في بداية ثورة اللاعنف التي قادها المهاتما غاندي زعيم الهند الكبير ليظفر باستقلال بلاده عن بريطانيا، بادر مؤيديه بالقول: «في البدء سيتجاهلونكم، ثم سيسخرون منكم، ثم سيحاربونكم، ثم تنتصرون». تلك هي رؤيته الاستراتيجية للمراحل التي ستمر بها ثورته العزلاء، وموقف المستعمر البريطاني منها، ليثبت في نهاية المطاف صحة رؤاه.
في فلسطين المحتلة، ثمة رجال هبوا لمقارعة الاستعمار الصهيوني بطريقة سلمية حضارية منذ أكثر من عشر سنوات، ففرضوا وجودهم على العدو قبل الصديق. ومرت ثورتهم الصامتة بالمراحل التي أشار إليها زعيم الهند، من تجاهل وسخرية حتى وصلت إلى مرحلة الصدام المباشر الذي يؤسس لما بعده، وهو الظفر بتحقيق الأماني ونيل الأهداف المأمولة.
فالكيان الصهيوني منذ قيامه على جزء من الأرض الفلسطينية عام 1948، ثم استيلائه على ما تبقى منها عام 1967، أرهق الفلسطينيين بممارساته العنصرية وجرائم التطهير العرقي. ورغم صدور العديد من القرارات عن الهيئات الدولية التي تخفف- ولا ترفع- المعاناة عن الفلسطينيين في ظل الاحتلال، لكن العدو الصهيوني تجاهل كل تلك القرارات رافضاً تنفيذ أي منها، بسبب ما يلقاه من دعم وتأييد من المعسكر الغربي وفي مقدمه الولايات المتحدة.
انطلاقاً من هذا الواقع انطلقت من فلسطين حركة متواضعة في البداية، مناهضة للاحتلال توجهت للغرب الأوروبي والغرب الأمريكي بخطاب يتكئ على قرارات الشرعية الدولية التي رفضت ”إسرائيل“ تنفيذها. عُرفت بحركة الـ”B.D.S.“. فوجدت قبولاً ونمت وانتشرت حتى أضحت تشكل خطراً استراتيجياً على الكيان الصهيوني حسب تصريحات قادته، فوضعوا المخططات ورصدوا الإمكانات لمحاصرة هذا النشاط السلمي، الذي لازال ينتشر ويتمدد رغم كل التحديات التي وضعها العدو وحلفاؤه أمام هذه الحركة النضالية التطوعية.
التعريف بالحركة([i]):
جاء أصل التسمية من الحروف الأولى للكلمات الثلاث من العبارة الإنكليزية:
Boycott Divestmentand Sanctions Movement
وهي تعني حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. في إشارة إلى الحملة الدولية التي بدأت في9 تموز2005 بتوجيه نداء من171 منظمة فلسطينية غير حكومية من المجتمع المدني لمقاطعة ”إسرائيل“ وسحب الاستثمارات منها وتطبيق العقوبات عليها، حتى تنصاع للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، التي أقرها المجتمع الدولي، وهي تتبنى الأهداف الثلاثة التالية:
- إنهاء الاحتلال ”الإسرائيلي“ واستعادة كافة الأراضي العربية المحتلة عام 1967. وتفكيك جدار الفصل العنصري والمستوطنات في الضفة الغربية.
- اعتراف ”إسرائيل“ بالحقوق الأساسية للفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وحصولهم على المساواة الكاملة.
- قيام ”إسرائيل“ باحترام وحماية وتعزيز حقوق اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، وتمكينهم من العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم كما هو منصوص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم194([ii]).
البدايات من المملكة المتحدة([iii]):
كانت البدايات المبكرة في شهر كانون الثاني 2005 حين قامت ”مبادرة الدفاع عن فلسطين وهضبة الجولان المحتلين“ بإطلاق نداء مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على ”إسرائيل“ في المنتدى العالمي الاجتماعي الخامس في”بورتو أليغري“ في البرازيل، المنعقد خلال الفترة من 26 إلى 31 كانون الثاني 2005.
أما الانطلاقة الرسمية للحملة فتزامنت مع الذكرى السنوية الأولى لقرار محكمة العدل الدولية الصادر في9 تموز2004 القاضي بعدم شرعية جدار الفصل العنصري المقام على أراضي الضفة الغربية، وضرورة تفكيكه وإلغائه.
