يمكن أن تجبر الطموحات التركية بأن يكون لها دور أكبر في مستقبل الموصل، الأمة بقبول مزيد من التعاون مع روسيا وإيران.
لقد بدأت بالفعل كل من القوات الأمريكية والكردية عملية عسكرية لمساعدة الجيش العراقي في إعادة السيطرة على الموصل وتحريرها من الدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIS). ومنذ ذلك الحين أصبح جلياً أن الحكومة التركية مصرة، وبشدة، على مشاركة أنقرة في العملية أيضاً. لدى الوجود العسكري التركي قرب الموصل، على الرغم من احتجاج بغداد، هدف معلن وهو دعم قوات البيشمركة والسنة في محاولتها تحرير التي تحاول تحرير الموصل.
وعليه، تثير التصريحات التركية الرسمية، والسياسات الخارجية الأخيرة في المنطقة، حفيظة العديد من المراقبين الذين يشككون في النوايا المعلنة من قبل أنقرة. فهم يقولون “إن السياسة التركية مدفوعة أساساً بالطموحات الجيوسياسية في العراق”. وبالنسبة لصانعي القرار الروس، من المهم أن تكون الجهود التركية ضمن سياساتها في الشرق الأوسط، لتوجيه طموحات أنقرة في إطار التعاون الإيراني-التركي-الروسي.
لم تتواجد تركيا في العراق؟
في وقت سابق من شهر تشرين الأول، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه يجب على الجيش التركي أن يلعب دوراً في تحرير الموصل. وأصرّ أيضاً أن أحداً لن يكون قادراً على منع مستشارين أتراك وقوات تدربت على يد جنود أتراك متمركزين قرب الموصل من المشاركة في العملية.
يمكن وضع هذا الإصرار ضمن نطاق أوسع في السياسة التركية الحالية تجاه العراق ونوايا أنقرة بأن تكون جزءاً من سياسات القوة في مرحلة ما بعد داعش. ولكن يبدو من المعقول لأنقرة إعادة النظر في موقفها العدائي الحالي والنظر في تعاون وثيق مع روسيا وإيران بدلاً من ذلك.
التواجد العسكري التركي في العراق ليس شيئاً جديداً. فالتعاون في مجال أمن الحدود مع العراق مستمرّ منذ عام 1980، لكن الوجود العسكري المحدود (ولكن الدائم) بدأ عام 1990. واليوم هناك حوالي 18 قاعدة عسكرية واستخباراتية تركية معظمها في منطقة الحكم الذاتي داخل إقليم كردستان العراق.
الهدف الرئيس من الوجود التركي في العراق هو محاربة حزب العمال الكردستاني (PKK)، والذي يعتبر بمثابة منظمة إرهابية في تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. على سبيل المثال، أنشأت تركيا معسكراً للجيش في بعشيقة، في آذار عام 2015، كجزء من حربها على داعش. وقدمت التدريب والمساعدة العسكرية لقوات البيشمركة والقوات المحلية السنية المعروفة بالحشد الوطني.
أصبح معسكر بعشيقة في كانون الأول عام 2016 نواة فضيحة دبلوماسية بين تركيا والحكومة المركزية العراقية. طالبت الأخيرة بإزالة أنقرة للمخيم الذي أنشأته “كانتهاك للسيادة العراقية”. من الواضح تماماً أن بغداد كانت تمثل المخاوف الإيرانية ضدّ التعدي التركي على هيمنتها في العراق.
اضطرت السلطات التركية، مع عدم وجود دعم من شركائها الغربيين والعرب، للتخفيف من حدة الصراع، وحاولت جاهدة إثبات أن وجودها العسكري كان ضرورياً لمحاربة داعش. والآن، يتم استخدام نفس الحجج لتبرير المشاركة التركية في الهجوم العسكري على الموصل. وتصرّ تركيا على أن وجودها في العراق عنصر لا غنى عنه في المعركة ضد داعش.
