمجتمع السوري وبالتالي عليه الرحيل. قبل اندلاع أعمال العنف في سورية بثلاثة أعوام، كتب الباحث “ليات بورا” رسالة لمركز دراسات الشرق الأوسط “كراون”، ومقره في جامعة برانديز، قال فيها: “يستمر قادة الحركة بالتعبير عن أملهم بحدوث ثورة أهلية في سورية تمكن الشعب السوري من القيام بواجبه وتحرير سورية من نظام الحكم الفاسد فيها حسب تعبيرهم” حيث لم يتوقف الإخوان المسلمين عن القول أنهم يخوضون قتالاً حتى الموت ضد الحكومة القومية العربية العلمانية في سورية، وعليه يعتبرون أنه من الصعوبة بمكان إيجاد تسوية سياسية مع هذه الحكومة لأن زعماءها لا ينتمون إلى الأمة السورية المسلمة، فالانتماء إلى الأمة السورية برأيهم محصور بالمسلمين الحقيقيين فقط” بحسب قولهم دائماً. لقد تأكد ضلوع الإخوان المسلمين في التمرد من قبل مكتب الاستخبارات العسكرية الأمريكية عام 2012 الذي تسرب منه ملف يعترف فيه أن التمرد كان طائفياً ويقوده الإخوان المسلمين والقاعدة في العراق، التي بشرت بقدوم تنظيم الدولة الإسلامية، وقد تلقى المتمردون الدعم من الغرب و مشيخات البترودولار وتركيا. وأضاف الملف أن الهدف من المساعدات الخارجية للمتمردين كان إقامة “إمارة سلفية” ورؤية القوميين العرب منعزلين ومفصولين عن إيران. مزيداً على ذلك، ظهرت مستندات أخرى وضعها باحثون من الكونغرس الأمريكي عام 2005 كشفت المستور وأشارت إلى أن الإدارة الأمريكية كانت تفكر جدياً بتغيير نظام الحكم في سورية منذ سنوات طوال قبل حراك “الربيع العربي”2011، وما توهم به الرأي العام الأمريكي هو أن الدعم الأمريكي للمتمردين السوريين يقوم على دعم “ثورة ديمقراطية”، وأضافت الملفات أن الإدارة الأمريكية عمدت إلى إتباع سياسة طويلة الأمد بغية قلب حكومة دمشق.
وبالفعل اعترف الباحثون أن الحافز الذي دفع الحكومة الأمريكية للعمل على قلب الحكومة القومية العربية العلمانية في دمشق لا يمت بصلة إلى هدف الارتقاء بالديمقراطية في الشرق الأوسط، وبشكل أكثر دقة، كشفوا النقاب عن تفضيل واشنطن للديكتاتوريات العلمانية “مصر” والأنظمة الملكية “الأردن والسعودية”. يضيف الباحثون أن محرك الجهود الرامية إلى تغيير الحكم في سورية كان الرغبة في إزالة عقبة كبيرة أمام إتمام الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط المرتبطة مع توطيد “دولة إسرائيل”، وترسيخ الهيمنة الأمريكية في العراق وتعميم فكرة اقتصاديات السوق وفق نموذج الليبرالية الجديدة ، ولم تشكل الديمقراطية أي جزء من الخطة. ولو كان الرئيس الأسد وافق و عمل على الارتقاء بسياسات الليبرالية الجديدة في سورية، لكان من السهولة بمكان فهم لماذا استطاعت واشنطن تحديد الرفض السوري للاقتران بالأجندة الأمريكية الخاصة بانفتاح الأسواق وحرية الشركات كذريعة للجوء إلى تغيير الحكومة السورية.
بغية التشديد على فكرة أن المتظاهرين كانوا يفتقرون إلى الدعم الشعبي الكبير في 22 نيسان، أكثر من شهر بعد بداية الاضطرابات في درعا، أفاد مراسل نيويورك تايمز، انطوني شديد، في أحد تقاريره أنه “حتى الآن يبدو أنه لم تبلغ المظاهرات مستوى الثورات الشعبية كالتي حدثت في مصر وتونس” بمعنى آخر، بعد شهر من قيام مئات من المتظاهرين، وليس آلاف أو عشرات الآلاف، بافتعال اضطرابات في مدينة درعا، لم تظهر أي إشارات تدل على انتفاضة شعبية في سورية على نموذج الربيع العربي في دول عربية أخرى”. ويضيف: ” بقي التمرد مسألة محصورة بالإسلاميين، بالمقابل شهدت دمشق مظاهرات ضخمة دعماً للحكومة السورية وليس ضدها، والرئيس الأسد يحظى بشعبية كبيرة على الدوام من الشعب السوري بكافة أطيافه”. وانطوني شديد لم يكن الوحيد الذي تحدث عن هذا الأمر بل أشارت إليه أيضاً مراسلة مجلة التايم رانيا أبو زيد وكل المراسلين الذين تواجدوا في سورية وشاهدوا بأم العين حقيقة ما يجري على الأرض.