استهلت حملة المقاطعة الفلسطينية نشاطها باتصال أكاديميين فلسطينيين بنظرائهم في الجامعات البريطانية الذين راقت لهم الفكرة، فقاموا بالضغط على رابطة الأساتذة الجامعيين (AUT) لتبني مقاطعةٍ أكاديمية للجامعات ”الإسرائيلية“. وفي نيسان 2005 صوتت الرابطة على مقاطعة جامعتين ”إسرائيليتين“ هما جامعة حيفا على خلفية اتخاذها إجراءات تأديبية بحق محاضر لأنه دعم طالباً كتب عن الجرائم ”الإسرائيلية“ بحق الفلسطينيين قبل قيام ”إسرائيل“. وجامعة” بارإيلان“ التي تدير البرامج الدراسية في كليات الضفة الغربية، ما يُعتبر اشتراكاً مباشراً بدعم الاحتلال خلافاً لقرارات الأمم المتحدة. وفاز مقترح مقاطعة الجامعتين بالأغلبية.
إدانات وتحركات ”إسرائيلية“ فورية:
فور تبني رابطة الأساتذة الجامعيين في بريطانيا لقرار مقاطعة الجامعتين ”الإسرائيليتين“ قامت جماعات يهودية وغير يهودية، أعضاء من رابطة المدرسين الجامعيين ومن خارجها بإدانة القرار، زاعمين أن المجلس الذي مرر القرار لم يسمح باستمرار النقاش متعللا بضيق الوقت.
أما مجلس نواب اليهود واتحاد الطلبة اليهود، فقد اتهموا مجلس الرابطة بإجراء التصويت خلال عيد الفصح اليهودي عمداً، للاستفادة من غياب الأعضاء اليهود في الرابطة. كما أصدرت السفارة ”الإسرائيلية“ في لندن بياناً ينتقد القرار باعتباره – حسب الزعم- يتجاهل الرأي العام البريطاني. وأشار زفي رافنر نائب السفير، أن آخر مرة قوطع فيها اليهود في الجامعات كانت في ألمانيا النازية عام 1930. وأصدر إبراهام فوكسمان من رابطة مكافحة التشهير بياناً يدين القرار، باعتباره– حسب قوله-يقاطع الأكاديميين في المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي تتمتع فيها الجامعات بالاستقلال السياسي([iv]).
بعد ردود أفعال وإدانات داخلية وخارجية كثيرة، جمع أعضاء في رابطة مدرسي الجامعات، يرأسهم جون بايك تواقيع كافية للدعوة إلى عقد اجتماع خاص بشأن موضوع المقاطعة، وعُقد الاجتماع في 26 أيار 2005. وفي الجلسة قررت رابطة مدرسي الجامعات إلغاء قرارها متذرعة بالضرر الذي لحق بالحرية الأكاديمية، وعرقلة الحوار وجهود السلام بين ”الإسرائيليين“ والفلسطينيين. ورغم ذلك أبقت موضوع مقاطعة الجامعتين، دون مقاطعة الأفراد قيد النقاش.
وفي أعقاب العدوان على قطاع غزة 2008-2009 وجهت حركة الـ”B.D.S.“ في شباط 2009 نداءً للمقاطعة وسحب الاستثمارات وتطبيق العقوبات على المؤسسات ”الإسرائيلية“. وفي حزيران 2009 اجتمعت منظمات فرنسية لتنظيم حملة تدعم أهداف الـ”B.D.S.“. ومنذ ذلك الحين انضم العديد من المنظمات والأحزاب والنقابات إلى هذه الحملة، سواء داخل فرنسا أم خارجها. وتعرضت حركة المقاطعة للضغوط والمضايقات، ونجحت في مواجهة التحديات المستمرة، وكسبت الدعاوي القضائية المتكررة المرفوعة ضدها من شخصيات وجمعيات وأحزاب يهودية في فرنسا([v]).
تجاهل حكومة اليمين الصهيوني للحركة:
تاريخياً، كان التحذير من الخطورة الاستراتيجية لحركة المقاطعة ”B.D.S.“ مقتصراً على اليسار الصهيوني وبعض الأجهزة الأمنية. فعلى سبيل المثال اعتبر عاموس يدلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية سابقاً، حملات المقاطعة خطراً استراتيجياً على ”إسرائيل“، بينما كان التيار اليميني يعلن باستمرار أنّ هذه المقاطعة لن تؤثر على مستقبل ”إسرائيل“، وأن ادّعاء اليسار بخطورتها الاستراتيجية هدفها التبرير لتقديم تنازلات سياسية للفلسطينيين كوسيلة لتجنب المقاطعة. وأعرب رئيس الكنيست يولي أدلشتاين )ليكود) في مقابلة أجريت معه عن عدم مبالاته بالرأي العام الدولي، وصرح بأن ”إسرائيل“ تمتلك اقتصاداً قوياً، لن يتأثر بحملات المقاطعة([vi]).