من ناحية أخرى، يبدو أن أنقرة تتجاهل الشكوك المستمرة حول علاقتها الحقيقية مع الدولة الإسلامية (IS). ليس سراً على أحد أنه في المراحل الأولى من وجودها، نظرت تركيا إلى الدولة الإسلامية كقوة فاعلة ضدّ “نظام” بشار الأسد في سورية وضد ّالجماعات التابعة لحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD). وكلاهما أعداء رئيسيون لتركيا.
ورداً على سؤال حول ضرورة الوجود العسكري التركي، قال مسؤولون أتراك “إن القواعد التركية في العراق مستعدة أيضاً للمساهمة في المعركة المستمرة ضد حزب العمال الكردستاني”. وتزعم تركيا أنها تحاول منع تقدم المجموعات التابعة لحزب العمال الكردستاني على طول الحدود السورية العراقية حول سنجار. فإذا استطاعت هذه الجماعات تمكين السيطرة على الحدود، سيكون من السهل عليها توسيع منطقة كردستان في سورية- المعروفة عند الأكراد بـ”روج آفا”- من أجل مقاومة الحصار المفروض على هذه الأراضي من قبل السلطات التركية. ومع ذلك، حتى لو أخذنا عامل حزب العمال الكردستاني بعين الاعتبار، يقول الخبراء إن الوجود العسكري السابق في العراق كافٍ بالفعل لمكافحة نشاط حزب العمال الكردستاني هناك، وعلى أي حال، يجب أن يتم بالتنسيق مع الحكومة المركزية.
وهنا يتكشف لنا دافع رئيسي آخر وراء إصرار أنقرة على المشاركة في تحرير الموصل، وهو طموح تركيا في الإبقاء على المنطقة المحيطة بالموصل تحت نفوذها في فترة ما بعد داعش، والتي تعد بأن تكون محمومة جداً. ومع وجود حكومة مركزية ضعيفة في بغداد وتزايد النفوذ الإيراني في عراق ما بعد 2003، أصبحت ضرورة الحفاظ على الموصل، ثاني أكبر مدن البلاد، تحت النفوذ التركي، ليس مهمة سهلة نسبياً وحسب، وإنما واجباً جيوسياسياً في سياسة الشرق الأوسط التركية. وهذا ما يفسر جزئياً سبب معارضة أنقرة الشديدة لأي انخراط للمليشيات الشيعية المدعومة من إيران في تحرير الموصل.
مع العلم أن أنقرة وطهران على حد سواء، تحاولان تجنب المواجهة المباشرة. وتسعيان بدلاً من ذلك إلى بحث جميع الخيارات الممكنة وراء الأبواب المغلقة لمعايرة سياساتهما في العراق. وفي هذا الصدد، يمكن أن تسهم المبادرات الدبلوماسية التركية والإيرانية والروسية لإيجاد آلية مستقرة للتعاون الإقليمي في استقرار العراق المضطرب بعد عام 2003.
“الظلم” التاريخي
تمّ الاستيلاء على الموصل، من وجهة نظر المؤسسة السياسية التركية الحالية، بغير حق من قبل بريطانيا عام 1918 واضطرت الجمهورية التركية التي تأسست حديثاً آنذاك، بضغط من القوى الغربية إلى الاعتراف باتفاق الوساطة لـ”عصبة الأمم”. ويعتقد الكثيرون أن فقدان الموصل ظلم تاريخي لحق بالشعب التركي ويجب معالجته.
ويرجع الدافع وراء السياسة الخارجية الرجعية الحالية في تركيا لطموح الرئيس إردوغان، الذي ألمح مؤخراً في خطابه أمام البرلمان إلى وجوب إعادة النظر في معاهدة لوزان. (معاهدة السلام التي وقعت في لوزان بسويسرا في 24 تموز عام 1923 وبموجبها توقف الصراع رسمياً والذي كان قائماً بين الإمبراطورية العثمانية وبين قوات الإمبراطورية البريطانية والجمهورية الفرنسية ومملكة إيطاليا وإمبراطورية اليابان ومملكة اليونان ومملكة رومانيا، منذ بداية الحرب العالمية الأولى. ملاحظة المحرر).