واقع الأمر أن الحكومة السورية تتمتع بولاء غالبية الشعب السوري لها، وأن الأقليات الدينية في سورية كشفت عن أمر لم يرد في تقارير الصحافة الغربية ويفتقر إليه الاشتراكيون الثوريون في الولايات المتحدة، أي أن التمرد تم دعمه وتغذى بأجندة طائفية إسلامية متطرفة، والذي إذا أراد جني ثماره وتحقيق هدفه فسوف يكون له تبعات كارثية لكل من لا يعتبرهم المتمردون “مسلمون حقيقيون”. ولهذا السبب يقف الشعب السوري إلى جانب الحكومة البعثية التي تسعى لردم التصدعات الطائفية في إطار سياسة خلق أجيال تؤمن بوحدة الأمة العربية. وما الشعارات الطائفية التي أطلقها المتظاهرون في الأيام الأولى سوى دليل قوي على أن التمرد يندرج في استمرارية القتال حتى الموت الذي أعلنه الإسلام السياسي ضد الحكومة القومية العربية العلمانية، ولا يمت إلى ثورة شعبية بأي صلة لصالح الديمقراطية وضد الليبرالية الجديدة. ولو افترضنا أن التمرد لا يرتبط بأي شيء مما ذكر، فكيف نفسر أن التعطش للديمقراطية ومعارضة الليبرالية الجديدة لم يكونا حاضرين في صفوف المتمردين؟ بالتأكيد، لأنهما تجاوزا الحدود الدينية التي ظهرت وسط صناع ومطلقي التمرد. مسألة ألا ينزل معظم السوريون إلى الشارع للتظاهر ضد الحكومة العلمانية، وأن الاضطرابات انحصرت في قلة قليلة منهم، يحملون فكراً إسلامياً متطرفاً، يقتضي بقوة أن التمرد منذ البداية كان يشكل عودة تجنيد وتعبئة الحملة الجهادية التي انطلقت منذ سنوات عديدة ضد علمانية البعث.” منذ البداية أعلنت الحكومة السورية أنها تخوض حرباً ضد مقاتلين إسلاميين متطرفين”. ذلك أن التاريخ الطويل للتمرد الإسلامي ضد الحكومة البعثية قبل 2011 يقتضي أن يكون التمرد الحالي من نفس السياق، والطريقة التي تطور بها التمرد تباعاً، بالأحرى حرب يشنها الإسلاميون ضد الدولة العلمانية لا تعمل إلا على ترسيخ هذا الرأي. ثمة براهين أخرى ايجابية وسلبية في نفس الوقت تؤكد ما قاله الرئيس الأسد أن الدولة السورية تعاني من هجوم الجهاديين، كما أكد على ذلك مئات المرات في المقابلات الصحفية والتلفزيونية. الإثباتات السلبية، أن التمرد لم يكن ولن يكون ثورة شعبية تقاد ضد حكومة لا شعبية حسب ما أثبتته تقارير إعلامية غربية كشفت أن الحكومة القومية العربية السورية شعبية وتحظى بتأييد وولاء الشعب السوري. بالتالي جذبت المظاهرات والاضطرابات المناهضة للحكومة السورية على مستوى ضيق أنظار العالم برمته، في حين لم يكترث هذا العالم للمظاهرات الضخمة المؤيدة لدمشق ولم يرد مشاهدتها والتي كانت أضخم بكثير من المظاهرات الشعبية في مصر وتونس. كما أن مطالب المتظاهرين تركزت على تحرير السجناء السياسيين “وبشكل خاص الجهاديين” وعلى رفع قيود زمن الحرب عن الانشقاق السياسي وليس على دعوات باستقالة الرئيس الأسد أو تغيير سياسات الحكومة الاقتصادية.
أما البراهين الايجابية فتاتي من التقارير الإعلامية الغربية التي كشفت وأظهرت أن الإسلام السياسي لعب دوراً محورياً في الاضطرابات، زد على ذلك أنه في حين قيل الكثير عن أنه لم يكن للجماعات الإسلامية المسلحة أي وجود في المظاهرات التي اندلعت في ربيع 2011 فإن الحقيقة تقول أن هناك جماعتان ارهابيتان لعبتا دوراً كبيراً في التمرد المسلح ضد القومية العربية العلمانية بعد 2011 وهما أحرار الشام وجبهة النصرة اللتان كانتا حاضرتين بقوة في بداية ذلك العام. “حيث بدأت حركة أحرار الشام بتشكيل وتنظيم الكتائب قبل منتصف آذار 2011 ” عندما اندلعت أحداث درعا بحسب التايم. أما جبهة النصرة، فرع القاعدة في سورية، فقد “كانت معروفة حتى نهاية كانون الأول 2012 عندما أعلنت تشكيلها لكنها كانت فاعلة قبل ذلك بأشهر عديدة”.