من انجازات الحركة:
بعد النجاحات التي حققتها حركة الـ”B.D.S.“ في الاستيلاء على عقول وأفئدة جماهير واسعة حول العالم، وفشل الكيان الصهيوني في منع انتشارها واتساعها، قرر قادة العدو استخدام سلاحهم الفعال ضدها. فقاموا باستنفار كافة الدوائر والمؤسسات والجمعيات التابعة للحركة الصهيونية في دول العالم، وتجييش حلفائهم من حكومات وبرلمانات الدول الغربية للحد من تأييد حركة المقاطعة ”B.D.S.“ وشيطنتها وتجريمها باتهامها أنها شكل من الـ ”لاسامية الجديدة“، وكأن السامية حكر على اليهود فقط.
لم تقتصر إنجازات حركة المقاطعة ”B.D.S.“ على المجال الأكاديمي فحسب، بل تعدته إلى مجالات أخرى كثيرة نستعرض بعضها اختصاراً:
أولاً، الجانب الاقتصادي([vii]): أظهر تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لعام 2015 انخفاضاً في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ”إسرائيل“ خلال العام 2014 بنسبة 46% مقارنة بعام 2013. وعزت إحدى مُعدات التقرير هذا الانخفاض الحاد لنشاط حركة المقاطعة ”B.D.S.“ والعدوان على قطاع غزة عام 2014. فيما توقعت مؤسسة راند الأمريكية أن تُلحِق حركة المقاطعة خسارة بالناتج ”القومي الإسرائيلي“ بنسبة 1-2%، أي بين 28-56 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة. كما أشار البنك الدولي إلى أن الصادرات ”الإسرائيلية“ إلى السوق الفلسطينية انخفضت في الربع الأول من 2015 بنسبة 24%.
في جانب آخر بدأت شركات تصنيع السلاح ”الإسرائيلية“ تشكو من أزمة حقيقية في المبيعات جراء تراجع سمعة ”إسرائيل“ في العالم. حيث أظهرت الأرقام مؤخراً انخفاض صادرات الأسلحة من7,5 مليار دولار عام 2012 إلى 5,5 مليار دولار في عام 2014. وتتوقع شركات الأسلحة الكبرى أن تنخفض مبيعاتها هذا العام لتصل4 مليار دولار، وهذا التراجع بسبب حملات المقاطعة ضدها([viii]). فعلى سبيل المثال لا الحصر نجحت حركة المقاطعة ”B.D.S.“ بإنهاء عقد بين حكومة إحدى ولايات البرازيل وشركة الأسلحة ”الإسرائيلية“ «إلبيت». فيما قررت شركة «G4S» وهي أكبر شركة أمنية في العالم، الشروع في الانسحاب من كل مشاريعها ”الإسرائيلية“ خلال العامين القادمين.
وبعد خسارة تجاوزت الـ23 مليار دولار، انسحبت شركة فيوليا الفرنسية العملاقة للبنى التحية، من كل مشاريعها في ”إسرائيل“ عام 2015، وكان آخر استثماراتها في مشروع القطار الخفيف الذي يربط شطري القدس بالمستوطنات في الضفة الغربية، معتبرة أن هذا المشروع تهويدي استيطاني لا شرعي وغير قانوني.
مع بداية عام 2016 انسحبت شركة الاتصالات العملاقة أورانج من السوق ”الإسرائيلية“ بعد حملة مقاطعة قوية قادتها حركة (”B.D.S.“مصر)، متزامنة مع حملة إعلامية كبيرة من (”B.D.S.“فرنسا). وفي نفس العام سحبت أكبر شركة إيرلندية لمواد البناء كل استثماراتها في شركة الإسمنت ”الإسرائيلية“ (نيشر).
