ساهم تراجع المواجهات المسلحة بين الدول بالإضافة إلى الارتفاع الملحوظ في عدد الحروب الأهلية منذ نهاية الحرب الباردة ([1])، خصوصاً في أوربا، وبشكل كبير، في خلق موجة جديدة من الاهتمام بالحروب الأهلية، والتي ركزت بشكل أساسي على المنافسة العرقية كمصدر للصراع. وتعتبر الحروب الأهلية لحقبة ما بعد الحرب الباردة (الحروب الأهلية “الجديدة”) مختلفة جذرياً عن أسلافها من الحروب الأهلية القديمة، إذ تتميز الحروب الجديدة بأنها ظواهر إجرامية أكثر منها سياسية.
وبما أن مسألة المنافسة العرقية تمت مقاربتها بشكل واسع في أبحاث سابقة، فسوف نخوض في هذا المقال تحدياً جديداً يتمثل بدراسة أوجه الاختلاف بين الحروب الأهلية القديمة والجديدة، وذلك من خلال النقاش القائم على أن الميل لرؤية الاختلافات الموجودة بين هذه الحروب إنما يستند على تبني مقولات وتصنيفات غير نقدية تقوم على توصيفات مضللة لكل من طرفي الصراع. فمن جهة أولى، نجد أن المعلومات المتوفرة حول الحروب الجديدة، وحتى المستمرة منها، هي معلومات غير مكتملة وغير موضوعية. ومن جهة أخرى، هناك تجاهل للأبحاث التاريخية المتعلقة بالحروب السابقة.أضف إلى ذلك حقيقة أن نهاية الحرب الباردة حرمت المحللين من المقولات الواضحة التي كان بوسعها أن تساعد في وضع تصنيف منظم لتلك الحروب الأهلية. وتبعاً لذلك فإن التمييز بين الصراعات اللاحقة للحرب الباردة وسابقاتها يمكن إسناده إلى تصنيفات تصورية توفرت على عجل أكثر من إسناده إلى وجود اختلافات عميقة.
سياسة العالم
يتعقب هذا المقال أصل التمييز بين الحروب الأهلية القديمة والجديدة، ومن ثم يقسمها إلى ثلاثة أبعاد مترابطة: الأسباب والمحفزات والدعم والعنف. وعن طريق استخدام طرائق البحث الحديث والبحث الاثنوغرافي، سأظهر كيف أن المعلومات غير المتكاملة، والمنحازة لطرف ما، في الحروب الأهلية الجديدة، من شأنها أن تغير من فهمنا لهذه الحروب. كذلك سأوضح، استناداً إلى الأبحاث التاريخية الأكثر حداثة حول عدد كبير من الحروب الأهلية القديمة، التأثير الكبير لإهمال هذا النمط من الأبحاث على طريقة فهمنا للحروب الأهلية السابقة. وأختتم هذه المقالة باقتراحات منهجية حول دراسة الحروب الأهلية.
أصول الاختلاف
تركز معظم أشكال التمييز بين الحروب الأهلية القديمة والجديدة على أن معظم الحروب الجديدة تتصف بالإجرام وعدم التسييس والطابع الخاص والنهب، بينما تمتاز الحروب القديمة بأنها حروب إيديولوجية وسياسية وجماعية ونبيلة، ويتزامن الخط الفاصل بين الحروب الأهلية القديمة والحروب الجديدة تقريباً مع نهاية الحرب الباردة.
إن الميل لتشويه الحروب الجديدة، وحتى الحروب المستمرة، خصوصاً عندما تتم مقارنة حروب أمم أخرى مع حروب حصلت لدى أمة الكاتب، ليس بالأمر الجديد. ولنتوقف هنا عند ما كتبه الصحفي البريطاني F. A. Voigt، عام 1949، أثناء تغطية الحرب الأهلية اليونانية :”اتسمت الحربان الأهليتان الأمريكية والبريطانية بوجود شخصيات وطنية وقادة استراتيجيين لدى كل الأطراف. كما كان المشاركون في هذه الصراعات موزعين بانتظام. وقد اتسمت قضايا الصراع بالعمق ووضوح الهدف والتنوع، وكان من غير الممكن للمؤرخ، بالتالي، إدانة طرف معين كلياً، ونسب الحق للآخر حتى لو كان على قناعة بأن انتصار طرف ما يمثل كارثة وطنية أو العكس… هذا التوصيف لا ينطبق على العصيان اليوناني الذي حقق انجازات مهمة إلا أنه لم يكن يملك الطبيعة الثورية الأصلية للحروب الأهلية، كما لا يمكننا القول أن سبب العصيان يتمثل في شكوى جماعية أو تقصير من قبل الدولة”([2]).
إن تجليات هذا النوع من جدل ما بعد الحرب الباردة يمكن تعقبه جزئياً لدى كتّاب حققوا أفضل المبيعات في ذلك الوقت، وقدموا روايات تفصيلية عن الحروب الأهلية الأخيرة في أماكن مثل ليبريا والبوسنة وسيراليون([3]). كذلك قام عدد من العلماء في مجال الدراسات الأمنية والعلاقات الدولية بتطوير نسخ متنوعة من نقاشات مماثلة.
ومع أن بعض الاقتصاديين قاموا بتبني اختلافات تحليلية متقاربة بين “السعي للعدالة” و”السعي للنهب” في الحروب الأهلية، وقاموا ببناء نماذج تستند إلى اعتبار التمرد مشروعاً إجرامياً، إلا أن إقرار اختلافات مماثلة ليس مجرد تمرين أكاديمي، بل محرضاً لمطالب سياسة معينة تتضمن “فرض قانون إنساني”([4]). ونجد، على سبيل المثال، أن اتفاقية 1999، التي أنهت الحرب الأهلية في سيراليون، لاقت معارضة العديد من نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين وصناع القرار الذين كانت لديهم قناعة بأن المتمردين ليسوا ثواراً سياسيين، بل مجموعة من المجرمين العنيفين. ولذا كان من غير ألأخلاقي أن يتم منحهم العفو، أو أن تتم دعوتهم للمشاركة في الحكومة الجديدة.
الاتجاهات الثلاث
تتوزع الحروب الأهلية القديمة والجديدة، في أغلب الحالات، على ثلاثة أفرع مترابطة تتلخص في هذا الجدول:
1- امتازت الحروب الأهلية القديمة بأنها حروب سياسية دار القتال فيها نتيجة أسباب ذات طابع جماعي وشامل ونبيل، مثل التغيير الاجتماعي الذي غالباً يشار إلية بـ “العدالة”. وبالمقابل تمتاز الحروب الأهلية الجديدة بالإجرام والنهب والتحريض سعياً وراء مكاسب شخصية.
2- تمتع طرف واحد على الأقل في الحروب الأهلية القديمة بالدعم الشعبي، بينما لم يحصل اللاعبون السياسيون في الحروب الأهلية الجديدة على دعم من القاعدة الشعبية.
3- بقيت أعمال العنف في الحروب الأهلية القديمة منضبطة وتحت السيطرة، بالأخص عندما تم ارتكابها من قبل المتمردين، بينما اتسمت الحروب الأهلية الجديدة بأعمال العنف غير المبررة واللاإنسانية المفروضة من قبل ميليشيات غير منضبطة، وجيوش تخدم مصالح خاصة، وأمراء حرب مستقلين ممن لا يسعون إلى نصر ينهي الحرب.