أخذت السياسة الخارجية التركية، منذ أوائل العام 2000، شكلاً وتوجهاً أكاديمياً إلى حد كبير، بفضل وزير الخارجية التركي السابق محمد داود أوغلو. توقعت رؤيته الاستباقية تنشيط العلاقات التركية مع الجوار التاريخي، والأهم من ذلك، تفعيل النفوذ التركي في المستعمرات العثمانية السابقة، وخاصة في سورية والعراق. وليست القوة الناعمة للقيادة التركية هي ما يتم استخدامه لتأمين وجودها في العراق. فقد قامت أنقرة بتقديم الدعم المتزايد للمجموعات السنية المختلفة والتي كانت أكثر أو أقل اهتماماً بتأييد تركيا مقابل الحكومة العراقية المركزية.
ولذلك، فإن الوجود التركي مستند إلى حد كبير إلى دعم القوى السياسية غير الموالية للحكومة المركزية في العراق. وفي هذا السياق، تبرر تركيا وجودها العسكري بالقول إن هذا التواجد يساعد الأشقاء التركمان والسكان المحليين السنة، الذين عانوا أكثر من غيرهم من قسوة وفظاعة داعش على مدى العامين الماضيين. ومع ذلك، لم يقتصر الأمر على ذلك. فتركيا تقدم المساعدة السياسية والمالية والعسكرية للأكراد العراقيين، الذين يمثلون حتى الآن أكبر تحد للحكومة العراقية المركزية. ولا شك أن هذا الدعم هو أكثر من مجرد خطوة نحو تأمين كلمتها في السياسة المحلية.
ومن المتوقع أن تخدم القوى السنية، سواء أكانوا عرباً أو تركماناً أو كرداً، المصالح التركية في صراع مستقبلي مع إيران حول النفوذ في العراق، والتي كانت تاريخياً أساس التنافس الجيوسياسي للإمبراطوريتين الإقليميتين.
يمكن لتركيا أن تعتمد على المساعدة الدبلوماسية الروسية للتغلب على الصعوبات التي تواجهها اليوم في العراق. تخاطر تركيا، كما ذكر بما يخص الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة في العراق، بالاصطدام مع قوة إقليمية أخرى، وهي إيران، التي تهتم بالمحافظة على عراق موحد تحت سيطرة بغداد الكاملة.
وهناك مسألة أخرى مثيرة للقلق، تتمثل بالدعم التركي للأكراد. يبدو أنه لا يوجد لدى تركيا خيار آخر سوى دعم حكومة الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP) في كردستان العراق مع لحظ أنّ هذه المساعدة العسكرية التركية تخدم المصلحة الكردية الأكثر أهمية في الاستقلال التام عن بغداد.
ماذا يمكن أن يكون عليه الدور الروسي؟
يمكن لروسيا أن تستخدم علاقاتها الجيدة مع إيران كأداة لتوجيه الاهتمامات والمظالم التركية إلى مزيدٍ من الحوار التعاوني وبالتالي نجاح إشراك كل من طهران وأنقرة في تحجيم النفوذ الغربي في المنطقة.
يمكن لروسيا وإيران أن تكونا أكثر استجابة للمخاوف الأمنية التركية، بأن تقللان إلى حد كبير من اعتماد أنقرة على الأكراد. وأخيراً، بالنظر في المنظور الأكثر تكتيكية وعلى المدى القريب، يبدو أن تركيا تتدخل في نزاع معقد للغاية حيث أن جميع الأطراف مستعدة لبدء قتال بين بعضها البعض بمجرد استعادة الموصل من داعش. ويمكن لهذا أن يجعل المشروع الدبلوماسي الروسي، القائم على آلية التعاون الثلاثية في العراق، جذاباً لصناع القرار الأتراك.
* باحث ومحلل مختص بسياسات الشرق الأوسط وتركيا.
مراجعة: علاء العطار
http://www.russia-direct.org/opinion/why-turkey-wants-role-liberation-mosul
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز وسياسته