وتتوالى عمليات سحب الاستثمارات من قبل صناديق عالمية للاستثمار في الكيان الصهيوني، كالصندوق التابع لكنيسة المسيح الموحدة 2015. وصندوق الكنيسة الميثودية بداية 2016 وهي من أكبر الكنائس البروتستانتية في الولايات المتحدة. وتكبدت شركة (صودا ستريم) ”الإسرائيلية“ خسائر جسيمة بسبب المقاطعة، ما أجبرها على إغلاق مصنعها في مستعمرة (معالي هأدوميم) في الضفة الغربية ونقله إلى النقب. يضاف لذلك قيام أكبر صناديق الاستثمارات في العالم (الصندوق الحكومي النرويجي) بسحب استثماراته من شركتين ”إسرائيليتين“. كما قام ثاني أكبر صندوق تقاعدي في هولندا (200 مليار دولار) بسحب استثماراته من البنوك ”الإسرائيلية“ الكبرى لتورطها بدعم الاحتلال.
وهنالك أعداد متزايدة من الشركات الكبرى أو البنوك التي أعلنت عن سحب استثماراتها كصندوق بيل غيتس صاحب شركة ميكروسوفت العالمية، حيث سحب استثمارات بقيمة 182 مليون دولار من شركة G4S الأمنية، التي تقدِّم خدماتها ل ـ”إسرائيل“ في مجال حماية الحواجز العسكرية وخدمات مصلحة السجون. كما خسرت بعض الشركات ”الإسرائيلية“ عقودها في مجموعة من دول العالم نتيجة نشاط حركة المقاطعة ”B.D.S.“. وخسرت شركة ميكوروت ”الإسرائيلية“ للمياه، عقداً في الأرجنتين قيمته170 مليون دولار([ix]).
ثانياً، دولياً([x]): نشرت صحيفة التايمز الإيرلندية وعدد من الصحف الأخرى بياناً موقعاً من ثلاثة عشر شخصية إيرلندية شهيرة، شملت موسيقيين وأدباء ونجوم رياضة وفنانين، يحث الحكومة الإيرلندية على الانضمام لحملة مقاطعة ”إسرائيل“، وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. وقد لاقى البيان الذي أكد على أهمية التضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني ترحيباً واسعاً من نشطاء حقوق الإنسان والمتضامنين في إيرلندا.
في بريطانيا، نشر موقع دنيا الوطن الفلسطيني في 29/6/2016 مقالاً قال فيه أن محكمة بريطانية أصدرت الأسبوع الماضي حكماً يتعلق بمحاولات الحكومة البريطانية منع مقاطعة ”إسرائيل“، باعتبارها أمراً غير أخلاقي ومرفوض. لكن ثلاثة مجالس بلدية اعترضت على قرار الحكومة وقررت مقاطعة المنتجات ”الإسرائيلية“، وتوجهت للقضاء الذي أقر بشرعية مقاطعة ”إسرائيل“.
وكانت شخصيات صهيونية قد رفعت دعوى ضد المجالس الثلاث لإرغامها على الامتثال لقرار الحكومة البريطانية والامتناع عن المشاركة في حملات المقاطعة ”B.D.S.“، لكن قرار المحكمة نص أيضاً على أن تقوم هذه الشخصيات المناصرة ل ـ”إسرائيل“ بدفع التكاليف القانونية للمحاكم البريطانية.
في جنوب أفريقيا: عبر القس ديزموند توتو كبير أساقفة جنوب أفريقيا عن إعجابه بما أنجزته الحملة الدولية لمقاطعة ”إسرائيل“، (”B.D.S.“) قائلاً: «إنكم استطعتم أن تسحبوا خلال خمس سنوات من الاستثمارات في ”إسرائيل“، ما عجزنا نحن عن دفع العالم لسحبه خلال خمسين عاماً من المقاطعة ضد نظام التفرقة العنصرية ” الأبارتهايد“»([xi]).
ثالثا، عربياً([xii]): سحبت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في الكويت استثماراتها من شركة ”جي فور إس-G4S“ وهي شركة أمنية عبر العالم متورطة بجرائم الاحتلال ”الإسرائيلي“، حيث كشف النائب الدويسان للإعلام الكويتي أن وزير المالية الكويتي، وهو رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، في معرض رده على السؤال حول استثمار المؤسسة في شركة”G4S“ أكد بأن المؤسسة باعت كل أسهمها في الشركة. والجدير بالذكر أن فروع حركة”B.D.S.“ بدأت تشق طريقها في بعض الدول العربية التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني، أمثال مصر والأردن والمغرب.