الأسباب الجماعية مقابل الأسباب والمحفزات الشخصية
اعتبر عدد من العلماء – بعد دراسة الأسباب الواسعة للحروب الأهلية والمحفزات الفردية للقتال فيها – أن الحروب الأهلية القديمة تم تحفيزها من قبل أيديولوجيات التغيير الاجتماعي التي اتسمت بالشمولية، ووضوح الأهداف، والتفصيل الواضح، والعالمية، بينما اقتصرت محفزات الحروب الأهلية الجديدة على مجموعة من الدوافع الشخصية.
وقد بنيت أعمال الاقتصاديين الأخيرة على فرز ثنائي يهدف للتمييز بين الجشع والشكوى. فالمتمردون هم إما قطاع طرق يحفزهم الجشع الشخصي، أو لاعبين سياسيين يسعون للاستجابة بهدف معالجة معاناة جماعية.
وأشار الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة كوفي عنان إلى أن السعي وراء الماس والمخدرات والخشب والصفقات وسلع أخرى قيمة هو الذي يقود العديد من الحروب الداخلية في هذه الأيام، وهناك بعض البلدان التي تشهد صراعاً للتحكم باستثمار طاقات المجتمع، وتقاسم الرعايا، وهو ما كانت تشغله هياكل الدولة.
يتخذ النموذج الإجرامي أشكالاً عديدة حيث يرى انزنسبيرغر أن الفئات المتنافسة في الحروب الأهلية الجديدة هي عصابات محاربة، في حين يصف روبرت كابلان Kaplan الحروب الأهلية الجديدة في أفريقيا بأنها أفعال إجرامية تتم ممارستها من قبل قطاع طرق، وجنود محرومين من الحقوق، ومن قبل مراهقين مشاغبين، وأطفال مجندين يتعاطون المخدرات. ويرى البعض أيضاً أن الحروب الأهلية الجديدة تفتقد كلياً إلى أي هدف، وهذا ما يؤكده انزنسبيرغر بقوله :”إن ما يقدم لحروب هذه الأيام منعطفاً جديداً ومرعباً هو حقيقة أن هذه الحروب تم إطلاقها بدون رهانات من أي من الأطراف، وأن هذه الحروب عملياً تدور حول لا شيء”([5])، وأكثر من ذلك :”لم يعد هناك من حاجة إلى إضفاء الشرعية على أفعالك، لأن العنف بات محرراً من الأيديولوجيا”، كذلك يتصف المقاتلون بعجزهم الفطري عن التفكير والتصرف بمصطلحي الماضي والمستقبل.
إلا أن آراء مماثلة غالباً ما تستند إلى أدلة غير كاملة ومتحيزة مشتقة من المقالات الصحفية التي تقوم بالاختيار غير الناقد لسكان من المدينة، وأعضاء من المنظمات الحكومية. وقد وصف العاملون الميدانيون آراء مماثلة بكونها تعير “اهتماماً ضئيلاً لمطالب المتمردين المتعلقة بهدف حركتهم… وتفضل، عوضاً عن ذلك، دعم الآراء الشائعة على نحو واسع ضمن طبقة النخبة التي تسكن في العاصمة، وضمن الدوائر السياسية”. وأشار غورفيتش Gourevitch إلى أنه “عن طريق إنكار محدودية الناس الذين يصنعون التاريخ، مع إمكانية وجود ماض لهم، فإن آراءً مماثلة تسيء تقدير فشلهم في إدراك ما هو على المحك داخل الحدث بسبب طبيعة الأحداث الدائرة”.
وبشكل عام، فإن مفهوم النهب يصعب إخضاعه لعملية التحليل، لأن من غير الواضح ما إذا كانت عمليات النهب تعود إلى أسباب الحرب، أم إلى محفزات القتال، أم إلى كليهما معاً. إذ تكمن المشكلة الأولى في تحديد اتجاه السببية: هل يقوم الناس بشن الحرب بهدف النهب، أم يمارسون النهب ليكونوا قادرين على شن الحرب؟ وإن كان السبب الأخير هو الصحيح، فإن النهب في هذه الحال لا يختلف عن الممارسات التي تم تقبلها بشكل واسع تحت مسمى “النظام الضريبي الثوري”.
ثانياً، ليس من الواضح دائما من هي الجهة التي تقوم بالنهب. هل هي النخبة؟ أم الميليشيات المستقلة؟ أم الفلاحين المسلحين؟
ثالثاً، إن صلة الوصل بين النهب والمعاناة معقدة وغير مستقرة([6]). فهل نستطيع مثلاً اختزال أعمال الشغب التي جرت في لوس أنجلوس، عام 1992، إلى ظاهرة من ظواهر”النهب”؟ فمع أن الكثير من أعمال النهب حصلت، إلا أنها مثلت جزءاً من مجموعة من أعمال أخرى كثيرة حصلت آنذاك. وأخيراً نقول إن هناك مشاكل عملية وجدية تعتمد على التجريب العلمي. إن أهمية المؤشرات العملية المتعلقة بالمصادر “القابلة للنهب” تزيد من أهمية الأسئلة المتعلقة بالصلاحية الداخلية، بعيداً عن الفشل في التوجه إلى المشاكل المتعلقة بالأسباب. ومثلاً، فإن اعتبار الحرب الأهلية في سيراليون، أساساً، حرباً حول الألماس لا يعدو كونه تبسيطاً مبالغاً فيه وغير مقبول، كما أن الحروب الأهلية في كل كولومبيا والصومال والسودان أقل طواعية لهذا التبسيط.
قدم الباحثون الذين درسوا الحروب الأهلية الجديدة عن طريق دراسة العمل الميداني في منطقة الحرب – إجراء مقابلات مع الضحايا أو مع مسؤولين حكوميين – روايات ملونة تفشل في دعم الاختلاف بين النهب والشكوى منه. وقد وجدوا بأن حوافز التمرد متنوعة، وتتضمن اهتمامات أبعد من اللصوصية([7]). فمثلاً قام بيتر وريتشارد، عند الحديث عن سيراليون، بإظهار أن عدداً من أصحاب الرتب، والأعضاء المهمين، في حركة المتمردين الأفارقة – الذين تم التأكيد على افتقادهم لأية أيديولوجية – امتلكوا في الواقع فهماً سياسياً متطوراً لدورهم في الحرب، إلا أن محفزاتهم الأيديولوجية لم تكن دائماً ظاهرة للمراقبين الذين كانوا يبحثون عن النموذج الغربي للتحالفات وأنماط التفكير، ويضعون افتراضات خاطئة قائمة على أن المنظمات تستخدم المصطلحات الدينية، وعادات الثقافة المحلية، لتحريك الناس المفتقدين لموقف إيديولوجي، عوضاً عن استخدام نداءات عالمية سهلة التمييز، حيث أن استخدام العملية التقليدية في التلقين – مثلاً – هو شيء أساسي لدى منظمات التمرد الأفريقية. إن دراسة شينغونو Chingono لحالة موزامبيق تؤكد قيام منظمة “الجيش الوطني الثوري” بالعمل على مساعدة الفلاحين والدفاع عن وجهة نظرهم في هذا العالم، والتي تم قمعها من قبل جبهة تحرير موزامبيق… وهذا ما ينسجم بوضوح مع أيديولوجيات الفلاحين”.
