شهدت السنوات الخمس عشرة الأولى من القرن الحالي تطورات مذهلة في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، شملت الرقمنة، ومنصات مقاطع الفيديو المتاحة للجميع، والهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، واتصال الملايين بشبكة الانترنت، والكثير أيضا. وتنطوي تلك التغيرات الثورية على تمكين عميق للأفراد عبر وصول أكبر لنطاق واسع من المعلومات، والتسهيل الكبير للاتصالات وتبادل المعلومات، والأدوات الهائلة لتحقيق التواصل الشبكي.
وتعد مواقع التواصل الاجتماعي الظاهرة الإعلامية الأبرز في عالمنا اليوم، كونها تستقطب شريحة كبيرة من فئات المجتمع، وخاصة الشباب باعتبارهم الأكثر تأثيراً في أي مجتمع بما يمثلونه من طاقة وقابلية للتغيير والتطوير.
وتتعرض نسبة كبيرة من المجتمعات العربية لمواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي يمكن استثماره في ميادين كثيرة، لعل من أهمها ميدان تنمية الوعي السياسي، وتقديم جرعة ثقافية مبسطة لهؤلاء المستخدمين تناسب إيقاع التعامل السريع مع مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالطبع لا يمكن إغفال أن أحد أهم الأسباب الرئيسية التي أدت إلى زيادة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي هو الأحداث المؤسفة التي مرت بها الدول العربية منذ عام 2011، اذ بلغت نسبة التعبير عن الآراء والمواقف السياسية نسبة كبيرة من تدوينات المستخدمين، فقد وفرت شبكات التواصل الاجتماعي قناة مهمة للتعبير عن الرأي، وكرّست مفهوم الحق في المشاركة السياسية. ولعبت الأحداث السياسية والطبيعية في العالم دوراً بارزاً في التعريف بهذه الشبكات، وبالمقابل كان الفضل أيضاً لهذه الشبكات في إيصال الأخبار السريعة والرسائل النصية ومقاطع الفيديو عن تلك الأحداث، الأمر الذي ساعد في شهرة وانتشار هذه الشبكات وأهمها الفيس بوك، تويتر، واليوتيوب.
وقد رأى البعض في مواقع التواصل الاجتماعي تفعيلاً لمبدأ الحق في إبداء الرأي والتعبير المنصوص عليه في المادة التاسعة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.
وتتميز الشبكات الاجتماعية عن غيرها بعدة ميزات:
1- العالمية: حيث تلغي الحواجز الجغرافية والمكانية، وتتحطم فيها الحدود الدولية، حيث يستطيع الفرد في الشرق التواصل مع الفرد في الغرب، ببساطة وسهولة.
2- التفاعلية: فالفرد فيها كما أنه مستقبل وقارئ، فهو مرسل وكاتب ومشارك، فهي تلغي السلبية المقيتة في الإعلام القديم – التلفاز والصحف الورقية وتعطي حيزاً للمشاركة الفاعلة من المشاهد والقارئ.
3- التنوع: يستخدمها الطالب للتعلم، والعالم لبث علمه وتعليم الناس، والكاتب للتواصل مع القراء… وهكذا.
4- سهولة الاستخدام: فالشبكات الاجتماعية تستخدم بالإضافة للحروف وبساطة اللغة، تستخدم الرموز والصور التي تسهل للمستخدم التفاعل.
5- التوفير: فهي اقتصادية في الجهد والوقت والمال، من حيث الاشتراك والتسجيل، فالفرد البسيط يستطيع امتلاك حيز على الشبكة للتواصل الاجتماعي، وليست حكراً على أصحاب الأموال، أو على جماعة دون أخرى.
ورغم الاتهامات التي تطارد شبكات التواصل الاجتماعي من انتهاك للخصوصية إلى التجسس على البيانات الشخصية للمستخدمين، إلا أن قوتها تزداد يوما بعد يوم، ويزداد تعلق المستخدمين بها، والدليل على ذلك ارتفاع عدد مستخدمي موقع “فيس بوك” بشكل مذهل ، مع نمو واضح في استخدام اللغة العربية ضمن وسائل التواصل الاجتماعي.
