أثار تنامي تداول اليوان الصيني المتسارع خلال السنوات القليلة الماضية، الكثير من الجدل حول طبيعة وهيكل النظام النقدي العالمي خلال المستقبل القريب، بعدما ظل الدولار الأمريكي العملة الأكثر تداولاً في العالم بعد استبداله بالذهب كعملة احتياطي نقدي منذ عام 1971 وحتى الآن، حيث تشير العديد من الدلائل على قرب حدوث هذا التغير المرتقب، حيث يعد إعلان صندوق النقد الدولي عن استعداده لإقرار اليوان كأحد العملات الرئيسية المكونة لسلة عملات وحدة حقوق السحب الخاصة، شرط تحرير قيمته، اعترافاً منه بأهمية وقوة واستقرار اليوان الصيني كعملة احتياط دولية، كما يعتبر إعلان بنك الشعب الصيني عن صفقة لمقايضة العملات مع البنك المركزي الأوروبي، خطوة أبعد على طريق اكتساب اليوان للثقة والقبول الدوليين، ويدعم ذلك الاتجاه، حالة الضعف التي تشهدها عملات التداول الرئيسية مؤخراً، حيث يعاني الدولار الأمريكي من حالة انكماش كبيرة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، كما تتملك منطقة اليورو أزمة مديونية خانقة تهدد استمرار اليورو كعملة موحدة لدول المنطقة، الأمر الذي يفسح المجال لليوان الصيني كعملة جديدة داخل سلة عملات التداول الدولي الرئيسية.
رحلة صعود
شجعت الأزمات المتتالية التي تلاحق الاقتصاد الأمريكي، السلطات الصينية لبذل جهود إضافية نحو تعزيز تداول عملتها للمنافسة ضمن سلة عملات الاحتياط الدولية، وذلك عبر برنامج تدريجي بدأ منذ عام 1978، مع إعلان الحكومة الصينية تبني سياسة التحرير والانفتاح الاقتصادي، مدعومة باحتياطي نقدي ضخم بلغ نحو 3.4 تريليونات دولار، بما مكنها من عقد مجموعة من الاتفاقات مع عدة دول لتداول اليوان داخل هذه الدول وفق سعر صرف محدد، لتتخذ الحكومة خطوة أبعد في عام 2010، مع قرار تحويل هونج كونج إلى مركز مالي عالمي لتداول العملة الصينية للدول والمؤسسات الأجنبية، كما سمحت الحكومة خلال العام نفسه للشركات بأن تستخدم العملة المحلية في تسوية المعاملات التجارية، والتي كانت تتم في السابق بالدولار الأمريكي، وبما أدى إلى زيادة استخدام اليوان في التجارة الخارجية، لتبلغ نسبته 16 في المائة من إجمالي حجم هذه التجارة، فيما تطمح الحكومة أن تصل هذه النسبة إلى 30 في المائة مع حلول عام 2018.
هذا وقد تسارع معدل تداول اليوان الصيني، مع توقيع البنك المركزي الصيني لاتفاقية إنشاء آلية لمقايضة العملات مع الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2013، والتي تبلغ قيمتها 350 مليار يوان، أو ما يعادل 57 مليار دولار، الهدف منها تيسير التبادل التجاري بين الطرفين لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، أيضاً وقع البنك المركزي الصيني اتفاقيات مماثلة مع البنوك المركزية لـ22 دولة أخرى تبلغ قيمتها 2.2 تريليون يوان، أو ما يعادل 358 مليار دولار، من هذه الدول اليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، والبرازيل، وأستراليا، وهونج كونج، وذلك بهدف زيادة سيولة العملة الصينية، والحد من سيطرة الدولار الأمريكي، وطبقاً لمؤشر عولمة العملات الذي تصدره جامعة الشعب الصينية، فقد شهد اليوان نمواً سريعاً مقارنة بغيره من العملات الرئيسية الأخرى؛ إذ بلغ معدل نمو عولمة اليوان نحو 10 في المائة وذلك خلال عام 2012، بينما بلغ مؤشر عولمة الدولار الأمريكي خلال عام 2011 نحو 52 في المئة، الأمر الذي يرجع إلى زيادة استخدام اليوان الصيني في التجارة الدولية من جهة، وزيادة استخدامه في تسوية الصفقات المالية العالمية من جهة أخرى.