ولكي نفهم قادة التمرد الجدد – المشار غالباً إليهم بازدراء كأمراء حرب – علينا دراسة الأدبيات التاريخية التي تركز على الصين حول أمراء الحرب، والتي ترى أن الميزة الأساسية لأمراء الحرب تتمثل في السيطرة، وليس النهب، وأن أمراء الحرب ليسوا مجرد قطاع طرق، بل هم أمراء لمنطقة محددة نتيجة امتلاكهم للقدرة على شن حرب. وفي حين نلاحظ أن قطاع الطرق – في الصين ومناطق أخرى- يغيرون على منطقة ما، ثم يتراجعون بهدف البقاء أحياء، يقوم أمراء الحرب بفرض الضرائب، وتطبيق العدالة، والحفاظ على قدر من النظام، كما يتولون مهام الدولة في المناطق التي يسيطرون عليها. إذاً، هم بناة دولة. وكما يقول القديس اوغسطين :”إذا استفحل هذا الشر (عصابات النهب)، من خلال انضمام مجموعة من الرجال اليائسين، لدرجة تجعله يسيطر فيها على الأراضي، ويؤسس مساكن مستقرة، ويستولي على الدولة، ويخضع الناس لسيطرته… فعندها يأخذ تسمية مملكة”([8]).
وكمثال على ذلك، نشير إلى قيام منظمات التمرد الإفريقية – المنبوذة غالباً بوصفها مجرد عصابات إجرامية – بتطوير جهاز معقد من الحكم في المناطق التي تسيطر عليها. ومع أن الأمر يبقى ليس جلياً إلا أن نظامهم لا يختلف كثيراً في واقع الأمر عن النظام المطبق من قبل التمرد الذي يسعى متمردوه لتحقيق العدالة. إضافة إلى أن هذه المنظمات ترتبط عبر تفاعلات اقتصادية منظمة ومنهجية ومعقدة مع الشركات الأجنبية التي تشتري المواد الخام وتبيع السلاح.
إن الصورة النمطية للاعبين ذوي الاتجاهات الإيديولوجية، في الحروب الأهلية القديمة، غالباً ما تم قراءتها بشكل مغلوط ، وغالباً “ما كان هؤلاء اللاعبون متورطين بأفعال إجرامية وعمليات سلب واسعة النطاق وعمليات اضطهاد لعامة الشعب الذين من المفترض أنهم تمردوا أساساً للتعبير عن معاناته”. إضافة إلى ذلك، فإن عمليات السلب هي عوامل متكررة في الحروب الأهلية، بما فيها أكثر الحروب أيديولوجية، مثل ثورتي الصين وروسيا، وحركات التمرد ضد الاستعمار، وحرب إندونيسيا التي نشبت في العام 1940، حتى أن لينين دخل في اتفاق مع “عناصر إجرامية” خلال الحرب الأهلية الروسية. إن ممارسات الجيش الأحمر في خاركوف وكييف، عام 1919، وما تكشف لاحقاً من السجلات السوفييتية، دفعت المؤرخ فلاديمير. ان. بروفكين Vladimir N Brovkin إلى التأكيد، وبلغة انكليزية مباشرة، على أن “الحكام البلشفيين كانوا لصوصاً ومغتصبين”([9]).
يعتبر فرض الضرائب سمة ثابتة في جميع الحروب الأهلية، كما أن القائمين على تطبيقه لا يخجلون من ارتكاب السرقة بشكل صريح. وتستطيع أن تجد، خلال حرب فيتنام، مجرمين سابقين ضمن الجيش الشعبي ممن “فضلوا القتال على البقاء في السجن”، في وقت سمح فيه المستشارون الأمريكيون لعناصر من وحدات الاستطلاع الإقليمي، المدعومة من قبل الـ CIA، بـ “أن يضمنوا أن تكون النقود مؤمنة خلال عملياتهم”.
يعتبر عناصر الجيش الثوري الفرنسي مثالاً “نمطياً” للمقاتلين أصحاب الوجه السياسي والإيديولوجي، لكنهم كانوا، في نظر بعض معاصريهم، قطاع طرق ومتسكعين ولصوصاً وصعاليك ومتوحشين ومشاغبين متعطشين للدماء. ويجب ألا ننسى أن خصومهم – الذين قاموا بالثورة المضادة- لجأوا إلى النهب أيضاً.
وعدا عن ذلك، تمت المبالغة بالمحفزات الأيديولوجية في الحروب الأهلية القديمة إلى حد بعيد. فبداية، هناك تحيز معرفي في تفضيل الافتراض القائل بأن الحروب الأهلية القديمة، ومعظم الأفراد المشاركين بها، تحركوا بدوافع أيديولوجية عظيمة، لأن المثقفين – بوصفهم من أصحاب العقائد – يميلون إلى تحديد محفزات أيديولوجية هائلة لكل من المشاركين في الحروب الأهلية، ومن ضمنهم المدنيين([10]). وفوق ذلك، كان يتم إبراز المطالب ذات الصبغة العالمية والعقائدية، وكذلك المطالب ذات الصبغة المحلية والعرقية، عبر استخدام مصطلحات الثقافة التقليدية المشابهة لتلك التي تستخدم من قبل حركات التمرد في الحروب الأهلية الجديدة .
وعلى سبيل المثال، أظهر لان Lan كيف أن المتمردين التقدميين في زيمبابوي، والذين قاتلوا أساساً ضد النظام العنصري في البلاد، استخدموا أساليب الدين التقليدية – بالتعاون مع الممارسين له – لتحريك الفلاحين. إضافة إلى ذلك، إنه لمن الخطأ الفادح أن يتم الخلط بين دوافع المتمردين والرسائل الإيديولوجية التي يحملها قادتهم.
لقد أوضحت الدراسات التاريخية الدقيقة لمجموعة من الحروب الأهلية، وباستمرار، مدى السطحية التي وسمت تبني المطالب الأيديولوجية، خصوصاً عندما جرى التعبير عنها بطريقة نمطية، أو من خلال استخدام تعابير مختصرة ومحيرة. كما أظهرت العديد من الدراسات التي تناولت الحروب الأهلية القديمة أن كفة الاعتبارات المحلية ترجح على كفة الاعتبارات الأيديولوجية عندما يتعلق الأمر بالجماهير.
أشار الكسندر دالان اي آل Alexander Dallin et al إلى ذلك، عندما تحدث عن الاحتلال الألماني للاتحاد السوفيتي :”آنذاك، لم يكن قرار الفرد بالانضمام إلى الألمان أو المحاربين قائماً على اعتبارات موضوعية، أو تقييم لفضيلة أو خطيئة أي من النظامين، كما لم يستند قرار الفرد إلى إعجابه أو سخطه على هذا النظام أو ذاك، ولا إلى تجربته مع النظام السوفييتي قبل الاحتلال الألماني”.
وفي سياق مماثل، حلل سويدنبرغ Swedenburg بدقة تعاون الفلسطينيين مع بريطانيا خلال الأعوام 1936-1939، ووجد أن الأمر ذاته ينطبق على المتمردين الفلسطينيين. كذلك يكشف تركيز ماكينا McKenna على “الروايات غير الرسمية” للمتمردين المسلمين، والداعمين لهم في جنوب الفليبين، عن أن “تصورات المسلمين العاديين ومطالبهم غالباً ما كانت مستقلة بشكل واضح عن التأثيرات الأيديولوجية لأي من القادة الانفصاليين أو الجماعات النخبوية”.
إن مراقبة أداء المتمردين المؤثرين في المعارك غالباً ما قادت إلى استنتاج خاطئ، مفاده أن المتمردين كرسوا أنفسهم لقضية أيديولوجية، إلا أن دراسات عديدة أظهرت أن الرجال في المعارك تم تحفيزهم عن طريق الضغط الجماعي، إضافة إلى سلسلة من العمليات التي تتضمن:
- الاهتمام برفاقهم
- احترام قادتهم
- الاهتمام بسمعتهم لدى الاثنين (الرفاق والقادة)
4- الرغبة في المساهمة في نجاح الجماعة.
كما أظهرت دراسات اجتماعية أجريت مؤخراً حول الردة الدينية – وهو خيار أقرب إلى اعتبارات أيديولوجية أكثر منها سياسية – أن النداء المذهبي ليس السبب الرئيس في عملية استبدال الدين، بل إن معظم الناس لا يتعلقون بمعتقدات دينهم إلا بعد اعتناقهم له، كما أن عملية الانضمام غالباً ما تكون متأثرة بشبكة ديناميكية. ويناقش كل من ستارك، وفيتشخام كراولي، وبيترسن Stark، وWickham – Crowley, وPetersen أن روابط الشبكة الاجتماعية، وخاصة روابط الصداقة والقرابة، هي المؤشر الأفضل على الانضمام إلى حركة ما. وهذا ما أكده هارت HART عندما تحدث عن الثورة الايرلندية والحرب الأهلية :”إن أهم الروابط التي تجمع المتطوعين مع بعضهم هي روابط العائلة والجوار. وفي الحقيقة، تم تأسيس جماعات الجيش الثوري الايرلندي استناداً لهذه الشبكات”.
لم يتذكر أي من المقاتلين المخضرمين الاثني عشر، من أصل ثلاثين قابلتهم، وقاتلوا لصالح الجمهوريين، قيامه باختيار الطرف الذي قاتل معه، وكانت إجاباتاهم :”لم يكن لدي أي فكرة “، أو “بالعموم كان الوضع مربكاً”. ولذلك يكون الحكم عن طريق محاربي الجيش الثوري الايرلندي المخضرمين غير دقيق، إذ أن مسائل هامة، كالمعاهدة وأيديولوجيا الجمهوريين، نادراً ما تم تداولها ضمن دائرتهم. ولأن العوامل السياسية لقضايا مماثلة كانت في المرتبة الثانية بالنسبة لهم، آنذاك، فقد قام معظمهم بصياغة قراراته بذات المصطلحات الجماعية التي استخدمها ليصف انضمامه إلى المنظمة([11]).
وباختصار، فإن تواجد أنماط فكرية متماسكة ضمن المحورين الشائعين، اليمين واليسار، منع المراقبين العاديين من رؤية تعقيد وفوضى الحروب الأهلية، كما قاد إلى مغالاة واضحة في المحتوى الأيديولوجي للحروب الأهلية، عن طريق استنتاجات غير مبررة من قبل النخبة.
لقد تسببت نهاية الحرب الباردة باندثار الأنماط الفكرية التي طالما فُسَرت الحروب الأهلية على أساسها، ولم يترافق ذلك بتراجع الدوافع العقائدية على المستوى الجماهيري. وما يثير السخرية أن دراسة مفصلة لهذه الحروب أجريت في سنوات لاحقة، وتم تجاهلها من قبل المحللين المعاصرين للحروب الأهلية الذين واصلوا الاعتماد على التصوير الخاطئ الذي تم إنتاجه عندما كانت الحروب الأهلية القديمة لا تزال دائرة.
الدعم الشعبي يقابله نقص الدعم الشعبي:
بما أنه كان من المفترض أن الحروب الأهلية القديمة كانت نتيجة تراكم معاناة، فمن المفترض أيضاً “أن تكون مستندة إلى دعم شعبي واسع، على الأقل فيما يتعلق بالمتمردين”. ولكن، وفيما يخص الحروب الأهلية الجديدة، يبدو أن القتال يدور بين لاعبين سياسيين ينقصهم هذا النوع من الدعم الشعبي. وقد كتبت ماري كالدور بشأن ذلك :”في حين أن حروب الغوار، وفق تصورات كل من تشي غيفارا وماو تسي تونغ، سعت، نظرياً على الأقل، إلى أسر القلوب والعقول، فإن الحروب الجديدة تستعين بتقنيات مكافحة التمرد لزعزعة الاستقرار الهادفة إلى زرع الكراهية والخوف”.
وفي حالة مشابهة، وصف نوردستروم Nordstrom المتمردين الموزامبيق التابعين لـ “الجيش الوطني الثوري” في موزامبيق كـحركة متمردين قتلة، لا يملكون أية أيديولوجية أو أي دعم شعبي، تم تأسيسها على يد قوى أجنبية تهدف إلى زعزعة استقرار البلد، واعتبرها مسؤولة بنسبة 90% عن الأعمال الوحشية التي تم ارتكابها. كذلك قال بيكو Pécaut أن الحرب التي وقعت في كولومبيا ليست حرباً أهلية لأن الشعب لا يدعم أياً من الطرفين على الإطلاق.
لكن تصريحات مماثلة غالباً ما تستند إلى معلومات غير متكاملة وغير موضوعية. إن رؤية نوردستروم، على سبيل المثال، تعتمد حصراً على مقابلات مع لاجئين في مناطق حررها الجيش الحكومي مؤخراً من سيطرة “الجيش التحرير الوطني الثوري” في موزامبيق، إضافة إلى المعلومات التي تقدمها المنظمات الحكومية، مثل منظمة النساء الموزامبيقيات، والتي تتساوق مع نظرة الحكومة للمتمردين. وقد ذكرت هذه المنظمة أنه عادة ما يشار إلى “الجيش الوطني الثوري” بوصفه “جيش قطاع طرق”، متجاهلة بذلك حقيقة أن أصحاب المناصب في جميع الحروب الأهلية يعمدون إلى إطلاق مصطلحات مماثلة على المتمردين.
كما أن دراسة أخيرة، تستند إلى أدلة من الصعب جداً – إن لم يكن مستحيلاً – جمعها وسط الحرب الدائرة، تشير إلى أن أفراد “جيش التحرير الوطني الثوري” تمتعوا بمستوى ملحوظ من الدعم الشعبي([12])، وهو دعم تركز في المناطق الريفية التي سيطروا عليها، في حين أن الواقع يشير إلى ندرة قيام الصحفيين والباحثين بالسفر خارج المدن الخاضعة لسيطرة الدولة([13]).
وبالمقابل، فإن الاعتقاد القائل بأن المتمردين في الحروب الأهلية القديمة تمتعوا بشعبية واسعة تم التشكيك فيه بشكل متكرر. وقد تم التشكيك، بداية، بوجهة النظر القائلة بأن الحركات اليسارية في أمريكا اللاتينية والمناطق الأخرى استندت بغالبيتها إلى مشاركة شعبية واسعة وطوعية من قبل أبحاث موجهة بدقة. كذلك اعتمد الفييتكونغ على اضطهاد الشعب المدني الأعزل. وبعكس ما قالته ماري كالدور، فإن عمليات تهجير عدد كبير من السكان ليست بالجديدة، وأكبر مثال على ذلك الحروب الأهلية التي دارت في كل من روسيا واسبانيا والصين.
إن ولاء الأفراد في الحروب الأهلية القديمة، كما هو في الحروب الأهلية الجديدة، غالباً ما لا يتأثر بالمحادثات غير الشخصية، بينما يتأثر كثيراً بنقاط التفرقة المستندة إلى العوامل المحلية المتحركة وغير المستقرة.
يحلل العديد من الدراسات العمليات الفوضوية التي تتسم غالباً بالتباعد بين الأطراف غير الظاهريين من جهة, والصراع العنيف، وصراع البقاء من جهة أخرى. ومثال ذلك تحليل هارت HART لـما شهدته منطقة كورك كاونتيل Cork Countylh في ايرلندا من عام 1916 إلى عام 1923 الذي يكشف عن مستوى عال من التنوع في المواقف السياسية الممتد على مساحة صغيرة عندما يقول أن هناك “طيفاً من الانتماءات المحلية–غالباً تتصارع مع بعضها- حولت كل جزء من المنطقة إلى ساحات سياسية متنوعة ومتجاورة “. فعندما خاض الوطنيون الايرلنديون في عام 1923 القتال في الحرب الأهلية كان القرار حول الطرف الذي سينضمون إليه مصاغ –كما دائماً- عن طريق مجموعة من الولاءات و التنافسات التي حولت التقسيم الفئوي إلى خطوط تماس لمعارك سياسية.
لقد قامت العائلة والفئة بفرض الانقسام على الجيش الثوري الايرلندي، إذ انقسم الجيش إلى وحدات منتشرة على كل الأراضي الايرلندية بأسلوب تقليدي وشهدت مختلف لمناطق مواجهات بين عائلات محلية سبق أن تجابهت مراراً كما لو أنه قد جرى بث الحياة في الصراعات الإقطاعية السابقة.[14]
ًلقد تمت ملاحظة تحركات مماثلة في جميع الحروب الأهلية القديمة. فمثلاً أظهرت قرية Binh Nghia في جنوب فيتنام موقفاً فاتراً تجاه مقاتلي الفيتكونغ لأن حركة الشيوعيين المحلية نشأت على الضفة الأخرى من النهر في قرى حمل ضدها أهل هذه القرية مشاعر عدائية وضغائن منذ زمن طويل بسبب التنافس على حقوق الصيد في النهر([15]).
وكذلك يذكر Manrique أن سكان وادي Canipaco في البيرو الذي يتمتع بموقع استراتيجي عاشوا بسلام مع ثوار منظمة الدرب المضيء لكن شهر العسل انتهى عندما نشبت حرب بين المجموعتين بسبب الخلاف على توزيع الأراضي التي تم السيطرة عليها.[16]
كانت النخب المحلية هي التي أدخلت مفردات التمرد إلى لغة الأفرقاء الوطنيين الأمر الذي ولد لدى بعض المراقبين انطباع خاطئ بوجود دعم شعبي للمتمردين بين فئات المجتمع الأمر الذي يعارضه العاملين في أرض الميدان،ففي تحليله للثورة الثقافية في إحدى القرى الصينية ذكر Hinton أن الفئات المتحاربة استخدمت لغة الصراع الطبقي مع كل طرف على حدً مدعية أن الطرف الآخر يمثل أصحاب الأرض وعناصر الثورة المضادة، ووجد هينتون أن الصراع تمحور حول صراع العشائر فيما بينها:
سيطرة عائلة Lu على الجزء الشمالي وأجزاء واسعة من القرى في حين قامت عائلة Shen ببسط نفوذها على القطاع الجنوبي من القرى. الفكرة نفسها تم تقديمها من قبل كاتب في تقريره حول ثورة منطقة Haifeng التي اشتعلت في جنوب الصين في العام 1927 في منطقة منقسمة بين حلفي “الراية الحمراء” و”الراية السوداء” على خلفية الصراع بين سلالات متنفذة وعندما وصل الجيش الأحمر رافعا” راياته الحمر استقبل بترحاب من قبل ملاك الأراضي ومن قبل الفلاحين في القرى التابعة لـحلف الراية الحمراء ظنا منهم أنهم حلفاء معاً في القتال ضد العدو المشترك وهو قرى حلف الراية السوداء.
علاوة على ذلك فإن الأطراف المقسمة محلياً غالباً ما تجمعت بطرق مضللة، فالفلاحون الأغنياء يستطيعون دعم ممثل سياسي واحد في منطقة واحدة ودعم منافسه في المنطقة المجاورة، كما يمكن أن يتم استهداف التجار الأغنياء من قبل أعضاء فقراء في فرق الموت ذات التوجه اليميني ضمن صراع ليس له طابع طبقي[17] بل تحدده عوامل محلية متداخلة أو غير متداخلة تشمل الانتماء المناطقي أو الاقتصاد الجماعي أو الانتماء الفئوي أو روابط النسب والعلاقات العشائرية والقبلية والعرقية ومن الوارد أن تنتظم هذه العوامل ضمن علاقات عمودية (الراعي والتابع) أو روابط أفقية مثل العائلة الممتدة وعلاقات والانتماء إلى منطقة أو إلى عشيرة.
غالباً ما تكون مصالح الجماعات ذات صبغة محلية وخاصة بمنطقة معينة. كما أن محفزات الأفراد قد لا تكون بالضرورة بدافع من معاناة غير شخصية متعلقة بالفئة التي ينتمون إليها بل نتيجة صراعات شخصية ومحلية أو حتى نتيجة جريمة مشتركة.
كما لاحظ تيلي Tilly فيما يتعلق بـمنطقة فاندي Vendée (التي كانت عام 1793 مسرحاً لانتفاضة فلاحية ضد السلطة التي حكمت فرنسا بعد الثورة الكبرى- المترجمة) أن معظم المعلومات الدقيقة التي نملكها حول السياسات التي مورست في تلك المنطقة لا يمكن حصرها في إطار العلاقات الطبقية، أو الولاء للنظام الملكي، بل كانت هنالك عوامل تتعلق بصلات القرابة والصداقات العائلية ورواسب ضغائن قديمة وأمور مماثلة([18]).
ينطبق هذا على المجتمعات المنقسمة بحدة طبقياً وعرقيا حيث يتم باستمرار إعادة صياغة العلاقات الاجتماعية والروابط التي تحكمت بالانتماءات قبل الحرب لتتلاءم مع المتغيرات.
تقوم الحروب الأهلية بدور الوسيط الذي يساعد على إدراك طيف متنوع من المعاناة ضمن نطاق من صراعات أعظم من خلال استخدام العنف، وكما قال لوكاش Lucas حول الثورة في جنوب فرنسا :”يعتبر الصراع الثوري لغة يعبر من خلالها عن صراعات أخرى ذات طبيعة اجتماعية عامة أو شخصية”([19]).
وباختصار، فإن الدراسات الدقيقة التوجه للحروب الأهلية القديمة تقدم مشهداً أساسياً للحروب الأهلية، مثل “فوضى الصراعات المعقدة”، عوضاً عن صراع بسيط ثنائي القطب بين منظمات تبلور الدعم الشعبي والمعاناة الجماعية من خلال تقسيمات واضحة. وقد كان الدعم الشعبي في الحروب الأهلية القديمة متكيفاً، وتم ربحه وخسارته غالباً خلال الحرب عن طريق وسائل القسر والعنف وعبر خطوط من القرابة والانتماء الجغرافي، ولم يكن موضع توافق تام، كما لم يكن ثابتاً أو راسخاً أو أيديولوجياُ. وفي هذا الإطار نجد أن الحروب الأهلية القديمة لا تختلف عن الحروب الأهلية الجديدة .
