تحظى تركيا بأهمية كبيرة عند الحديث عن أي تحالف دولي في إطار “حلف الناتو” لمواجهة تنظيم “داعش”، حيث أنها تستضيف على أراضيها قوات من “الناتو” معظمها في قاعدة إنجيرليك الجوية قرب أضنة، كما تستضيف رادارات الرصد المبكر في كل من كورجيك وملاطيا.
ولا يعتبر صمت تركيا تجاه تحركات “داعش” على الحدود العراقية-التركية مؤشراً على عدم النية في المشاركة في أي عمل عسكري ضد “التنظيم” الإرهابي من خلال الحلف، ولكن نطاق المشاركة يظل يتأثر بالعلاقة بين تركيا والدول الغربية والتي ترتبط بعدة قضايا إشكالية، فمن ناحية، هناك قضية التجسس من قبل أجهزة استخبارات بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة على تركيا، كما أشارت لذلك صحيفة “دير شبيغل” الألمانية، إلى جانب التمثيل الضعيف للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، في حفل تنصيب الرئيس رجب طيب أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يعكس، وفق عدة تقديرات، كون تركيا “حليفاً إستراتيجياً”، وليست “صديقاً يؤتمن”. كما لا تبدو أنقرة راضية عن الدعم العسكري الذي بدأت الدول الغربية بتقديمه لقوات “البشمركة” التابعة لإقليم كردستان العراق، حيث تتوجس من إمكانية وصول هذا الدعم إلى حزب العمال الكردستاني.
كما يمكن القول: إن فشل تركيا في الضغط على الدول الغربية، من أجل التدخل العسكري في سورية ضد دمشق، جعلها أكثر “مماطلة” في التعاطي مع أزمات المنطقة، ورغم أن التحالف الجديد يعيد لتركيا دورها “كحليف مهم” لا يمكن الاستغناء عنه، إلا أنه من المتوقع أن تستمر هذه المماطلة التركية فيما يتعلق بمشاركة أنقرة في الحرب على “داعش”، حيث أنها تخشى العواقب المحتملة من مواجهة تنظيم “داعش”.
حسابات تركيا حول الإنخراط في “التحالف”:
ترتبط حسابات تركيا المعقدة للمشاركة في الحلف بصورة رئيسية بحجم مصالحها التي يمكن أن تخدمها هذه المشاركة، وتأثيرات ذلك على الوضع داخل تركيا، وهو ما يجعل الحسابات التركية مختلفة عن الحسابات الأمريكية والغربية بصفة عامة. ويمكن في هذا الإطار تحديد ثلاثة متغيرات رئيسية:
يتمثل أولها في الموقف من الدولة السورية، إذ لا تمتلك الدول الغربية رؤية لحلحلة الأزمة في سورية، وهو موقف مغاير لتركيا، حيث يصر أردوغان على “إسقاط الدولة في سورية”، وكان ذلك هو الهدف الرئيسي لكافة الجهود التركية الخاصة بدعم “المعارضة الإرهابية المسلحة”. وينصرف ثانيها إلى مدى تهديد “داعش” للمصالح التركية في العراق، وتعد أزمة الرهائن التركية، وما تبعها من احتلال قنصلية أنقرة العامة في الموصل، وخطف 49 من الدبلوماسيين والعاملين فيها، بمن فيهم القنصل العام، بالإضافة إلى حوالي 30 تركياً آخرين من العمال وسائقي الشاحنات في حزيران 2014، مثالاً على حجم الأضرار التي يمكن أن يلحقها “داعش العراق” بأنقرة، وهو ما دفع تركيا لعدم تقديم أي مساعدات عسكرية للأكراد في مواجهتهم لـ”داعش”، حيث أشار رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان العراق، فؤاد حسين، إلى أن الحكومة التركية رفضت طلباً حمله من الإقليم لتسليح “البشمركة” لمحاربة “داعش”.
ويتعلق ثالثها بفرص الأكراد لتعزيز وضعهم السياسي سواء في العراق أو سورية، نتيجة هذه العملية، لا سيما وأنهم برزوا في حالة العراق تحديداً كشريك حقيقي في الحرب على “داعش”، حيث توجد تصورات في تركيا، تشير إلى أن التحركات الدولية ضد “داعش” قد تسرع من مشروع تقسيم العراق، وتضفي أهمية وزخماً خاصاً على الحديث عن “مشروع الدولة الكردية الكبرى”.
تركيا..ورعاية “الدواعش”
وثمة قضية أخرى تثار عند الحديث عن الدور التركي في محاربة “داعش”، ترتبط بوجود دلائل في عدة دوائر غربية بأنها تدعم الإرهاب، لا سيما في ظل عدم اتخاذ الحكومة التركية إجراءات لضبط الحركة على الحدود مع العراق أو سورية، والتي يستفيد منها تنظيم “داعش”، حيث أن نجاح “داعش” في السيطرة على مناطق متصلة في العراق، قد يمهد لقيام “دولة طائفية” على حدودها الجنوبية الشرقية، وفي حال تمكن “الدواعش” من مد هذه الدولة إلى سورية، فستكون هذه الدولة محاذية للحدود الجنوبية الشرقية لها، وهو ما قد يزيد من نفوذها في العراق، ويمثل خصماً للإيراني، ويبدو أن ذلك هو ما دفع اتجاهات عديدة في تركيا إلى الحديث عن أن “داعش” لم يعد يمثل مصدر تهديد للأمن التركي.
ولعل هذا يفسر، وفقاً لهذه الرؤية، تواطؤ تركيا لتسهيل حركة “المجاهدين” الأجانب المتجهين إلى سورية أو العراق عبر أراضيها، خاصة المنضمين إلى “داعش”، وقد نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في 12 آب 2014، عشية صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2170 حول “داعش” حواراً مع “أبي يوسف” أحد قادة “داعش” تم إجراءه في منطقة الأسكندرون التركية، وهو ما يشير إلى تحول بعض مناطق تركيا إلى بيئة حاضنة لقادة التنظيم.
الرهائن مقابل الدبابات:
وتضاربت المعلومات عن الطريقة التي تمت بها عملية الإفراج عن الرهائن الاتراك لدى “الدواعش”، لدرجة كان هناك تضارب في المواقف والتصريحات بين الرئيس اردوغان نفسه ورئيس وزرائه داوود أوغلو.. حيث كان داود أوغلو أول من أعلن من باكو إطلاق الرهائن الـ49 “نتيجة اتصالات” وعودتها الى تركيا. وتبعه الرئيس رجب طيب أردوغان ببيان قال فيه: إن الرهائن “حررن” نتيجة عملية وكالة نفذتها وكالة الاستخبارات الوطنية التركية “أم اي تي
إلا أن ما نقلته قناة تلفزيونية تركية من مشاهد كان “مفاجئاً”، حيث يظهر من خلالها قطار محمل بالعتاد العسكري من بينها الدبابات الأسلحة قيل أنها مرسلة لتنظيم الدولة الإسلامية تنفيذاً لتعهد الحكومة التركية في إطلاق سراح الرهائن. وبحسب الفيديو المنشور، فإن القطار بالمحمل العتاد العسكري متجه إلى منطقة التل الأبيض، حيث يخوض التنظيم معارك طاحنة ضد الأكراد في شمال سورية.
كذلك، كشفت صحيفة أيدلنك التركية نقلاً عن أحد مقاتلي “داعش” أنه يتلقى العلاج بمستشفى فى العاصمة أنقرة، وأن التنظيم يتلقى مساعدات كبيرة من حكومة حزب العدالة والتنمية، وأكد عضو “داعش” أنه لولا مساعدة تركيا التى فتحت الطريق لهم لما وصل التنظيم إلى ما وصل إليه الآن. وذكر أن حكومة أردوغان اقتربت منا برحمة “على حد قوله”، مشيراً إلى أن هناك عدداً كبيراً جداً من المسلحين يتلقون العلاج فى المستشفيات التركية. وأضاف: خلال فترة قصيرة لن نحتاج لهذه المساعدات، فلدينا العديد من المقاتلين الأجانب القادمين من 21 دولة، وليس من الدول الإسلامية وحدها، بل ان منهم مسلحين من إنجلترا وفرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا، فضلاً عن وجود أتراك، وآخرون قادمون من أفغانستان وباكستان وجميعهم يصلون عبر الأراضي التركية.
وفى سياق متصل، قدم أوموت أوران النائب عن الشعب الجمهوري عن مدينة اسطنبول استجواباً لوزير الداخلية أفاكان ألا، حول منح هويات باللغة التركية لمقاتلي مايسمى “الجيش السورى الحر” الذين يتجولون بها بحرية مطلقة بالمدن، وهو ما يشكل تهديداً وخطورة على أمن وسلامة المواطنين.
ويبقى السؤال حائراً: هل سيلزم قرار مجلس الامن القاضي بمنع تدفق المقاتلين الاجانب إلى نتظيم “داعش “الارهابي تركيا ايضاً، أم يبقى أردوغان حاملاً راية “الدواعش” داعماً لهم ومهدداً للأستقرار في المنطقة، متخذاً لتركيا مكانة على هامش التحالف؟.