ما هي استراتيجية تركيا، وماذا عن قواتها المتواجدة في العراق؟
يتموضع التواجد العسكري التركي في العراق ضمن معسكر قريب من بلدة بعشيقة، وسبب تواجد هذه القوات يبقى مبهماً، إن كان على الصعيد القانوني أم السياسي.. فالأتراك يزعمون أن ذلك قد تم بطلب من الحكومة العراقية بغية تدريب مقاتلين عراقيين لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، والحكومة تنفي أنها طلبت منهم ذلك.
ففي داخل هذا المعسكر، تُدرب قوات البشمركة الكردية التي تقاتل باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، المشارك في سلطة إقليم كردستان المستقل، الواقع في شمال العراق، إضافة لقوات تركمانية في المعسكر ومقاتلين مرتبطين بــ”الجيش السوري الحر” أو جماعات سنية تحارب الدولة الإسلامية.
منذ عدة أيام، تحاول تركيا تضخيم دورها فيما يتعلق بمكافحة “داعش” في العراق، وقد أظهرت في عدة مناسبات رغبتها بالمشاركة في معركة الموصل، حالياً، والسلطات العراقية ترفض ذلك، فهي تريد أن تبقى مسيطرة بشكل كامل على العمليات العسكرية، مما أدى لتدهور العلاقات بشكل كبير بين بغداد وأنقرة.
منذ بداية تشرين الأول، فَقَد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أعصابه، لأن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي رفض احتمالية مشاركة تركيا في العمليات العسكرية في الموصل، وفي تصريح له، قام اردوغان بوعظ العبادي قائلاً له: “ينبغي عليك معرفة مكانتك”، ذاهباً إلى حد رفع الكلفة في الحديث، وأضاف: “أنت لست نداً لي، أنت لست بمستواي”.
ما هي الأسباب التي تدفع تركيا للإصرار على المشاركة في معركة الموصل، ولماذا يعارض الجانب العراقي ذلك؟
ترفض تركيا أن تتحرر الموصل من قبل الجماعات الشيعية العراقية أو الإيرانية بشكل حصري، فهي تريد أن تظهر على أنها القوة الحامية للسنة، وأنها القادرة على منع قيام عمليات انتقامية من جانب “الجماعات” الشيعية على السنة.
ففي نزواتها التدخلية، تريد تركيا أن تظهر على أنها قوة معترف بها، ولا يمكن تجاوزها في المعركة ضد الدولة الإسلامية، وتريد أيضاً، إثبات فكرة أنها القوة الحامية للسنة ولمصالحهم في المنطقة، إن اتخاذ هذا الموقف يعتبر مجازفة، حيث يعكس في الواقع عملية “تسنين” للسياسة الإقليمية التركية التي ستضر بمصالحها القومية في نهاية الأمر.
أما فيما يتعلق بالعراق، فالحكومة العراقية تدرك أن مشاركة تركيا في معركة الموصل، ستفرض هذه الأخيرة مطالبها السياسية عليها، ومن خلال هذا الرفض، يريد العراق الرهان على الدفاع عن سيادته الوطنية، فزعماء العراق لهم الحق باتخاذ التدابير اللازمة بعيد تصريحات الرئيس اردوغان.
بشكل عام، ما هي مصالح تركيا في النزاعات الدائرة في سورية والعراق؟ وهل السياسة الخارجية التركية في الشرق الأوسط مدعومة حقاً بحجج تاريخية؟
إذا كان هنالك نوع من التهاون من قبل تركيا تجاه “داعش” في الماضي، فقد أزالت تركيا كل هذا الغموض في العام 2015، وأدركت بأن الدولة الإسلامية أصبحت منظمة إرهابية خارجة عن السيطرة، وأنها تشكل تهديداً لاستقرار بلادها، وحقيقة الأمر، فإن هذه المنظمة قامت بعدة اعتداءات على الأرض التركية، ونتيجة لذلك، سيكون لتركيا من الآن فصاعداً دوراً مهماً ورائداً في محاربة الدولة الإسلامية.