دوافع كامنة
هناك ثمة عوامل موضوعية تدفع باليوان الصيني في اتجاه التحول إلى عملة دولية خلال السنوات القليلة المقبلة، يتمثل أهمها في:
– تصاعد وزن الاقتصاد الصيني: بالرغم من حالة الركود التي يعانيها الاقتصاد العالمي، شهد الاقتصاد الصيني نموًّا كبيرًا، جعله يحتل المرتبة الثانية عالميًّا متغلبًا على الاقتصاد الياباني، بحيث يمثل حوالي 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويتوقع أن تتزايد معدلات نمو الاقتصاد الصيني مع نهاية العقد المقبل، بما يؤهله لأن يصبح أكبر اقتصاد عالمي، كما تعتبر الصين صاحبة أكبر فائض في العالم، والذي يبلغ حوالي 250 مليار دولار، أي ما يشكل نسبة 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2006، كل هذه العوامل توجِد طلباً عالميًّا متزايداً على اليوان الصيني.
– تراكم احتياطات النقد الأجنبي: استطاعت الحكومة الصينية مراكمة احتياطات كبيرة من النقد الأجنبي وصلت قيمتها إلى ما يعادل 3.2 تريليونات دولار من العملة الصعبة، منها 70 في المائة من الدولار الأمريكي، هذا إلى جانب النمو المتواصل في رفع معدل هذا الاحتياطي بالتوازي مع السعي نحو تنويعه، وهي السياسة نفسها التي اتبعها عدد من الدول منذ بداية الأزمة المالية العالمية، كمؤشر على تراجع الثقة بالدولار الأمريكي، وبما يساعد على التخفيف من وطأة الأزمات حال انهيار قيمة الدولار، وعلى هذا النحو، سعت الحكومات الصينية المتعاقبة إلى توسيع المخزون من الذهب، والتخلي التدريجي عن الدولار كمكون رئيسي للاحتياطي من النقد الأجنبي، بحيث بلغت الزيادة في كميات الذهب التي اشتراها البنك المركزي الصيني ما نسبته حوالي 640 في المئة.
– التحرير التدريجي لقيمة اليوان: أعلنت الحكومة الصينية خلال عام 2005 عن تطبيقها لنظام تحرير سعر الصرف بشكل تدريجي، والتخلي عن سياسة الربط الكامل لسعر صرف اليوان بالدولار الأمريكي، والاعتماد بدلاً من ذلك على ربط اليوان بسلة من العملات المتغيرة، على أن يكون الذهب المكون الرئيسي لها، ويقضي هذا النظام الجديد بالإبقاء على سعر صرف اليوان عند مستويات معقولة، وذلك عند سعر 6.789 يوان لكل دولار، على أن يتراوح هامش حركته حول هذا السعر بنحو 0.5 في المائة صعوداً وهبوطاً، وقد نتج عن هذا القرار تحسن في القوة الشرائية للعملة الصينية، ومن المتوقع أن يؤدي تحرير قيمة اليوان إلى زيادة إقبال الاستثمار الأجنبي، سواء المباشر أو غير المباشر، وذلك للاستفادة من ارتفاع قيمة اليوان، ويزداد مع اتساع قبوله واستخدامه على المستوى العالمي.
– زيادة المعروض النقدي من اليوان: صاحب التحرير الجزئي لسعر صرف اليوان زيادة كبيرة في الطلب على العملة لأغراض التجارة، والاستثمار، والمعاملات المالية، كون الصين أكبر دولة تجارية في العالم، الأمر الذي قابله توسع موازٍ في الائتمان المصرفي، وهو ما كان مطلوباً أيضاً لتمويل التوسع في الاستثمارات الحكومية، حيث تحتل الصين المرتبة الأولى عالمياً من حيث إجمالي المعروض النقدي الذي يبلغ حوالي 97.4 تريليون يوان، أي ما نسبته 188 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك اعتباراً من نهاية عام 2012، وعليه يرى البعض أن زيادة استثمارات الصين المباشرة وقروضها في الخارج تساعد على استقرار مكانة الصين في التجارة العالمية، كما توسع نطاق استخدام اليوان الصيني في العالم.