وتشير الملاحظات الأولية لاستخدامات مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بالتعبير عن القضايا السياسية ـ إلى عدد من الإشكاليات التي يمثل بعضها مخالفات قد يتعرض صاحبها للمساءلة القانونية والأخلاقية إذا ما مورست في الإعلام الجماهيري الرسمي أو التقليدي، مثل التدوينات التي تحتوي على أبعاد طائفية، أو تلك التي تستخدم لغة تخالف الأعراف القيمة والأخلاقية، ويصل بعضها إلى السب والقذف والتشهير، والقيام بحملات منظمة للهجوم على بعض الشخصيات، أو القيام بالترويج للأخبار المغلوطة، وبث الشائعات التي من شأنها الإضرار بمصالح الوطن والمواطن، أو تنفيذ الحملات المنظمة لمهاجمة بعض القرارات السياسية، والتستر خلف الأسماء المستعارة حيناً، وتصنف بعض هذه الأعمال على أنها تصب في غير مصلحة الوطن، وتعمل على ما يمكن تسميته بـ (التجهيل السياسي) من خلال إعلاء لغة العاطفة الدينية والمذهبية على حساب لغة المنطق والعقل، وقد تسبب بعض الشروخ الاجتماعية لفترة طويلة من الزمان.
لكن السؤال المطروح في هذا السياق: إذا كان بإمكان مواقع التواصل الاجتماعي القيام بتلك التأثيرات السلبية، فلماذا لا يتم استثمار هذه القنوات ذات الانتشار الواسع والتأثير الكبير بين كافة فئات المجتمع لتنظيم حملات إعلامية هادفة، تعمل على ترميم العلاقات الاجتماعية التي تآكلت بفعل تأثير التدوينات السلبية في مواقع التواصل الاجتماعي، وتقدم جرعة ثقافية سياسية بأسلوب غير مباشر، وتقوم باستقطاب واستيعاب القدرات الشبابية الكبيرة، حيث أن كثيراً من طاقات الشباب يمكن توظيفها في هذا الجانب، لأن كثيراً من مفردات العمل السياسي ربما غائبة عن أذهان الشباب، ويكون دور شبكات التواصل الاجتماعي بمثابة النافذة أو القناة التي يتم من خلالها التوجيه السياسي، حيث تعد هذه الشبكات إحدى وسائل تشكيل الوعي السياسي في الوقت الراهن.
وعلى الصعيد المحلي يمكن الاستفادة من انتشار شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل اتجاهات الرأي العام تجاه مختلف القضايا، وتحديداً التوعية والتثقيف السياسيين من خلال نشر المفاهيم السياسية بأساليب مبتكرة. والفرصة أيضا متاحة لكافة مؤسسات المجتمع المدني للاستفادة من هذه الأدوات التفاعلية في الإعلام الجديد لتسويق أنشطتها وتفعيل دورها إلكترونياً. خصوصاً وأن التوقعات المستقبلية تشير إلى إمكانية قيام أنظمة سياسية افتراضية تحاكي الأنظمة السياسية الحقيقية الموجودة في العالم.
تتنوَّع أشكال استخدامات الشبكات الاجتماعية، فبعضها عام يهدف إلى التواصل العام وتكوين الصداقات حول العالم وبعضها الآخر يتمحور حول تكوين شبكات اجتماعية في نطاق محدد ومنحصر في مجال معين مثل شبكات المحترفين وشبكات المصورين ومصممي الجرافكس.
1-الاستخدامات الاتصالية الشخصية.
وهو الاستخدام الأكثر شيوعاً، ولعل الشرارة الأولى للشبكات الاجتماعية اليوم كانت بهدف التواصل الشخصي بين الأصدقاء في منطقة معينة أو مجتمع معين، وهذا الهدف موجود حتى الآن برغم تطور الشبكات الاجتماعية على مستوى الخدمات وعلى مستوى التقنيات والبرمجيات، وبرغم خروجها من حدود الدولة إلى فسيح جو العالم.