عنف منظم مقابل عنف مجاني
يتم وصف العنف في الحروب الأهلية الجديدة بشكل دائم بأنه مروع و عصي على التفسير يتم فرضه من قبل ميليشيات متعددة وأشباه العسكريين والمرتزقة وأمراء الحرب المستقلين ممن لا يسعون حتى لتحقيق الانتصارً.
وصفت الصحافة ومنظمات حقوق الإنسان المجازر المرعبة التي حدثت في الجزائر في عام 1997 بأنها حالات “لاإنسانية” و”طائشة” و”غير مفهومة” من الذبح العشوائي. وغالبا” ما يتم تقديم أوصاف مماثلة ضمن سياق ثقافي محدد ،ففي أواخر أيام أيلول من عام 1998 عندما قام الجنود الصربيون بارتكاب مجزرة بحق 21 امرأة وطفل وشخص مسن قرب قرية Gornje Obrinje في كوسوفو Kosovo توصل تقرير صحفي مفصل إلى نتيجة مفادها أن هذه المجزرة تشكل نوع من أنواع ممارسة أخذ الثأر ووصف التقرير هذا بأنه تقليد له مكانته في منطقة البلقان.[20]
كذلك غالباً ما يتم التعليق على عملية التوصيف هذه من خلال محاولة شرح الآثار المترتبة عنها. وأشار عالم نفس كان قد عالج الضحايا المشوهين من الجبهة المتحدة الثورية في سيراليون إلى أنه كان من أحد أهم أهداف المتمردين ممارسة أدوارهم كرجال وآباء وأزواج. وذكر Nordstromأن ممارسات الجيش الوطني الثوري في موزامبيق المتمثلة في جدع الأنوف وقطع الآذان والشفاه كانت عبثية بامتياز.
كذلك أشار انزنسبيرغر إلى الطبيعة التوحدية لمقترفي تلك الأفعال وإلى عدم قدرتهم على التمييز بين التدمير بشكل عام وتدمير الذات.
إذا أردنا الاستناد إلى ما قاله انزنسبيرغر سنجد أن الحروب الأهلية القديمة لم يسدها العنف المفرط وأنه “في الحروب الأهلية القديمة التي دارت في أمريكا وروسيا واسبانيا كان هناك جيوش نظامية، وجبهات قتال، وهيكلية قيادية مركزية تسعى إلى تطبيق أهدافها الإستراتيجية بطريقة مخطط لها من قبل من خلال سيطرة صارمة على القوات. وبشكل أساسي كان هناك قيادة سياسية وعسكرية تتبع أهداف محددة وواضحة وتمتلك الجاهزية والقدرة على التفاوض عند الحاجة”،إلا أن قراءة سريعة للأدلة الموجودة عن الحروب الأهلية القديمة تعكس صورة مختلفة كلياً.
بداية نذكر بأن المفهوم القائل بأن الحروب الأهلية تمتاز بالوحشية سابق للحروب الأهلية الجديدة وهو من المفاهيم الأكثر استمرارية وثباتاً التي تم تأكيدها من قبل المراقبين والمشاركين في هذه الحروب ً منذ قيام المؤرخ اليوناني Thucydides بوصف الحرب الأهلية التي دارت بين المدن اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد.[21]
حظي العنف في الحروب العرقية اهتماماً مستمراً مؤخراً، إلا أن العنف يشكل في الواقع المكون الأساسي لجميع أنواع الحروب العرقية وغير العرقية على حد سواء. مثال على ذلك ما قاله قائد فرنسي في الثورة المضادة في القرن التاسع عشر إلى أن “التجاوزات هي جزء لا يتجزأ من حروب الآراء”. كذلك ذكرت الروائية الفرنسية مدام دوستايل Madame de Staël أن “جميع الحروب الأهلية متشابهة بطريقة أو بأخرى بوحشيتها وبهيجانها وهي تتغذى بمشاعر الاستبداد والعنف”.[22]
كانت أمريكا اللاتينية مسرحاً لعدد من الحروب العنيفة و لم يكن معظمها حروباً عرقية لكن وصف العنف المبالغ به في الحروب الأهلية القديمة في روسيا واسبانيا يزخر بالصور الغنية. كما أن اسلوب الاستعانة بالميليشيات المحلية نصف المستقلة واسع الانتشار لدى العديد من اللاعبين الموجهين أيديولوجياً. ومع أن طريقة اختطاف الأطفال بغرض تحويلهم إلى مقاتلين تم ربطها بالحروب الأهلية الجديدة في أفريقيا، إلا أنها طريقة استخدمت باستمرار من قبل المتمردين المحفزين أيديولوجياً في الكثير من الحروب مثل تمرد أفغانستان الذي أعقب الغزو السوفياتي و حركة الدرب المضيء في البيرو. كما أن العديد من الأطفال تحولوا إلى مقاتلين في غواتيمالا و السلفادور ونيكاراغوا. وخلال الثورة الثقافية الصينية (السامية أيديولوجياً) تألفت المجموعات الأعنف من أطفال تراوحت أعمارهم من الثامنة إلى الخامسة عشر وأطلقت عليهم تسمية الحرس الأحمر .
وبالانتقال إلى الحروب الجديدة فإنه لمن المهم الإشارة بدايةً إلى أن فهمنا لهذه الحروب يستند إلى محددات ثقافية إذ إن القتل باستخدام السكين والمنجل يميل إلى زرع الرعب فينا أكثر من عمليات القتل الجماعي منقطعة النظير التي تسببها التفجيرات الجوية والميدانية لسلاح المدفعية. وكما ذكر Crozier منذ أربعين مضت “يعبر عنف القوي عن نفسه من خلال قنابل النابالم والمتفجرات القوية”. إن هذه الأسلحة ليست أقل تميزاً من قنبلة يدوية رميت من سطح ما إلا أنها ستوقع عددا” أكبر من الضحايا كما أن العنف اللاإنساني في الحروب الأهلية الجديدة ليس مجانياً كما يظهر غالباً إذ إن المجازر التي حدثت في الجزائر هي مجازر على درجة عالية من الانتقائية وتمتلك بعدا” استراتيجيا” كما هو حال العنف المستخدم من قبل الجيش الوطني الثوري في موزامبيق .
. كذلك وجد Young أن معظم العمليات الوحشية الأكثر تطرفاً كانت جزءاً من خطة –ناجحة إلى حد كبير- مرسومة بعناية لمحاربة الفدائيين الشباب الصلبين الذين جنّدوا بالقوة. مثال على ذلك الأعمال الوحشية التي تم ارتكابها ضد الناس بأعداد كبيرة في جنوب موزامبيق وهي منطقة ضمت قاعدة شعبية كبيرة مؤيدة لحكومة حركة جبهة تحرير موزامبيق.[23]
قدم عالم الإنسانيات Paul Richards الذي درس الحرب الأهلية في سيراليون تحليلاً منوعاً عن البعد الاستراتيجي لممارسات العنف من قبل المتمردين :
لنأخذ كمثال سلسلة من الحوادث التي حدثت بين قريتي بو (Bo) ومويامبا (Moyamba) في أيلول وتشرين الأول من العام 1995 والذي قام فيه متمردون بقطع أيدي النساء القرويات. هل من حادثة أوضح لتعبر عن العودة إلى الهمجية البدائية؟
في الحقيقة يقع خلف هذه السلسلة الهمجية مجموعة من الحسابات الإستراتيجية البسيطة: إذ تتسع حركة التمرد عن طريق الإمساك بالشباب الصغار إلا أن نقص الغذاء في فترة ما قبل الحصاد دفع بعض الأسرى من الشبان لتجاهل المخاطر ومحاولة العودة إلى قراهم للمشاركة في موسم الحصاد الأمر الذي دفع المتمردين إلى التفكير بطريقة تردع هؤلاء الشبان عن طريق عرقلة الحصاد. وعندما انتشرت أخبار بتر الأيدي في وسط سيراليون( مخازن الرز كانت من الأماكن المتضررة) كان هناك قلة من النساء على استعداد للمغامرة في الحقول وتوقف الحصاد. وبعد أن قرر المتمردون عدم المشاركة في انتخابات شباط من العام 1996مارسوا تكتيكاً مماثلاُ لترهيب الناخبين وهو قطع أيدي الناخبين الذين يمكن أن يقوموا بالتصويت.[24]
في الحقيقة نجد أن المبعوثين الأوربيين لقضايا شؤون الإنسان وصفوا الأعمال الوحشية التي ارتكبت في سيراليون على أنها أعمال خطط لها بدقة، و أنها كانت منظمة وليست مجانية أو عشوائية([25])، ولكي نلخص الموضوع نقول أنه لا تتوفر أدلة تدعم الرأيين الذي يفيدان بأن العنف في الحروب الأهلية القديمة محدود ومنضبط وقابل للفهم، وأن العنف في الحروب الأهلية الجديدة يتصف باللاإنسانية والمجانية والخروج عن السيطرة .
الخاتمة
تفترض الدراسات الصاعدة حول الحروب الأهلية الجديدة، إضافة إلى الدراسات التاريخية التي تم تفحصها حول الحروب الأهلية القديمة، أن الاختلافات بينهما يجب أن تكون تتم دراستها بطريقة أفضل.
ما من شك بأن الحروب الأهلية تختلف فيما بينها بعدد من النواحي، إلا أن الأدلة المتوفرة تشير إلى أن هذه الاختلافات هي، في الواقع، أقل من تلك التي يتم الحديث عنها، كما أن من غير الممكن تصنيفها بطريقة جيدة مع حلول نهاية الحرب الباردة.
ولقد أثرت نهاية الحرب الباردة، فعلاً، في اسلوب القتال في الحروب الأهلية، كما أثرت على عددها. ومن الجلي أن اختفاء المصدر الخارجي للشرعية، والتمويل المقدم من قبل القوى العظمى المتنافسة، يلقيان بأعبائهما على المصادر المحلية. ومع ذلك، فإن الآلية الدقيقة التي تربط بين التمويل والحرب، وكيفية تأثيرهما على آلية القتال في الحروب الأهلية، تبقى غير محددة بشكل واضح.
وفي نفس الوقت، غالباً ما تم تجاهل فكرة مهمة مفادها أن نهاية الحرب الباردة قد أثرت بشكل حاسم على الآلية التي عمد من خلالها كل المراقبين لها، والمشاركين فيها، إلى تفسير وتشفير الحروب الأهلية. فمن خلال إقصاء الأنماط السياسية المتكاملة والأدوات المفهومية، أدت نهاية الحرب الباردة إلى المبالغة في المظاهر الإجرامية للحروب الأهلية الأخيرة، وترافق ذلك مع إهمال مظاهر سياسية متنوعة. ومن المحتمل جداً أن تفسيرات الحروب الأهلية الأخيرة من خلال الإصرار على تفريغها سياسياً، وإضفاء عنصر الإجرام عليها، يعود إلى اندثار الأنماط الفكرية التي ولدتها الحرب الباردة، أكثر مما هو نتيجة لنهاية الحرب الباردة ذاتها.
مع ذلك، فإن اندثار الأنماط الفكرية التي ولدتها الحرب الباردة يمثل فرصة أكثر من أن يمثل عائقاً، فهو يتيح لنا تفحص جوهر الحروب الأهلية بعيداً عن العوائق والقيود التي تفرضها عدسات من الخارج. وستكون سلسلة الأبحاث الخاطئة مفيدة لكي نقوم من جديد بخلق مقولات فكرية تكون مستندة إلى الأحداث الحالية عوضاً عن استنادها للنظرية الجيدة. كما أن دراسة العنف ضعيفةٌ جداً في هذا الجانب. وقد أشار هوروفيتز Horowitz إلى أن دراسته “اتسمت بالتفاعلية مع وقوع الأحداث العنيفة لعدد من الطبقات. ولقد تغيرت النظرية وانحرفت تبعاً لتغير الأحداث، وتبعاً لهوية الأنصار (أنصار القضية). كذلك فإن المقولات غير الصحيحة والافتراضات المشتقة منها تقوض التجارب النموذجية المتطورة. وفي المقابل، فإن النظرية الجيدة تتطلب صياغة أنماط فكرية ومؤشرات تجريبية يعتد بها.
إن أنماطاً مماثلة يمكن أن يتم خلقها من خلال عملية من البحث المتوازي تجريبياً وتحليلياً. ومثلاً، من المحتمل، أو غير المحتمل، أن تتماشى أنماط ما مع عوامل مثل مركزية الحرب، والاستقطاب العرقي، والالتزام الأيديولوجي، أو مستويات العنف. إذاً فنحن بحاجة لأن نحدد الآلية الرئيسية بحذر، وأن نعرّف المؤشرات التجريبية المرتبطة بها، وأن نجمع المعلومات المناسبة والدقيقة.
لا تمكن أهمية البحث التاريخي في أن تكون تأكيدية أكثر من ذلك. ومن الواضح، إذن، أن الأبحاث حول الحروب الأهلية يجب أن يتم تأسيسها من خلال ملاحظات مستمرة ومنهجية وطويلة الأمد، أو من خلال إعادة بناء اثنوغرافي على مستوى جماهيري ممزوجةً مع أبحاث أرشيفية. إن أبحاثاً مماثلة هي أبحاث جوهرية، لأن الحروب الأهلية ضعيفة أمام التبادل بين الانطباع والحقيقة، كما أن المعلومات الظاهرة ونقاشات النخبة والأعمال الوحشية المعلنة يمكن أن تكون مضللة ظاهرياً، وأقل أهمية من الأدلة التي يصعب جمعها عن سمات حاسمة، ولكن تحت الدراسة والبحث للحروب الأهلية، مثل أنواع الحروب واللاعبين فيها وأشكال استطلاع المصدر وأنماط العنف. ومن خلال توضيح المخاطر الممكنة لفشل القيام بذلك, يخلص هذا المقال أن برنامج بحث حول دراسة الحروب الأهلية يجب أن يتضمن طرقاً مماثلة.
[1] – أظهر بحث أجري مؤخراً بعنوان “Ethnicity, Insurgency, and Civil War” – أن انتشار الحروب الأهلية في التسعينيات من القرن التاسع عشر مرده إلى التراكم المستمر للنزاعات منذ العام 1950 وليس الحرب الباردة.
[2] – F. A Voigt, The Greek Sedition (London: Hollis and Carter, 1949), 68–69.