تحديات هيكلية
رغم تنوع وقوة العوامل الدافعة لصعود اليوان كعملة تداول دولية، إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي تحد من قدرته على تحقيق ذلك في الأجل القصير على الأقل، والتي يتمثل أهمها في:
– عدم تطور أسواق المال الصينية: رغم كبر حجم الاقتصاد الصيني، إلا أن أسواق المال في هذا الاقتصاد لم تصل إلى درجة نضج مثيلاتها في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تعاني الأسواق المالية في الصين من ضعف أعداد المتعاملين من المشترين والبائعين، خاصة ما يتعلق بالسندات الحكومية، وبالتالي محدودية معدل التداول في هذه الأسواق، بالإضافة إلى تقلب أسعار الأسهم في هذه الأسواق الصاعدة، بما يقلل من جاذبية هذه الأسواق للاستثمار، ومن ثم يقلل من حجم الطلب الكامن على اليوان الصيني لأغراض الاستثمار، وبما يعرقل حركة رءوس الأموال من وإلى الاقتصاد الصيني.
– تمركز الاقتصاد حول التصدير: رغم أن ازدهار التبادل التجاري في الصين كان السبب الرئيسي في زيادة مستويات الطلب على اليوان الصيني من مختلف مناطق العالم، كون الصين أكبر دولة تجارية، إلا أن تركز الاقتصاد على جانب التصدير يعتبر أحد العوائق الأساسية أمام قدرة الحكومة على تحرير سعر صرف عملتها المحلية، والذي قد يؤدي إلى رفع قيمة اليوان المقوم حالياً بأقل من قيمته الفعلية، ومن ثم رفع أسعار الصادرات الصينية، بما يفقدها أحد أهم مميزاتها التنافسية في مواجهة صادرات الدول الأخرى، مع انخفاض القوة الشرائية للعملات الأخرى في مقابل اليوان.
كما أن اعتماد الصين على هذا القطاع جعلها أكثر عرضة للتأثر بالأزمات الدولية، فمع حالة الركود التي تعرض لها الاقتصاد العالمي إثر الأزمة المالية، شهد قطاع التصدير الصيني تراجعاً في معدلات الطلب، بما أثر على وضع الاقتصاد الكلي، وهو ما دفع الحكومة إلى استبدال هذا النموذج بالتوجه نحو تشجيع الاستهلاك المحلي، بإقرار حزمة من الإجراءات التنشيطية ركزت على دعم البنية التحتية، وتحفيز الاستهلاك الخاص، بالإضافة إلى تخفيض سعر الفائدة لزيادة معدلات الاستثمار المحلية. عبر عن ذلك الاقتصادي بول كروجمان الحائز على جائزة نوبل في مقابلة مع نيويورك تايمز في يوليو 2013، قائلاً: الإشارات الآن واضحة: الصين في ورطة جوهرية كبيرة. فطريقة العمل التجاري بأسرها في البلاد والنظام الاقتصادي الذي أشرف على ثلاثة عقودٍ مِن النمو المدهشِ، وَصلَ نهايته. يمكنك القول بأنّ النموذجَ الصينيَ أَوْشَكَ أَنْ يَضْربَ حائطَه العظيمَ. والسؤال الوحيد الآن هو فقط كَمْ سيكون الانهيار سيئاً.
– تشوهات نمو الاقتصاد الصيني: أدت الانكماشات السابقة في معدلات الصادرات الصينية إلى التأثير السلبي على الاقتصاد، بحيث شهد تراجعاً في معدلات النمو الحقيقي بلغ أقصى معدل له خلال عام 2013 ليصل إلى معدل نمو 8 في المائة، في مقابل معدل نسبته 14.2 في المائة خلال عام 2007، وإضافة إلى هذا التباطؤ في معدلات النمو، يعاني الاقتصاد الصيني من تشوهات واضحة في هيكل توليد ذلك النمو، بالتركيز على المناطق الاقتصادية الحرة، التي يوجد أغلبها على الساحل الشرقي للصين، دون محاولة تنمية باقي المناطق الداخلية المعتمدة بشكل رئيسي على الزراعة، الأمر الذي استتبعه بالضرورة تشوهات في هيكل توزيع الثروة في الصين، فبحسب دراسة عالمية لتوزيع الثروة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية عام 2008 فإن أقل من نصف في المائة فقط من سكان الصين آنذاك كانوا يسيطرون على نحو 70 في المائة من ثروة الصين.