رابعاً، فلسطينيا([xiii]): ناشدت الاتحادات الزراعية التجار والمواطنين وكافة أصحاب الضمائر الحية في فلسطين، لمقاطعة كل البضائع ”الإسرائيلية“، وبشكل خاص التمور، حيث أن مبيعات هذه التمور تعود إلى خزينة الاحتلال الصهيوني وتغذي اقتصاده، وأغلبها منتج في المستعمرات ”الإسرائيلية“ المقامة على الأرض الفلسطينية المحتلة، وخاصة في منطقة الأغوار الخصبة والمنهوبة. وبذات الوقت ثمنت الاتحادات الزراعية الفلسطينية جهود حركة المقاطعة في المغرب (”B.D.S.“ المغرب)، التي أعربت عن دعمها لحملة مقاطعة التمور ”الإسرائيلية“ (المجهولة المنشأ) التي أطلقتها الحركة، كما رحبت بالنجاحات التي بدأت الحملة في تحقيقها في الآونة الأخيرة.
وعلى مستوى الأرض المحتلة أيضاً، تواصلت في رمضان الماضي الحملة الرمضانية الخاصة، التي تقوم بها مكونات الحملة الوطنية للمقاطعة تحت شعار(صيامك حلال ليس من صنع الاحتلال) بهدف دعم المنتج الوطني ومقاطعة ”الإسرائيلي“، حيث شهدت مختلف المدن والقرى الفلسطينية سلسلة من الفعاليات الميدانية التي قامت بها حملات المقاطعة.
خامساً، أكاديمياً وثقافياً: انضمت في أواخر2015 جامعة برشلونة المركزية للمقاطعة الأكاديمية لـ ”إسرائيل“، فيما أيدت خلال العامين المنصرمين 9 جمعيات أكاديمية في أمريكا الشمالية مقاطعتها أكاديمياً. وكان آخرها جمعية الأنثروبولوجيا الأمريكية التي صوت أكثر من 88% من أعضاء مؤتمرها لصالح المقاطعة.
وانضمت اتحادات الطلبة في جنوب أفريقيا والمملكة المتحدة وبلجيكا وكندا وجامعات الولايات المتحدة لحركة المقاطعة، فيما تتزايد مطالبات اتحادات الطلبة في الولايات المتحدة بسحب الاستثمارات من الشركات المتورطة في جرائم الاحتلال.
يضاف لما ذكر، تبني أكثر من 1000 فنان وكاتب بريطاني مقاطعة ”إسرائيل“. وكذلك فعل قبلهم آلاف الأكاديميين والفنانين في إسبانيا وإيرلندا وجنوب أفريقيا. كما تعهد مؤخراً مئات الأكاديميين البريطانيين بمقاطعة ”إسرائيل“ أكاديمياً والالتزام بنداء المجتمع الفلسطيني للمقاطعة.
وعلى الصعيد الثقافي أيدت أربعة مهرجانات أفلام كولومبية المقاطعة الأكاديمية لــ ”إسرائيل“، في حين أصدر أكثر من مائة ناشط أسود ومنظمة تعنى بحقوق الأمريكيين السود، نداءً تاريخياً لدعم حركة المقاطعة ”B.D.S.“، والتأكيد على الروابط المشتركة بين نضال الشعب الفلسطيني ونضالهم من أجل الحرية والعدالة والمساواة.
وتشير المعطيات المتوفرة إلى تنامي مقاطعة ”إسرائيل“ أكاديمياً، فقد تبنت أربع جمعيات أكاديمية في الولايات المتحدة مقاطعة أكاديمية شاملة للجامعات ”الإسرائيلية“. كما تبنى اتحاد المعلمين الإيرلنديين بالإجماع مقاطعة أكاديمية شاملة للكيان الصهيوني.
وكذلك فعل اتحاد الطلبة البلجيكيين الناطقين بالفرنسية، وهذا ما دفع رؤساء الجامعات والكليات ”الإسرائيلية“ للالتقاء بالرئيس ”الإسرائيلي“ رؤوفين ريفلين بهدف التحذير من خطورة المقاطعة الأكاديمية. موضحين أنه في حال التعرض للمقاطعة الكاملة، فإن ذلك سيؤدي إلى كارثة اقتصادية وعلمية. وبحسب صحيفة يديعوت أحرنوت فإن رؤساء الأكاديميات عرضوا على ريفيلين صورة الأوضاع القاتمة وما يواجهونه في القترة الأخيرة جراء حملات المقاطعة. وقالوا: إن الباحثين ”الإسرائيليين“ لا يُرقّون، وترفض مجلات الأبحاث نشر الأبحاث ”الإسرائيلية“، كما يرفض محاضرون المشاركة في مؤتمرات ”إسرائيلية“. وترفض شركات دولية التعاون مع باحثين ”إسرائيليين“، كما تحدثوا عن المظاهرات التي تعم الجامعات في الولايات المتحدة وأوروبا، وحملات تقودها منظمات طلابية لمقاطعة الأكاديميات ”الإسرائيلية“. وقال رئيس معهد التخنيون البروفيسور بيرتس ليفي: علينا التجند لوقف هذه الإجراءات، وأضاف أن منظمات الطلاب المعادية لـ ”إسرائيل“ كانت في الماضي قليلة جداً، واليوم موجودة في كل الجامعات الرائدة في العالم. وبعد سنوات سيصبح هؤلاء الطلاب حكاماً وأعضاء كونغرس، بينما نحن نخسر جيلاً معارضاً للدعاية المناهضة لـ ”إسرائيل“([xiv]).
آراء بعض ”الإسرائيليين“ في المقاطعة:
قال الرئيس الصهيوني رؤوفين ريفلين: «إن المقاطعة الأكاديمية لـ ”إسرائيل“ تشكل تهديداً استراتيجياً من الطراز الأول، يهدد المشروع الصهيوني برمته». وأشار خلال لقائه رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل في بروكسل إلى العواقب الوخيمة المترتبة على نشاطات حركة ”B.D.S.“. وتأتي زيارة رؤوفين في ظل التخوف من اتساع حركة المقاطعة في أوروبا.
وفي أول تغريدة له كوزير للشؤون الاستراتيجية في حكومة نتنياهو صرح جلعاد إردان: أنه سيركز على خطر إيران وخطر حركة الـ”B.D.S.“.
أما يهودا باراك رئيس الوزراء الأسبق فأعرب عن قلقه من نشاط حركة المقاطعة قائلاً: «إن هذه المجموعات يمكن تجاهلها من حيث الكم. أما من ناحية الجوهر فإنه من بين هذه المجموعات ستخرج القيادات المستقبلية للولايات المتحدة والعالم. إنه اتجاه تدريجي لكنه ينزلق نحو نقطة التحول، وعند تلك النقطة ينتظرنا منحنى، أو– لا سمح الله– هاوية سحيقة».
ويدلي شابتاي شافيت الرئيس الأسبق للموساد بدلوه. فقد عبر عن خشيته لأول مرة في حياته على مستقبل المشروع الصهيوني ككل، بفعل تدهور العلاقة الأمريكية–”الإسرائيلية“، وتنامي حركة المقاطعة الـ”B.D.S.“، وذلك في مقال نشره في صحيفة هأرتس فقال: «تمكن الفلسطينيون من تحقيق إنجازات مهمة على المستوى العالمي. إن الجامعات في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة هي حاضنات للقادة المستقبليين لتلك الدول. إننا نخسر دعم ”إسرائيل“ في العالم الأكاديمي».
قال رئيس لجنة رؤساء الجامعات ”الإسرائيلية“ البروفيسور بيرتس لافي: «إنه لا يزال من الممكن وقف كرة الثلج، ولكننا نقف في الدقيقة التسعين، وعلينا أن نتجند من أجل وقف العملية في أوروبا والولايات المتحدة»([xv]).
وفي حديث بثته القناة العاشرة ”الإسرائيلية“ مع الباحثة الدكتورة اليهودية في جامعة كاليفورنيا للأبحاث ياعل عشور، قالت: «يبدو أنه مع مرور الوقت فإن حركة المقاطعة تضفي المزيد من الضغط على ”إسرائيل“،
فقد تسربت تلك الحركة فعليًّا من خلال الأكاديمية البريطانية. وفي السنوات الأخيرة سوف نجد المزيد والمزيد من الأكاديميين الأمريكيين الذين ينضمون للمقاطعة ضد ”إسرائيل“»([xvi]).
ويقول أهارون داجاني وهو طالب دكتوراه في التاريخ في جامعة كاليفورنيا: «حتى الطلاب ”الإسرائيليون“ الذين يدرسون في الولايات المتحدة يشعرون بأن الاتجاه الحالي في المؤسسات الأكاديمية في أمريكا يسير نحو تعزيز المقاطعة». وقال: «لقد كانت سنوات قليلة جيدة عشناها مع زملائنا، ثم ضاقت جداً وتغيرت مواقفهم من الباحثين ”الإسرائيليين“.
وهذا يغال دومينغيز، باحث في علم الخلايا الجذعية بجامعة كاليفورنيا، يتفق مع داجاني ويقول: «الإسرائيليّون واليهود، هم من يدفعون نحو تعقيد القضية الرئيسة، ما سيؤدى إلى نزع الشرعية عن ”إسرائيل“».
ويقول ”ميكو بيليد“ ابن الجنرال في الجيش ”الإسرائيلي“ ماتي بيلد، أحد جنرالات عدوان حزيران 67، وقد أصبح ميكو محاضراً وله شعبية في الجامعات الأمريكية، حيث قال: «هذا النوع من الكسور التي لا يمكن وصفها بالكلمات. هذه الهجمات هي جزء من النضال الوطني للمظلومين منذ70 عاما، وأنا أعتقد أن النضال كنضال الشعب الفلسطيني ليس إرهابًا، لأن له ما يبرره»([xvii]).
أقوال كثيرة لـ”إسرائيليين“ حول حركة الـ”B.D.S.“ يصعب حصرها، وإن حُصرت يصعب استيعابها. لذا نكتفي بما ذكر كأمثلة على الشعور السائد في الوسط الصهيوني داخل الكيان وخارجه، جراء النشاط الصامت لحركة المقاطعة العالمية المعروفة بـالـ”B.D.S.“.
موقف الحزب الديمقراطي الأمريكي من الحركة:
نقلت صحيفة جيروزاليم بوست ”الإسرائيلية“ عن مصادر وصفتها بـ ”الخاصة“، أن الحزب الديموقراطي الأمريكي، أدان ولأول مرة أنشطة الحركة العالمية لمقاطعة ”إسرائيل“، المعروفة اختصاراً بـ”B.D.S.“، لكنه أقر في الوقت ذاته بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وقالت الصحيفة: «إن الحزب الديمقراطي الأمريكي لديه الكثير من الخطط لمحاربة الحركة العالمية لمقاطعة ”إسرائيل“ (”B.D.S.“). ويعتبر ذلك أولوية قصوى في برنامج المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون».
خطط الحكومة ”الإسرائيلية“ للهجمات المعاكسة على الحركة:
قال المحلل السياسي الصهيوني شاي أنياس: «حركة ”B.D.S.“ ازدهرت عندما كنا طرشان وخُرس. وقد حان الوقت للاستيقاظ، لأن هناك أشخاص وأحزاب وقادة رفيعي المستوى لا ساميون. هم ليسوا ضد” الإسرائيليين“ ولا يقاطعونهم فحسب، بل هم لا ساميون أيضاً»([xviii]).
وفي إطار شن الحرب على حركة المقاطعة، فقد سرب الإعلام الصهيوني نتائج اجتماع سريّ للحكومة ”الإسرائيلية“ عُقد في شباط 2014، قررت فيه الحكومة رسمياً نقل صلاحيات محاربة حركة المقاطعة ”B.D.S.“ من وزارة الخارجية إلى وزارة الشؤون الاستراتيجية، ورصدت مبالغ طائلة لشن حرب قانونية واستخباراتية ضد الحركة وناشطيها، خصوصاً في الدول الصديقة لـ ”إسرائيل“.
كما قامت الحكومة بوضع استراتيجية إعلامية للرد على حملة المقاطعة )وضعها أكاديميون وخبراء إعلام عالميون( لتحسين صورة ”إسرائيل“ الخارجية، هذه الاستراتيجية يشرف على تنفيذها مجلس الإعلام الوطني التابع لمكتب رئيس الحكومة، وهو يضم المكاتب الإعلامية الرسمية في )وزارة الخارجية، ووزارة الإعلام، ووزارة العدل، والناطق باسم الجيش، ووزارة السياحة، والوكالة اليهودية(، حيث تقوم وزارة الخارجية ”الإسرائيلية“ بتوجيه سفرائها حول العالم للمشاركة في المحاضرات والتجمعات المختلفة، والمواظبة على الظهور في وسائل الإعلام التقليدية، »تلفاز، راديو، صحافة مكتوبة( مع استخدام الفيسبوك وتويتر للتعليق على مختلف القضايا، إضافة إلى تفعيل جهاز إعلامي غير رسمي يعمل بواسطة الجاليات اليهودية في العالم، مستغلاً شبكات التواصل الاجتماعي )الفيسبوك، وتويتر، واليوتيوب( وغيرها، وقد رُصدت لذلك ميزانية تقدر بـ30 مليون دولار سنوياً.