بالرغم من ذلك، فإن تصرفات تركيا في المنطقة ناجمة عن حدوث تطور في المسألة الكردية، فسياستها تجاه الأكراد تختلف في كل من سورية والعراق، ففي سورية، ترفض أنقرة أي طرح يتحدث عن ولادة كيان كردي مستقل في الشمال السوري، لأنها ستكون بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية، الذي يمثل جزءاً من الأكراد السوريين، وهؤلاء يمثلون جناحاً لحزب العمال الكردستاني، الذي يعد أحد الأعداء الرئيسيين والأساسيين لتركيا، ونتيجة لذلك، لا يمكن أن تتصور تركيا وجود كيان كردي مستقل تعده إرهابيا،ً على حدودها مع السورية.
إذا كانت تركيا على صراع مع أكراد سورية، ففي المقابل، فقد نسجت علاقات جيدة جداً مع أكراد العراق بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي مازال على رأس الحكم منذ عشر سنوات، وهنالك في الحقيقة تعاون فعلي بين أنقرة وحكومة إقليم كردستان العراق.
يمكن تلخيص علاقات تركيا مع الأكراد في المنطقة على الشكل التالي:
– صداقة وتعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.
– صراع حتى الموت مع حزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي.
لا تستند الحجج التاريخية التي تدعيها تركيا خلال هذه الأيام على أي شيء من الواقعية والجدية، فقد أصدر اردوغان عدة بيانات وتصريحات تتعلق بالموصل، يؤكد في نهاياتها أن هذه المدينة ينبغي أن تكون جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وفي المحصلة لم يتم هذا الأمر، حتى ولو كان مبنياً على فرضية صحيحة، لكنه يستغل هذه الحجة من أجل نقد كيفية دفاع الزعماء الأتراك السابقين عن المصالح التركية، لهذه التصريحات إذاً دور على صعيد السياسة الداخلية، فاسترجاعه لتاريخ بلاده، يهاجم فيه بشكل أساسي الكماليين، الذين لم يفاوض أسلافهم بشكل جيد وصحيح بمسألة الموصل، ويهدف من هذا الرجوع للماضي أيضاً، نزع الشرعية عن خصومه الداخليين، وليس كما يقال، إلى استعادة الأراضي التي خسرتها الإمبراطورية العثمانية عند سقوطها.
ما نوع العلاقات التي تربط تركيا مع غيرها من اللاعبين الإقليميين؟
تعد العلاقات متوترة مع العراق بسبب الخلافات حول وجود القوات التركية على الأراضي العراقية، وفيما يتعلق بسورية، فقد تأزمت العلاقات مع دمشق إلى حد كبير، ففي بداية النزاع، وضعت تركيا نفسها على مسار معاداة الرئيس بشار الأسد وطالبت برحيله كشرط مسبق لأي حل سلمي بين القوات الموالية والمتمردين، لكنه ومنذ صيف عام 2016، اختلف الوضع وقبلت أنقرة ببقاء الأسد في السلطة، أقلها لفترة انتقالية، وضمن هذا السياق، فقد أعلم الرئيس اردوغان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته إلى بطرسبرغ، بالتطورات التركية على صعيد هذا الملف.
وهناك لاعب إقليمي آخر ذو أهمية كبرى بالنسبة لتركيا.. هو إيران، فالعلاقات بينهما تقع ضمن منظور الشراكة الاقتصادية المضبوطة، خصوصاً أن إيران هي من الموردين الأساسيين للطاقة إلى تركيا، وبالرغم من ذلك، تنظر تركيا لإيران بحذر، فإعادة إدماج إيران في اللعبة الإقليمية والدولية ستحوله إلى منافس مهم لها، دون نسيان أن ديموغرافيا وحجم إيران مماثل تقريباً لها، ومن جهة أخرى، فإن إيران ترغب بضرب النفوذ التركي وزيادة نفوذها وثقلها الاقتصادي في كل من الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى، وضمن هذه النقاط، فإنها تشكل منافساً مهماً لها، مما يزيد من الحذر والحيطة لتركيا منها.
بشكل عام، وبالرغم من مشاكلها الداخلية، تبقى تركيا لاعباً إقليمياً لا يمكن الاستغناء عنه، ومن حقها الشرعي إبداء رغبتها بالمشاركة في محادثات السلام.
*ديديه بييون: مدير مشارك في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية وحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية، هو مختص في الشؤون التركية وقضايا الشرق الأوسط وله عشرات المقالات بالإضافة لكتابته عدة دراسات استشارية للمؤسسات الفرنسية الحكومية كوزارة الدفاع.
– مراجعة: محمد حبيب عيسى
http://www.iris-france.org/82394-mossoul-que-cherche-la-turquie/
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز وسياسته