عنصر إثبات آخر يدعم فكرة أن الإسلام الجهادي لعب في وقت مبكر دوراً كبيراً في الاضطرابات، أو على الأقل أن المظاهرات اتسمت بالعنف وانه “منذ البداية كان هناك إشارات ودلائل على تورط جماعات مسلحة في الأحداث”. الكاتب والصحفي روبرت فيسك يؤكد انه رأى في الأيام الأولى “للثورة” شريط مسجل يظهر رجال مجهزين بأسلحة يدوية و كلاشينكوف أثناء إحدى المظاهرات في درعا”. كما أنه يتذكر حدثاً آخر وقع في أيار 2011 ” حيث كان فريق قناة الجزيرة القطرية يصور أشخاص مسلحين يطلقون النار على مجموعات سورية على بعد مئات الأمتار من الحدود شمال لبنان، إلا أن القناة قررت عدم بث التسجيل”. مزيداً على ذلك ضباط أمريكيون كانوا ضد الحكومة السورية وسمعناهم مراراً يقولون أنهم لا يتفقون مع رواية دمشق التي تقول أن سورية تحارب متمردين مسلحين،”اعترفوا بأن المظاهرات لم تكن سلمية على الإطلاق وأن بعض المتظاهرين كانوا مسلحين”. وفي أيلول أعلنت السلطات السورية أنها فقدت أكثر من 500 جندي ورجل شرطة قضوا على أيدي المتمردين، وفي نهاية شهر تشرين الأول تضاعف هذا الرقم، وفي غضون عام واحد خرج التمرد من إحراق مباني حزب البعث والمباني الحكومية الأخرى مع مواجهات ضد رجال الشرطة، إلى عصابات مسلحة سيتم تعريفهم بـ”الإرهابيين” عندما تم اقتيادهم لشن هجمات على أهداف غربية.
الرئيس الأسد يشتكي: كل ما قلناه في بداية الأزمة قالوه فيما بعد. قالوا أن المظاهرات كانت سلمية، ونحن قلنا لم تكن كذلك، هؤلاء المتظاهرون يقتلون الجنود والشرطة وانتم تقولون أنهم متظاهرون سلميون. هؤلاء أصبحوا مقاتلين، قالوا نعم إنهم مقاتلون. قلنا أنهم مقاتلون و إرهابيون، قالوا لا ليسوا كذلك، وفيما بعد عندما اعترفوا أنهم إرهابيين قلنا أنهم عناصر من القاعدة والغرب قالوا لا ليست القاعدة، أي كل ما قلناه سابقا يقولونه فيما بعد.
كتب باتريك سيل: لا ينبغي اعتبار “الثورة السورية” إلا الحلقة الأخيرة والأشد عنفاً من حلقات الحرب الطويلة بين الإسلاميين و البعثيين والتي تعود جذورها إلى فترة تأسيس حزب البعث العلماني عام 1940، والصراع الذي يضعهم في المواجهة بلغ مستوى القتال حتى الموت”. ويتابع سيل القول رداً على مقال للكاتب ارون لوند في المعهد السويدي للشؤون الدولية حول “الجهاد المقدس” في سورية:” إنها حقاً لحقيقة واضحة وضوح الشمس أن يقول” كل عناصر الجماعات المسلحة المختلفة هم من العرب الإسلاميين المتشددين، وان المساعدات المالية والأسلحة والمتطوعون تأتي من دول إسلامية ومن منظمات وأشخاص إسلاميين أو مقربين منهم، وأن الدين هو القاسم المشترك الأكثر أهمية لحراك المتمردين”.
الوحشية التي أضرمت نيران الحرب؟
هل من المنطق تصديق رواية الغرب التي تقول أن استخدام القوة من قبل الدولة السورية هو الذي أشعل حرب العصابات التي بدأت نشاطها قبل ذلك الوقت؟ هذا تحدي للمنطق الاعتقاد أن رد فعل قوات الأمن “المفرطة” على رفض سلطة الحكومة في مدينة درعا السورية، هذا لو سلمنا انه كان هناك ردة فعل، هي السبب وراء إضرام نيران حرب شرسة من هذا النوع، تورطت فيها دول عديدة واستقطبت كل الجهاديين في العالم إلى الأراضي السورية من أجل خوض “الحرب المقدسة” المزعومة. لكي نمنح هذه الرواية أدنى درجة من المصداقية، ما علينا سوى تجاهل سلسلة من الأعمال المتنافرة عند بداية الأزمة. أولاً وقبل كل شيء، سيتعين علينا تجاوز حقيقة أن حكومة الرئيس بشار الأسد شعبية و شرعية. فمن السهولة بمكان الادعاء بوجود ردة فعل مفرطة صدرت عن حكومة لا شعبية إزاء تحدي رديء ومستفز لسلطتها وفرت الفتيل الضروري لإشعال تمرد شعبي، ولكن على الرغم من إصرار باراك اوباما على القول إن الرئيس الأسد يفتقر إلى الشعبية، إلا انه لا يوجد أي دليل أو برهان على أن الحكومة السورية كانت في آذار 2011 برميل من الجمر القابل للانفجار في أي لحظة رداً على المشاعر المناهضة لها. وهذا ما تحدثت عنه مراسلة التايم، رانيا أبو زيد عشية الاضطرابات في درعا: “حتى هؤلاء المعارضون هنا في درعا يعترفون بشعبية الرئيس الأسد، ولا أحد هنا في سورية ينتظر خروج مظاهرات عارمة غاضبة، وعلى الرغم من التعبير عن انشقاق بين الحين والآخر، إلا أن نسبة الذين يتمنون ذلك قليلة جداً”
ومن ثم سوف يترتب علينا تجاهل مسألة العدد القليل من المتظاهرين الذين شاركوا في أحداث درعا، والذي لم يتجاوز المئات، ثورة ضئيلة، والمظاهرات التي تلتها فشلت هي الأخرى في بلوغ كتلة ناقدة مؤثرة وفق ما أفاد نيكولاس بلافورد لمجلة التايم. ينسحب هذا الكلام على مراسل نيويورك تايمز الذي لم يورد أي دليل أو إشارة تثبت وجود ثورة شعبية في سورية بعد مرور أكثر من شهر على أحداث درعا. وما جرى فعلاً، على عكس رواية واشنطن التي تحدثت عن الربيع العربي في سورية، شن الجهاديون حرب عصابات ضد قوات الأمن السورية أسفرت عن فقدان حياة ألف جندي و شرطي.