الخاتمة:
إن ما حققته حركة الـ ”B.D.S. “حتى الآن ليس بالشيء القليل، فقد انتشرت أهدافها ووصلت مناشداتها لمقاطعة ”إسرائيل“ إلى القارات الخمس، واستجاب العديد من الدول والهيئات والمنظمات والأحزاب والأكاديميات، رغم العراقيل والتحديات التي وضعتها الأجهزة الصهيونية والجاليات اليهودية وأنصارها أمام الحركة في كثير من البلدان. والنجاح الأهم الذي حققته، أنها أسمعت رسالتها للعالم بصوت العقل والضمير الإنساني. خاصة في هذا العصر، الذي لا مكان فيه للأصوات الخافتة ولو كانت على حق، لأن الصوت الوحيد المسموع، هو صوت القوة الغاشمة.
وعلى صعيد آخر، وحسب القول المأثور ”الانتصار له ألف أب وأم“. فمع نجاحات حركة المقاطعة في تعميم رسالتها، تسعى بعض وسائل الإعلام، لتكرس وجوهاً لأشخاص يوصفون بأنهم من مؤسسي حركة ”B.D.S.“ أو أعضاء فيها أو ناطقين باسمها، والقصد من المحاولة هو احتواء الحركة، لاستخدامها ورقة رابحة على طاولة التفاوض، يتم وأدها في أي وقت، لقاء مكسب غير ناجز. أو وعد بتنازل غير قابل للتنفيذ. ولنا في انتفاضة الحجارة التي وئدت في أوسلو. وانتفاضة الأقصى التي وئدت في شرم الشيخ، المثل والشاهد والدليل.
وبدورنا حين نتحدث عن حركة سلمية عزلاء لمقاومة الاحتلال الصهيوني، لا نهدف تجميل وجه هذه الحركة لتكون بديلاً عن المقاومة المسلحة، بل ظهيراً ورديفاً لها. فالكيان الصهيوني التوسعي لم يقم في فلسطين كي تُسقطه حركة مقاطعة سلمية، وبالتالي لا غنى ولا مناص ولا بديل عن المقاومة والكفاح المسلح، لإسقاط مشروع هذا الكيان، الدخيل على الأرض العربية بشكل عام، والأرض الفلسطينية بشكل خاص.
[i]– جريدة الدستور الأردنية – العدد رقم 17598 السنة 50 – الأحد 4 شوال, 1437 هـ الموافق 10 تموز 2016.
[ii]– موقع دنيا الوطن الفلسطيني على الرابط : http://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/328365.html
[iii]– موقع عرب 48 – المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات – تاريخ النشر: 02/02/2014
[iv]– ويكيبيديا – الموسوعة الحرة على الرابط : https://ar.wikipedia.org/wiki
[v]– ويكيبيديا الموسوعة الحرة – المصدر السابق.
[vi]– جريدة السفير –23/6/2016
[vii]– بوابة اقتصاد فلسطين على الرابط : http://www.palestineeconomy.ps/article/4943/
[viii]– المصدر السابق.
[ix]– المصدر السابق.
[x]– وكالة أخبار لبنان – المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان – نشرة الأربعاء 29 حزيران 2016 العدد رقم 5045
[xi]– المركز الفلسطيني لأبحاث الدراسات والسياسات الإستراتيجية – مجموعة أوراق تحليل السياسات – الصفحة 67.
[xii]– مصدر سابق- (وكالة أخبار لبنان).
[xiii]– مصدر سابق– (وكالة أخبار لبنان).
[xiv]– بوابة اقتصاد فلسطين على الرابط : http://www.palestineeconomy.ps/article/4943/
[xv]– صحيفة التقرير – الأربعاء 3 حزيران 2015 –
[xvi]– المركز الفلسطيني للإعلام.
[xvii]– المركز الفلسطيني للإعلام – تاريخ النشر :الأربعاء 13نيسان2016.
[xviii]– صحيفة معاريف ”اِلإسرائيلية“ بتاريخ 5/5/2016.
الآراء المنشورة لا تعبر بالضروروة عن رأي المركز وسياسته