تداعيات مركبة
يشكل الصعود المتنامي للعملة الصينية عامل ضغط واضحاً على قيم تداول عملات النقد الرئيسية في العالم، حيث يشجع انتشار تداول العملة الصينية عالمياً على تزايد معدلات الاستثمار في شراء الأصول المقومة باليوان للاستفادة من الزيادة المطردة في قيمته، وبما يؤدي إلى تراجع موازٍ في الاستثمارات المقومة بباقي العملات الرئيسية الأخرى. وقد شهدت عملية تدويل اليوان تسارعاً خلال الفترة الماضية، إذ تشير بيانات بنك الشعب الصيني إلى أن القيمة الإجمالية لأعمال تسوية التجارة العابرة للحدود قد بلغت 2.08 تريليون يوان خلال عام 2011، فيما استحوذت هونج كونج على ما نسبته 80 في المائة من هذه القيمة، كما بدأت بعض البنوك المركزية في الدول النامية، مثل: شيلي، ونيجيريا، وتايلاند؛ باستخدام اليوان في حوافظها للاحتياطي الأجنبي، كوسيلة لتقليل الاعتماد على الدولار في ظل ما يشهده من عدم استقرار. ووفقاً لبنك التسويات الدولية، فقد دخل اليوان قائمة أعلى العملات العشر الأكثر تبادلاً في العالم بعد أن كان يحتل المرتبة 35 عام 2004.
وتتمثل تداعيات هذا الصعود في إضافة المزيد من الضغوط النزولية على قيمة الدولار الأمريكي، وبما يعمل على زيادة معدلات التضخم في الولايات المتحدة نتيجة ارتفاع أسعار الواردات، كما يؤثر بالسلب على بيئة الاستثمار الأجنبي، ويؤدي في النهاية إلى ارتفاع معدلات الفائدة، وتهديد النمو في الاقتصاد الأمريكي من خلال خفص أسعار الأسهم والسندات الأمريكية، وبما يدخل الاقتصاد الأمريكي في دائرة مفرغة من الأزمات. في الوقت نفسه يؤثر هذا الصعود على باقي دول العالم، حيث إن انخفاض قيمة الدولار من شأنه أن يؤثر سلباً على احتياطات هذه الدول من نقد أجنبي بالدولار، فضلاً عن تراجع قيمة السلع المصدرة للولايات المتحدة، بما يستدعي زيادة في أسعار تلك السلع من أجل الإبقاء على القوة الشرائية للصادرات، وبما قد يؤدي إلى إحداث تضخم في تلك الدول. وفي إطار بعض المحاولات من جانب بعض الدول الأسيوية للإبقاء على مستويات صادراتها إلى الولايات المتحدة، سعت نحو التخلي التدريجي عن المكون الدولاري كعملة احتياطي نقدي.
وتشهد الصين ضغوطًا متزايدة من قبل الولايات المتحدة من أجل رفع قيمة عملتها، في إطار سعي الولايات المتحدة نحو تقليص عجز ميزانها التجاري، حيث إن الإبقاء على قيمة اليوان منخفضة من شأنه أن يؤدي إلى اختلال في ميزان المبادلات بين البلدين لصالح الصين. والجدير بالذكر أن فائض الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين بلغ نحو 270 مليار دولار خلال عام 2010 لصالح الصين. من ناحيتها، ترفض الحكومة الصينية الاستجابة لتلك الضغوط، مؤكدة أن رفع قيمة اليوان لن يؤدي إلى حل الأزمة التي يعاني منها الميزان التجاري الأمريكي. وللتدليل على ذلك تشير الحكومة الصينية إلى أن ارتفاع قيمة اليوان خلال الفترة من عام 2005 إلى عام 2008 بنسبة 21 في المئة، لم يوقف أو يقلل من عجز الميزان التجاري بين البلدين. كما أن الإبقاء على سعر صرف العملة الصينية عند مستواها المنخفض مقارنة بالعملة الأمريكية، من شأنه إعطاء فرصة للحكومة من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد الصيني، وتحقيق استقرار الاقتصاد العالمي. ودفع هذا الموقف الولايات المتحدة إلى محاولة تدويل القضية من خلال حشد المزيد من الضغوط الدولية، وهو ما ظهر في كلمة الرئيس باراك أوباما في مجموعة العشرين في عام 2010، عندما أكد على ضرورة ترك أسعار الصرف لآليات السوق من أجل تعزيز التوازن الاقتصادي العالمي.
سيناريوهات مستقبلية
مع اهتزاز ثقة الأسواق الدولية في عملات النقد الرئيسية في العالم، وفي مقدمتها الدولار الأمريكي، وفي ظل احتمال استمرار ضعف أداء الاقتصادات المصدرة لهذه العملات الرئيسية؛ يذهب البعض إلى القول بأن العالم في حاجة إلى نظام نقدي بديل أكثر استدامة، يستند إلى أكثر من عملة، بما يضمن تحقيق الاستقرار والنمو، ومن ثم تلوح عدة سيناريوهات في الأفق فيما يتعلق بمستقبل نظام النقد الدولي:
1- تربع اليوان على عرش العملات: يقوم هذا السيناريو على طرح العملة الصينية كبديل للدولار الأمريكي، خاصة في ظل توقع استمرار صعود الاقتصاد الصيني، وهو ما يقابل بتشجيع دولي كبير، حيث ارتفع حجم المعاملات التجارية باليوان عبر الحدود من 78 مليار دولار في عام 2010 -كانت السنة الأولى التي تم فيها السماح بذلك- إلى 220 مليار في عام 2011، وهو ما تصل نسبته إلى نحو 7 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية الصينية، واليوم هناك ما يقرب من 70 ألف شركة تستفيد من القواعد الجديدة التي تسمح للبنوك والشركات بعقد صفقات دولية باليوان، إلا أنه بالرغم من ذلك، لا تزال قدرة اليوان على اكتساب نصيب أكبر في المعاملات التجارية والمالية الدولية بسرعة أمرًا غير واضح، ويبدو أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الجهود في هذا الإطار، شريطة استمرار تراجع قيم العملات الرئيسية الأخرى.
2- استخدام حقوق السحب الخاصة: يؤيد هذا السيناريو قيام صندوق النقد باستخدام عملته الحسابية، والتي تم إنشاؤها عام 1969 لمواجهة الطلب المتزايد على السيولة الدولية، كعملة احتياط دولية، إلا أن هذه العملة تعاني من ضعف كميات الإصدار مقارنة بحجم السيولة الدولية، وكذلك معاملات سوق النقد الأجنبي، مما دفع مجموعة العشرين بتوصية صندوق النقد الدولي بإصدار 250 مليار دولار وحدات حقوق سحب خاصة إضافية بهدف توفير سيولة احتياطية إضافية. من ناحية أخرى، فإن نظام التوزيع لكميات حقوق السحب يقوم على أساس حصة العضو من رأس مال الصندوق، وبما لا يضمن، حال تبني العالم لها كعملة دولية، حصول كل دولة على احتياجاتها من تلك العملة، بل إنه سيزيد من مركزية الولايات المتحدة بما يعطيها ثقلاً في التعاملات الدولية. وكذا فإن استخدام هذه الوحدات الخاصة كعملة احتياط دولية يتطلب تغييراً هيكلياً في الدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي على المستوى العالمي، وهو الأمر الذي قد يجد معارضة كبيرة من قبل القوى الاقتصادية المتقدمة. وأخيراً فإن استخدام هذه العملة يقتصر على البنوك المركزية بما يفقدها ميزة الاستخدام الكثيف على مستوى العالم.
3- استبدال الدولار بسلة من العملات: يدفع تراجع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية الأخرى، نحو تبني اتجاه بديل يقوم على سلة من العملات الرئيسية الأكثر استخدامًا في العالم، مما قد يحقق نوعًا من الاستقرار في أسعار الصرف. إلا أن البعض يرون أن الطريق لا يزال طويلا أمام هذا الطرح، لأن الدولار ما زال يلعب دورًا رائدًا في التسويات التجارية والمالية على مستوى الاقتصاد العالمي، غير أن هذا لا ينفي حقيقة انحسار النفوذ الأمريكي، خاصة في مقابل التكتل الاقتصادي الأسيوي الصاعد بقيادة الصين.
إجمالاً ورغم تراجع قيمة الدولار في مقابل العملات الرئيسية الأخرى، فإنه سيبقى على المدى المتوسط عملة احتياط العالم، رغم ظهور بوادر قوية على صعود عملات رئيسية أخرى لدول صاعدة، ومن أهمها اليوان الصيني، قد تسهم في إعادة تشكيل نظام النقد العالمي بشكل أكثر توازنًا على المدى الطويل.
*مدرس الاقتصاد المساعد بجامعة القاهرة