أخيراً، علينا غض الطرف عن مسألة أن الإدارة الأمريكية وحليفتها البريطانية قد أعدتا الخطط عام 1956 لشن حرب على سورية من خلال تجنيد وتعبئة الإخوان المسلمين قبل إثارة الاضطرابات الداخلية. وعليه تذكرنا اضطرابات درعا والمواجهات التي تلتها مع قوات الأمن والجيش السوري بالخطة التي حاكها المختص بتغيير الأنظمة الأمريكي كيرمي روزفلت جي ار”حفيد الرئيس الأمريكي السابق رودلف روزفلت”.
ويجب التأكيد على أن السي آي إيه نفضت الغبار عن مشروع روزفلت واحتفظت به لتطلقه في العام 2011 : لقد كشفت خيوط المؤامرة أن واشنطن ولندن كانتا قادرتين على تصميم عملية تدمير وزعزعة الاستقرار في سورية تتضمن تحريك تمرد يقوده الإخوان المسلمون بهدف تغيير نظام الحكم في سورية.
كما يتعين علينا أيضاً تجاهل أحداث حماه عام 1982 عندما سيطر الإخوان المسلمون على المدينة التي تعد رابع أكبر المدن السورية. كانت حماه بؤرة الأصولية في سورية و قاعدة هامة لإطلاق عمليات المقاتلين الجهاديين ضد المدنيين والعسكريين والبعثيين على حد سواء. لقد تم تحريضهم ضد الحكومة السورية آنذاك برئاسة الراحل حافظ الأسد، فانكبوا على إحداث اضطرابات وأعمال عنف في المدينة استهدفوا من خلالها الموظفين الحكوميين في مؤسسات الدولة ورموز حزب البعث وعائلاتهم في المدينة والجنود المتواجدين فيها، كما قاموا بقطع رؤوس بعض الضحايا. وبعد عقود من الزمن يمارس مقاتلو الدولة الإسلامية و جبهة النصرة والجيش الحر وكل الفصائل المسلحة الأخرى الممارسات الإجرامية ذاتها. لقد قاموا باغتيال كل المسؤولين البعثيين في مدينة حماه. وللمفارقة، تذكر الغرب أحداث حماه ليس بسبب الأعمال الوحشية التي ارتكبها الإسلاميون بحق المدنيين والعسكريين وإنما بسبب ردة فعل الجيش السوري، الذي تصرف مثلما يتصرف أي جيش آخر في أي بلد، واستخدم “القوة المفرطة” برأي الغرب لإعادة السيطرة على المدينة التي سيطر عليها المتمردون. آلاف الوحدات انتشرت لاستعادة المدينة من أيدي الإخوان المسلمين، وكان مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، روبرت بولك، وصف تبعات هجوم الجيش السوري على حماه بأنها مشابهة لتبعات الهجوم الأمريكي على مدينة الفلوجة العراقية عام 2004 “مع فارق بديهي يتمثل في أن الجيش السوري تصرف بشكل طبيعي بوصفه جهةً شرعيةً على عكس القوات الأمريكية التي تصرفت بطريقة لا شرعية باعتبارها قوة احتلال جاءت لسحق نشاطات المعارضة في العراق”. عدد القتلى من الإخوان المسلمين جراء الهجوم على حماه بقي محل جدل إذ تختلف الأرقام من مصدر لآخر:
“أحد التقارير أكد مقتل 1000 شخص من الإخوان، فيما يقدر معظم المراقبين العدد ب 5000 شخص”. أما مصادر الإخوان المسلمين و المصادر الإسرائيلية، الاثنان أعداء القوميين العرب العلمانيين، ولهما مصلحة مشتركة في المبالغة بميزان الضحايا فقد صرحوا أن “عدد القتلى تجاوز أل 20,000 قتيل”. يقول روبرت دريفوز، الذي كتب عن تعاون الغرب مع الإسلام السياسي، “لقد تعمدت المصادر الغربية تضخيم أرقام ميزان الضحايا في محاولة لشيطنة البعثيين و إظهارهم بصورة القتلة بدون رأفة ولا رحمة، والتسويق لفكرة أن البعثيين تركوا مثل تلك الأعمال تحدث لترهيب الإخوان المسلمين ودب الرعب في قلوبهم”. وبينما كان الجيش السوري يزيل الأنقاض عن مدينة حماه عقب انتهاء الهجوم، اكتشف أدلة على قيام حكومات أجنبية بتزويد المتمردين في حماه بالمال والسلاح وأجهزة الاتصالات. ضمن هذا السياق كتب بولك يقول: “لقد لاحظ الأسد في تلك الفترة وجود مغرضين يتغلغلون وسط الشعب السوري، لكن هذا كان نتاج تركة عاطفية وسياسية لعهد الحكم الاستعماري، وهي بدون أدنى شك تركة ثقيلة بالنسبة للغالبية العظمى في العالم الذي أصبح في فترة ما بعد الاستعمار، إلا أن الغرب لم يلاحظ هذه التركة. وهذا الإرث ليس خرافة، بل حقيقة وبالوسع التحقق بالاعتماد على وثائق ومستندات رسمية، غالباً بعد مضي عدة أعوام على الأحداث. و لكن الرئيس الراحل حافظ الأسد لم يكن بحاجة لتسريب مستندات مصنفة، ذلك أن مخابراته و الصحفيون الغربيون كشفوا النقاب عن 12 محاولة تغيير لحكومته من قبل دول عربية محافظة وغنية بالنفط، ومن قبل الولايات المتحدة وإسرائيل”. معظم هذه الدول شرعت القيام “بأدوار قذرة” من البروباغندا إلى ضخ الأموال، ومن المفيد الكشف عن معلومات هامة: أثناء الأحداث في مدينة حماه عام 1982، تمت مصادرة أكثر من 15000 بندقية آلية ذات مصادر أجنبية ، والقبض على سجناء بينهم عناصر من القوات شبه عسكرية أردنية تلقوا التدريب من السي آي إيه ( تماما كهؤلاء الجهاديين الأجانب الذين يظهرون في التقارير الإعلامية الخاصة بسورية عام 2013 ). وكل ما رأيناه يحدث في سورية تم تأكيده من قبل ذلك الذي يتقن ويعلم فن الغرب في تغيير الأنظمة في أماكن أخرى. كان على علم بمحاولة اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر من قبل الاستخبارات الأمريكية، والانقلاب الأمريكي-الانكليزي ضد حكومة رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق.
يقول المحلل السياسي “توماس فريدمان” في نيويورك تايمز في كتابه “من بيروت إلى القدس”:
“كان من الممكن اعتبار مجزرة حماه كردة فعل طبيعية لرجل بوليس تقدمي في دولة-امة فتية، يعمل على قمع عناصر رجعية، هنا اقصد الأصوليون الإسلاميون، تسعى لتقويض وتدمير كل ما تم انجازه لبناء سورية كجمهورية علمانية في القرن العشرين. ولهذا السبب لو كان هناك شخص ما يجري استطلاع رأي موضوعي في سورية إزاء مجزرة حماه، فان طريقة تعاطي الرئيس الأسد مع التمرد كانت ستعكس قبول ورضا كبيرين حتى وسط أولئك الذين يدعون أنهم “المسلمين الحقيقيين”. واقع الأمر أن بروز الجهاد الإسلامي المتطرف ضد الحكومة السورية في فترة الثمانينات، وفيما بعد في بلاد الشام هو تحدي للتفسير الذي يقول أنه لم يظهر إلا في عام 2003 كنتيجة طبيعية للغزو الأمريكي للعراق ، ورداً على السياسات الطائفية التي كانت تمارسها سلطات الاحتلال الأمريكي. هذا الكلام مرفوض لأنه فيه قصر نظر تاريخياً ويتعامى عن تواجد الجهاد الإسلامي منذ عشرات السنين كقوة سياسية مؤثرة في بلاد الشام. فعندما حصلت سورية على استقلالها بجلاء الاستعمار الفرنسي عن أراضيها عقب الحرب العالمية الثانية، إبان العقود التي ستأتي خلال القرن العشرين وحتى القرن الحالي، فإن القوتان المتخاصمتان والمتنافستان الحاضرتان في سورية هما القومية العربية العلمانية والإسلام السياسي. وكما أكد الصحفي “باتريك كوك بوم” في 2016 بالقول: “يسيطر داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام على المعارضة المسلحة السورية، وعليه فإن البديل الوحيد لعهد القومية العربية العلمانية هو عهد الإسلاميون، وهذا هو الحال منذ وقت طويل”. أخيراً ومزيداً على ذلك سيترتب علينا تجاهل حقيقة أن الإستراتيجيين الأمريكيون خططوا منذ عام 2003، وربما قبل هذا التاريخ بكثير، لإجبار الرئيس السوري وإيديولوجيته القومية العربية العلمانية على مغادرة السلطة، وبدؤوا يمولون المعارضة السورية منذ عام 2005 ومن ضمنها المجموعات المنضوية تحت راية الإخوان المسلمين. وعليه، عملت واشنطن على تغيير نظام الحكم في سورية بغية التخلص من بعثيتها وهكذا نرى انتشار حرب عصابات تقاد ضد القوميين العرب العلمانيين في سورية، وأن ردة فعل الحكومة السورية في درعا كانت مفرطة. الخطة كانت جاهزة للتطبيق ولم يكن ينقصها سوى الذريعة فجاءت أحداث درعا لتوفرها. هكذا استطاعت فكرة اعتقال طفلان في درعا بتهمة الكتابة على الجدران، إضرام نيران حرب شرسة بهذا الحجم وتم تصديقها تماماً كما تم تصديق سبب اندلاع الحرب العالمية الأولى على خلفية اغتيال الارشيدوق فرانسوا- فيرديناند.
سورية الاشتراكية
يمكن تعريف الاشتراكية بطرق مختلفة، “، ولكن إذا كانت تتجلى من خلال إدارة الملكية العامة لآليات الاقتصاد بالتزامن مع تخطيط اقتصادي تمارسه الدولة، تكون سورية قد استوفت مبادئها ومعاييرها بوضوح وفق دساتيرها للعام 1972 والعام 2012. بالتأكيد ليست الجمهورية العربية السورية دولة اشتراكية عمالية وفق المعايير التي حددها الماركسيون، بل هي دولة عربية اشتراكية قامت على هدف تحقيق الاستقلال السياسي العربي والتغلب على إرث الأمة العربية النامية، والخبراء الذين وضعوا الدستور اعتبروا الاشتراكية كوسيلة لإرساء التحرير الوطني و التنمية الاقتصادية. حيث كتب محررو دستور عام 1972 ” إن المسعى نحو إرساء نظام اشتراكي هو ضرورة ملحة لتعبئة قوى الجماهير العربية في نضال ضد الصهيونية والامبريالية”. لقد نتجت الاشتراكية الماركسية عن النضال بين طبقة غنية مستغِلة وطبقة العمال الكادحة المستغَلة، بينما نتجت الاشتراكية العربية عن الصراع بين الأمم المستغِلة والأمم المستغَلة. ورغم أن هاتان الاشتراكيتان المختلفتان تقومان بوظيفة استغلال بمستويات مختلفة فلم يكن لهذه الفروق أي أهمية بالنسبة للبنوك والشركات المتعددة الجنسيات، وكبار المستثمرين الغربيين، الذين كانوا يهيئون العالم للبحث عن مكامن الربح والمكاسب فيه. عملت الاشتراكية ضد المصالح التجارية للرأسمال الصناعي والمالي الأمريكي، سواء أكانت موجهة لتحقيق هدف استغلال الطبقة الكادحة، أو نحو تجاوز الاضطهاد الامبريالي للأمم القومية. واشتراكية حزب البعث في سورية تثير امتعاض واشنطن منها منذ سنوات طوال. ذلك أن الدولة البعثية مارست نفوذاً كبيراً على الاقتصاد السوري من خلال تأميم الشركات وتقديم المساعدات للشركات الوطنية الخاصة، وفرض شروط على الاستثمارات الأجنبية وتطبيق القيود على الاستيراد. إذ اعتبر البعثيون هذه المعايير كأدوات اقتصادية ضرورية لدولة تنهض من حقبة الاستعمار انكبت على تنظيف حياتها الاقتصادية من آثار القوى الاستعمارية السابقة، ورسم طريق تنمية حرة من هيمنة المصالح الأجنبية.
مع ذلك كانت أهداف واشنطن متناقضة، فهي لا تريد أن تعمل سورية على تقوية اقتصادها والحفاظ على استقلالها ، بل كانت تريد منها الحفاظ على مصالح الممولين والمستثمرين الكبار، الذين كانوا يعتمدون على الولايات المتحدة لتفتح أسواق سورية والقوى الحية فيها للاستثمار، وأن تقدم أرضها ومصادرها الطبيعية للملكية الخارجية. وهذا ما أكدته إدارة اوباما عام 2015 حين قالت: “تتركز أجندتنا على تخفيض التعاريف الجمركية على المنتجات الأمريكية، وإزالة العوائق من طريق استثماراتنا وأرباحنا، وتطبيق معايير أكثر تعسفية من أجل تمهيد الأرض لصالح المشاريع والشركات الأمريكية”. حقيقة الأمر، هذه الأجندة ليست جديدة بل تدخل في صميم السياسة الخارجية الأمريكية منذ عقود طويلة. فلم تدخل دمشق في المرتبة التي فرضتها واشنطن والتي تتمسك بسلطة وإرادة “إدارة الاقتصاد العالمي”. إذ أن أنصار الخط القاسي في واشنطن كانوا يعتبرون الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، كشيوعي عربي، بينما اعتبر المسؤولون الأمريكيون الرئيس بشار الأسد كأيديولوجي غير قادر على التخلي عن ثالث أهداف برنامج حزب البعث الاشتراكي : الاشتراكية. وقد ادعت وزارة الخارجية الأمريكية أن سورية ” فشلت في الالتحاق بركب الاقتصاد العالمي الذي بات مترابطاً أكثر فأكثر” ما يعني أنها فشلت في التخلي عن شركاتها المؤممة ووضعها في أيدي الاستثمارات الخاصة المتضمنة مصالح الوول ستريت المالية. إضافة إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية أعربت عن خيبة أملها من”الأسباب الإيديولوجية” التي منعت الرئيس الأسد من تحرير الاقتصاد السوري ومن انتشار خصخصة الشركات، والت إلى أن يصبح الاقتصاد تحت رقابة الحكومة السورية”. يبدو جلياً أن الرئيس الأسد لم يكن يعلم بما أسمته واشنطن” دروس التاريخ”، أي “اقتصادات السوق هي الأفضل وليس تلك الاقتصاديات التي خططت لها يد الحكومة “بحسب تعبيرها دائماً. الرئيس الأسد يؤكد على الدوام على استقلالية سورية عن أجندة واشنطن الرامية إلى “فتح الأسواق وتمهيد الأرضية أمام مصالح ومكاسب الشركات الأمريكية في الخارج” ولذلك نص الدستور على أن” تحتفظ الحكومة بدور محوري في توجيه الاقتصاد وفقاً لمنفعة الشعب السوري، والحكومة لا تدع السوريين يعملون من اجل مصالح البنوك والشركات المتعددة الجنسيات والمستثمرين الغربيين”. بالإضافة إلى كل ذلك، أشار الرئيس الأسد إلى ولائه للقيم الاشتراكية ضد ما حددته واشنطن كـ”ضرورة أخلاقية للحرية الاقتصادية” عند كتابة الحقوق الاجتماعية في الدستور: التأمين ضد المرض، والإعاقة، والشيخوخة، والحصول على العلاجات الطبية المجانية، ومجانية التعليم في كل المراحل الدراسية”
بقيت هذه الحقوق مصانة رغماً عن المشرعين والسياسيين الذين ربما يضحون بها على مذبح خلق مناخ الضرائب المنخفضة الجاذبة للاستثمارات الأجنبية.
مواجهة إضافية تعارض سياسة واشنطن المعهودة المقربة من الأعمال، فقد ألزم الدستور السوري الدولة بتطبيق نظام ضريبي متقدم. كما نص الدستور على أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب على الأقل من طبقة العمال والفلاحين ولطالما أزعج هذا الأمر صناع القرار في واشنطن ولم يتمكنوا من تحمله لا هم ولا فرق الاتصال والربط في عالم البنوك و الاستثمار فلو قبل الرئيس الأسد تبني سياسة الليبرالية الجديدة، لكان بالتأكيد أحد الأنصار النادرين لهذه الايديولجية في العالم.
الجفاف والتصحر؟
النقطة الأخيرة في جذور وأسباب التمرد العنيف 2011 تتعلق بالجفاف. فقد اقتبس علماء الاجتماع والمحللون الاقتصاديون من دراسة نشرت في مسودة (Prceedings ) الصادرة عن الأكاديمية الوطنية للعلوم أن “الجفاف لعب دوراً في الاضطرابات السورية حيث أدى إلى خسارة المحاصيل التي دفعت إلى هجرة مليون ونصف شخص من المناطق الريفية إلى المدن”. بالتالي أدى هذا الأمر بالتزامن مع تدفق اللاجئين من العراق، إبان الغزو الأمريكي، إلى احتدام التنافس في ميدان الوظائف المحدودة في المناطق المدنية، ما حول سورية إلى قدر من التوتر والغليان الاقتصادي والاجتماعي لدرجة الانفجار. حقيقة “يبدو البرهان منطقي وعلمي”
إلا أن الظاهرة التي عمل على شرحها- ثورة شعبية في سورية-لم تحدث، أي ليست كافية لدرجة إضرام ثورة شعبية. بل على العكس تفاجأ الصحفيون، الذين كانوا يترقبون وجود ثورة شعبية، أنه لاوجود لشئ من هذا القبيل. بل وجد الصحفيون الغربيون على أرض الواقع أن سورية كانت هادئة بشكل مذهل، وسرعان ما اكتشفوا أن المظاهرات التي نظمها مدراء صفحة الفيسبوك “الثورة السورية2011 ” كانت مجرد فقاعات سرعان ما تلاشت. معارضون اعترفوا بشعبية الرئيس الأسد.
والصحفيون لم يجدوا شخصاً واحداً يصدق أو يؤمن بأن ما يحصل هو ثورة حقيقية. وبعد شهر من اندلاع الاضطرابات في درعا، التي شارك فيها المئات من المتظاهرين، تبددت نتيجة نزول عشرات الآلاف من السوريين إلى الشارع لتأييد الحكومة السورية. مراسل نيويورك تايمز في سورية لم يتمكن من إيجاد أي إشارة أو دليل على وجود تمرد كبير أو شعبي على غرار ما حصل في مصر وتونس. في بداية شباط 2011 ، قال عمر نشابة، مراسل قدير لجريدة الأخبار ومقرها بيروت: “بدون أدنى شك يعاني السوريون من الفقر الذي طال 14% من السكان و بطالة تقدر نسبتها بـ20% إلا أن الرئيس السوري بشار الأسد محافظ على مصداقيته”.
وكان المعهد البريطاني “YouGov” نشر استطلاع للرأي في نهاية 2011 اظهر أن 55% من السوريين يريدون بقاء الرئيس الأسد في السلطة. وطبيعي ألا تأتي وسائل الإعلام الغربية على التنويه إلى مثل هذا الاستطلاع ما دفع الصحفي البريطاني جوناثان ستيل إلى طرح السؤال التالي: “تصوروا أن استطلاع للرأي يكشف أن نصف السوريين يفضلون بقاء الرئيس الأسد في السلطة، أليس خبراً ملفتاً ومثيراً للاهتمام؟” ستريل وصف نتائج الاستطلاع بأنها” شاقة ومتعبة تم إهمالها والتكتم عليها، لأن التغطية الإعلامية للأحداث في سورية لم تكن عادلة أو موضوعية” بل تحولت إلى سلاح بروباغندا”. وأخيراً لنر كيف تتجسد فكرة أن يكون السلام والعدل أحياناً متناقضين في الحوار التالي بين الكاتب والروائي الثوري الفلسطيني، غسان كنفاني، والصحفي الاسترالي ريتشارد كارلتون:
كارلتون: لماذا لم تشرع منظمتكم بمحادثات سلام مع الاسرائليين؟
كنفاني: أنت لا تريد فعلاً “محادثات سلام” بل تريد القول استسلام، تنازل.
كارلتون: لماذا لا نتكلم ببساطة؟
كنفاني: نتكلم لمن؟
كارلتون: نتحدث إلى الحكام الإسرائيليين.
كنفاني: إنه كنوع من الحوار بين السيف والرقبة أليس كذلك؟
كارلتون: حسناً، إذا لم يكن هناك أي سيف أو بندقية في الغرفة، فبوسعك التحدث دائماً.
كنفاني: لا. لم أر أبداً حوار بين مستعمر وحركة تحرير وطنية.
كارلتون: على الرغم من ذلك، لماذا لا تتكلمون؟
كنفاني: نتكلم عن ماذا؟
كارلتون: عن إمكانية عدم التحارب والاقتتال.
كنفاني: لا نقاتل من أجل ماذا؟
كارلتون: لا نتحارب بشأن أي شيء أياً كان هذا الشيء.
كنفاني: يتحارب الناس عادة من أجل شيء ما، وإذا توقفوا عن الاقتتال فمن أجل الشيء عينه
وبالتالي ليس بوسعك أن تقول لي لماذا وعن أي شيء يتعين علينا التحدث، لما علينا التوقف عن التحارب؟
كارلتون: نتحدث عن التوقف عن التحارب لحقن الدماء و إنهاء المأساة و التدمير والآلام.
كنفاني: مأساة وتدمير، ألم وموت من ؟
كارلتون: الفلسطينيون والإسرائيليون والعرب.
كنفاني: مأساة الشعب الفلسطيني الذي اقتلع من جذوره والقي به في المخيمات، الذي يعاني من الجوع والعطش، ويغتال منذ عشرين عاماً ويحرم من اسمه “فلسطينيون”؟
كارلتون: مع ذلك كله، يبقى التحدث عن وقف التحارب أفضل من الموت.
كنفاني: ربما بالنسبة لك هذا صحيح. ولكن بالنسبة لنا، من أجل تحرير أرضنا، وامتلاك كرامتنا
وامتلاك الحقوق الإنسانية، هذه الأمور هامة وأساسية كالحياة نفسها.
الخاتمة
لم يشرح “ايريك دريتسر” القيم التي كان على اليسار الأمريكي أن يكرس نفسه لها عندما يكون السلام والعدل في ضمار حرب طويلة الأمد. تمسكه بشعار”السلام والعدالة” فقط من أجل الانتخابات، يبدو لا شيء سوى دعوة موجهة لليساريين بالتخلي عن السياسة للشروع بمهمة “النفوس الطيبة” لتتوضع في صميم الحروب والنزاعات القذرة التي تدمر البشرية، دون أن يشكلوا جزءً من الأخيار. تأكيده على أن ” ولا مجموعة لديها ما هو الأفضل بالنسبة لسورية ” غبي ولا يستحق التعليق. وفي نفس الوقت لا يمكننا أن نمنع أنفسنا من امتلاك الانطباع بأنه يصدق ويعلم، ومعه اليسار الأمريكي ، ما هو أفضل من أجل “الشعب السوري”. ربما لهذا السبب أعلن مسؤولية اليسار الأمريكي تجاه “الشعب السوري” كما لو أن الشعب السوري هو كتلة غير متميزة مخصصة بمصالح وتطلعات مماثلة.
إن الشعب السوري برمته يتضمن الجمهوريون العلمانيون والإسلاميون السياسيون، الذين يمتلكون آراءً متناقضة حول طريقة تنظيم الدولة، ويخوضان القتال حتى الموت منذ أكثر من نصف قرن، والإسلاميون يحملون الحكومة مسؤولية هذه الحرب.
كما يتضمن السوريون بمجملهم أولئك الذين يؤيدون الاندماج في الإمبراطورية الأمريكية، وأولئك الذين يعارضونهم: أولئك الذين يتعاونون مع الامبرياليين الأمريكيين وأولئك الذين يرفضون هذا الأمر. من هذا المنظور، ماذا يعني التأكيد على أن اليسار الأمريكي يتحمل المسؤولية إزاء الشعب السوري؟ وأي شعب سوري يقصدون؟ اعتقد أن مسؤولية اليسار الأمريكي يجب أن تكون تجاه شعب الولايات المتحدة وليس تجاه الشعب السوري. كما اعتقد أن اليسار الأمريكي اعتبر أن من بين مسؤولياته تبرز التحليلات السياسية العنيفة والقائمة على البراهين والإثباتات لتظهر كيف تستخدم النخب الاقتصادية الأمريكية جهاز الدولة الأمريكي لتقديم مصالحها في الخارج على حساب نفقات الشعب الأمريكي. كيف أضرت حرب واشنطن الطويلة ضد سورية بطبقة العمال في الولايات المتحدة؟ هذا ما يتعين على دريتسر الإجابة عنه.
كتابي” حرب واشنطن الطويلة ضد سورية” سيصدر في نيسان2017 .
ستيفن غوانز: كاتب كندي وناشط سياسي و محلل مختص في السياسات الخارجية
مراجعة: فريد جنبرت
المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز وسياسته