3 – Hans Magnus Enzensberger, Civil Wars: From L.A. to Bosnia (New York: The New Press,
1994); Robert D. Kaplan, Balkan Ghosts: A Journey Through History (New York: Vintage, 1994); idem,
“The Coming Anarchy: How Scarcity, Crime, Overpopulation, and Disease are Rapidly Destroying
the Social Fabric of our Planet,” Atlantic Monthly 44 (February 1994); Michael Ignatieff, The Warrior’s
Honor: Ethnic War and the Modern Conscience (New York: Henry Holt and Company, 1998).
[5] Enzensberger (fn. 6), 30. Emphasis in original.
6 Collier and Hoeffler (fn. 8) acknowledge the complexity of the possible connections between
“greed” and “grievance.”
[7] قام عالم نفس عالج المئات من المقاتلين في الحرب الأهلية الليبيرية بوضع التحليلي التالي “تتراوح أعمار المقاتل عادة بين الـ 15 و الـ 35 وينضمون للقتال لعدة أسباب منها الحصول على الطعام للبقاء حياً, أو لمنع المقاتلين الآخرين من قتل عائلته وأصدقائه, أو بعد تهديده بالقتل, أو لمجرد المغامرة…..الخ.
- S. Grant, quoted inStephen Ellis, The Mask of Anarchy: The Destruction of Liberia and the Religious Dimension of an African
Civil War (New York: New York University Press, 1999), 127.
8 – Saint Augustine, The City of God, trans. John Healey (London: J. M. Dent; New York: E. P. Dutton, 1931), IV:iv.
9 -Vladimir M. Brovkin, Political Parties and Social Movements in Russia, 1918–1922 (Princeton:
Princeton University Press, 1994), 121.
[10] لقد تبين أن العنف السياسي في العديد من البيئات حتى المتمدنة منها لا يسببه الفرد أو الأيديولوجيات الراديكالية. وهذا ما تظهره Della Porta في دراستها حول المنظمات الإرهابية في ألمانيا و إيطاليا
Donatella Della Porta, Social Movements, Political Violence, and the State: A Comparative Analysis of
Italy and Germany (Cambridge: Cambridge University Press, 1995), 196.
– وكما ذكر Barrington Moore “لقد جذب المثقف الساخط على اهتمام مبالغ فيه لأبحاثه و لحقيقة دوره السياسي لأن هذه الأبحاث تترك خلفها سجلات مكتوبة ولأن اولئك الذين يكتبون التاريخ هم أنفسهم مثقفون “
Barrington Moore, Social Origins of Dictatorshipand Democracy: Lord and Peasant in the Making of the Modern World (Boston: Beacon Press, 1966), 480
[11]– Peter Hart, The I.R.A. and Its Enemies: Violence and Community in Cork, 1916–1923 (New York: Clarendon Press, 1999), 209, 264.
[12] – Young (fn. 27); Chingono (fn. 29).
يذكر Chingono “مع أن جيش التحرير الوطني الثوري لم يكن ليستمر من دون الدعم الخارجي إلا أن التركيز حصرياً على العوامل الخارجية يشوه الواقع، وينكر تاريخ الموزامبيقيين، ويحولهم إلى مجرد ضحايا سلبيين للتلاعب والتحريك من قبل قوى خارجية نافذة”
[13] – لقد تم وضع ملاحظات مماثلة حول ليبيريا وسيراليون لدى
Ellis (fn. 34); Richards (fn. 19).
[14] Ibid., 266.
[15] امتد العداء بين الـ Phu Longs و الـ Binh Nghia لأجيال وتركز حول حقوق الصيد. استولى الـ Phu Longs على السلطتين الاقتصادية والسياسية بينما كان الـ Viet Cong في طور الصعود وكان هذا بالطبع على حساب الصيادين من الـ Binh Nghia لذلك عندما قدم الـ Viet Cong عبر النهر لنشر الإنجيل أظهر الـ Binh Nghia استياء كبيراً ضدهم وضد أي قضية مثلوها.وقام رئيس الشرطة بتغذية هذا الاستياء عن طريق بناء شبكة تجسس وتزويدهم بالمال.
See F. J.West, Jr., The Village (Madison: University of Wisconsin Press, 1985), 146–47.
[16] “إن مشاركة ثوار منظمة الدرب المضيْ المسلحة إلى جانب واحدة من الفئات في مواجهة جماعية ضد اتحاد من الفئات المعادية حرض على انفجار الطرف الأخير الذي قرر أن يحرك مجموعتين من senderista التي أمسكوا بها في صراع على السلطة في Huancayo. هذا الحدث حرض عل أعمال انتقامية من قبل ثوار منظمة الدرب المضيء تتوجت بإعدام ثلاثين من قادة الفلاحين وكان الضحايا قد اختطفوا من مجموعاتهم وتم إعدامهم في الميدان الرئيسي في Chongos Alto “
Nelson Manrique, “The War for the Central Sierra,” in Stern (fn. 58), 204–5.
17 Benjamin D. Paul and William J. Demarest, “The Operation of a Death Squad in San Pedro la
Laguna,” in Robert M. Carmack, ed., Harvest of Violence: The Maya Indians and the Guatemalan Crisis
(Norman: University of Oklahoma Press, 1988), 128, 150.
[18] Tilly (fn. 41), 191.
19 Colin Lucas, “Themes in Southern Violence after 9 Thermidor,” in Gwynne Lewis and Colin
Lucas, eds., Beyond the Terror: Essays in French Regional and Social History, 1794–1815 (Cambridge:
Cambridge University Press, 1983), 152–94.
19 Jean Perlez, “Kosovo Clan’s Massacre Stands as Gruesome Evidence of Serb Revenge,” International
Herald Tribune, November 16, 1998.
[21] Enzensberger (fn. 6), 15.
20 Madame de Staël, Des circonstances actuelles qui peuvent terminer la révolution et des principes qui
doivent fonder la république en France, ed. Lucia Omacini (1798; Geneva: Librairie Droz, 1979), 10.
[23] “بسبب الأعداد الكبيرة المشاركة كان من الصعب إزالة الداعمين لهم عن طريق اختيار حفنة من المسئولين الحزبيين المحليين.لقد كان العنف أقل وضوحاً في المناطق التي تمت فيها إزالة تأثير وحضور حكومة حركة جبهة تحرير موزمبيق وتأسيس جيش التحرير الوطني الشعبي بشكل جيد نسبياُ. في منطقة الـ Gorongosa كان هناك تعايش وتعاون جيد إلى حد كبير مع الناس المدنيين مع القليل من مظاهر الخوف. وكان ظهور جيش التحرير الوطني الشعبي في زمبابوي أقل وحشية وأفضل تنظيماً من ظهوره في بداية وصوله إلى المنطقة.” Young (fn. 27), 132–33.
[24] Richards (fn. 18), xx.
[25] “إن أعمالاً وحشية مماثلة ليست جزءً من الحروب التقليدية في أفريقيا بل هي نتيجة إستراتيجية منظمة لترويع المدنيين نفذها مقاتلون مدربون على تقنيات بربرية مماثلة. إن النمط المنظم للجرائم إضافة إلى حجم الرعب لا يدعم الإدعاءات القائلة بأن المتمردين ينسحبون أو منعزلين أو خارجين عن السيطرة. وتشير تقارير ميدانية إلى أنه لم يكن من الممكن أن تقوم حركة التمرد بدون المساعدات والسيطرة والاتصالات الخارجية كما أن جرائم بهذا الحجم عادة ما تكون منظمة.”
Emma Bonino, “No Court to Deter the Barbarity in Sierra Leone,” International
Herald Tribune, July 8, 1998.
26 comments