ويمكن من خلال الشبكات الاجتماعية الخاصة تبادل المعلومات والملفات الخاصة والصور ومقاطع الفيديو، كما أنها مجال رحب للتعارف والصداقة، وخلق جو مجتمع يتميز بوحدة الأفكار والرغبات ، وإن اختلفت أعمارهم وأماكنهم ومستوياتهم العلمية.
2- الاستخدامات التعليمة:
تلعب الشبكات الاجتماعية دوراً في تطوير التعليم الإلكتروني حيث تعمل على إضافة الجانب الاجتماعي له، والمشاركة من كل الأطراف في منظومة التعليم بداية من مدير المدرسة والمعلم وأولياء الأمور وعدم الاقتصار على التركيز على تقديم المقرر للطلاب.
فاستخدام الشبكات الاجتماعية يزيد فرص التواصل والاتصال في خارج نطاق المدارس، ويكسر حاجز الوقت فيمكن التواصل خارج وقت الدراسة، ويقضي على كثير من الرسميات داخل المدارس، ويمكن التواصل الفردي أو الجماعي مع المعلم، مما يوفر جو من مراعاة الفروق الفردية، كما أن التواصل يكسب الطالب مهارات أخرى كالتواصل والاتصال والمناقشة وإبداء الرأي، وهي مساحة ضيقة جدّاً داخل أسوار المدارس، في ظل تكدس الطلاب في الفصول وكثرة المواد، مع وجود الأنظمة والمساحات الضيقة للمناقشات والتداولات.
3- الاستخدامات الحكومية:
اتجهت كثير من الدوائر الحكومية للتواصل مع الجمهور من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف قياس وتطوير الخدمات الحكومية لديها، ومسايرة للتقنية الحديثة، بل أصبح التواصل التقني مع الجمهور من نقاط تقييم الدوائر الحكومية وخدماتها المقدمة، وتتميز هذه الخدمة بقلة التكلفة والوصول المباشر للمستفيد الأول، والتغذية الراجعة المباشرة، مما يساعد في تفادي الأخطاء والوصول بالخدمة المقدمة للإتقان والتميز.
ويمكن الاستفادة من الشبكات الاجتماعية في حجز المواعيد وتأكيدها، ونشر التعليمات والإجراءات، والتواصل مع الرئيس مباشرة، وإبداء الملاحظات والمقترحات.
4- الاستخدامات الإخبارية:
أصبحت الشبكات الاجتماعية مصدر اساسي من مصادر الأخبار لكثير من روادها، وهي أخبار تتميز بأنها من مصدرها الأول وبصياغة فردية حرة ، لا احترافية لاستخدامات مختلفة سياسية أو دعائية.
وقد تميزت المدونات الخاصة باستقطاب الباحثين عن الأخبار، ومواقع الأخبار المتخصصة، وقنوات إخبارية كبيرة، في أحداث مختلفة سابقة، وكان لأصحابها التأثير الكبير في نقل الأخبار الصحيحة للرأي العام.
من خلال ما سبق يمكن بسهولة استنتاج أهمية شبكات التواصل الاجتماعي في إتاحة المجال واسعاً أمام الإنسان للتعبير عن نفسه ومشاركة مشاعره وأفكاره مع الآخرين، خاصة وأن هناك حقيقة علمية وهي أن الإنسان اجتماعي بطبعه وبفطرته يتواصل مع الآخرين ولا يمكن له أن يعيش في عزلة عن أخيه الإنسان. وقد أثبتت كثير من الدراسات والبحوث العلمية أن الإنسان لا يستطيع إشباع جميع حاجاته البيولوجية والنفسية دون التواصل مع الآخرين فحاجاته هذه تفرض عليه العيش مع الآخرين لإشباع هذه الحاجات. أما الاحتياجات الاجتماعية فلا يمكن أن تقوم أساساً دون تواصل إنساني مع المحيط الاجتماعي ولذلك فالإنسان كائن اجتماعي بطبيعته لا يمكن أن يعيش بمفرده.
هناء شروف باحثة في المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي