بعد الحرب الأمريكية العالمية على الإرهاب الذي يمثله تنظيم القاعدة، قام الأخير بإحداث تغييرات في بنيته التنظيمية وأصبح يمارس نوعاً من “التقية السياسية” لأن اسم القاعدة أصبح مكروهاً في أماكن كثيرة من العالم الإسلامي الذي يفترض به أن يكون الحاضن الطبيعي لهذا التنظيم، يضاف إلى ذلك المتاعب الكثيرة التي تلحق بالمنتسبين إلى هذا التنظيم. ولأجل تلافي هذه المشكلة، أقدم قادة القاعدة على اختراع أسماء محلية لفروع التنظيم العالمي للقاعدة، وتحمل هذه الأسماء معانٍ توحي بمدلولات شرعية، وتعود هذه التسميات من وجهة نظر القاعدة لسببين: المخاوف الأمنية، والرغبة في أن تتعرف المجتمعات التي تريد القاعدة أن تعمل فيها على هذا التنظيم بما يتناسب مع الثقافات والقيم المحلية الخاصة بكل مجتمع اسلامي. فعلى سبيل المثال لم يعلن تنظيم القاعدة في البداية علاقته بجبهة النصرة ليتعرف السوريون عليها وفق شروطهم هم، دون أن تحول بينهم وبين التنظيم “التأويلات الإعلامية الخاطئة” كما يقول منظرو القاعدة في وقت مبكر، بسبب السمعة السيئة الناجمة عن الارتباط بـ تنظيم “القاعدة”. ويتماشى ذلك مع التكتيك الشامل الذي استخدمته “القاعدة” في أماكن مختلفة في حقبة ما بعد الانتفاضات العربية. وفي اليمن، على سبيل المثال، أوضح مسؤول الشريعة السابق في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أبو الزبير عادل بن عبد الله العباب، في نيسان 2011، سبب إقدام الجماعة على إعادة تصنيف نفسها تحت مسمى أنصار الشريعة في اليمن بقوله :”هذا ما نستخدمه لتقديم أنفسنا في المناطق التي نعمل فيها لتعريف الناس عن أعمالنا وأهدافنا”. وبالمثل، شهدت تونس وليبيا إقامة مجموعات من “أنصار الشريعة” تعمل محلياً ولكنها تؤمن – على الأقل على مستوى القيادة -بالأيديولوجية العالمية لـ تنظيم “القاعدة”، ففي سورية هناك جبهة النصرة لأهل الشام، وفي العراق الدولة الإسلامية في العراق، وواضح أن الذين يطلقون هذه التسميات يلمون، إلى حد ما، بعلم النفس الجمعي للشعوب، فأهل الشام أهل نخوة وحمية، وهم يحبون هذه الصفات، وأطلق التنظيم على نفسه اسم “جبهة النصرة لأهل الشام”، وبالنسبة للعراق الذي أصبح بلا دولة بالمعنى الفعلي، وأصبح بناء الدولة هدفاً أعلى للشعب العراقي، قامت القاعدة بتسمية تنظيمها “الدولة الإسلامية في العراق”، ليصبح اسمها “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. ومعلوم أن هدف توحيد سورية والعراق يأخذ بمجامع قلوب أهل البلدين، ومن هذه النقطة يمكننا القول أن من يحركون خيوط القاعدة هم خبراء في علم النفس السياسي وعلم الاجتماع السياسي، وغالباً ما تتوفر هذه الكفاءات في الغرب الأمريكي.
أولاً: لمحة تاريخية وعقائدية
تعود بدايات تنظيم القاعدة إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، ويعود أصل كلمه القاعدة إلى تأسيس أبو عبيدة البنشيري لمعسكرات تدريب للمجاهدين لمقاومة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، أطلق عليها اسم معسكرات التدريب بالقاعدة. ويرى كثير من الباحثين أن “القاعدة تشكلت في 11 آب 1988، في اجتماع عدد من قادة تنظيم الجهاد الإسلامي المصري مع أسامة بن لادن، وفي نيسان 2002، أصبح اسم التنظيم “قاعدة الجهاد”([1]). وفي العام 1996 أعلن أسامة بن لادن في فتوى له الحرب على المصالح الأمريكية، وفي الثالث والعشرين من شباط 1998 أعلن بن لادن بعد اجتماعه مع الظواهري وثلاثة من قادة الجماعات الإسلامية العالمية عن تشكيل “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين”، وأصدروا فتوى جاء فيها :” إن حكم قتل الأمريكيين وحلفائهم، مدنيين وعسكريين، فرض عين على كل مسلم في كل بلد متى تيسر له ذلك، حتى يتحرر المسجد الأقصى والمسجد الحرام من قبضتهم، وحتى تخرج جيوشهم من كل أرض الإسلام، مسلولة الحد كسيرة الجناح، عاجزة عن تهديد أي مسلم”([2]).
يعتبر الفلسطيني عبد الله عزام الأب الروحي لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ويستند فكر عبد الله عزام على نظرية الجهاد الإسلامي العالمي، والتي تقوم على اعتبار ان أساس قوة الإسلام العالمي يجب أن يتركز في أرض إسلامية واحدة، وأنه بالجهاد يمكن الانتصار على الكافرين المعتدين، وإقامة دولة الإسلام وتحريرها (أفغانستان)، وبعد ذلك الانتقال لأرض إسلامية أخرى توجد بها نفس الظروف (فلسطين)، حتى الوصول إلى تحرير جميع الأراضي الإسلامية، وإقامة الخلافة الإسلامية التي تبدأ من اندونيسيا في الشرق حتى المغرب، واسبانيا في الغرب. وحتى نصل إلى تحرير جميع الأراضي الإسلامية يمكن العمل على إنشاء – ولو مؤقتاً – الجهاد على أرض إسلامية سيكون مستقبلها التحرير (مثلاً في مصر والجزائر)، وأيضاً في دول تكون فيها المواجهات بين المسلمين المستضعفين أمام حكامهم المسلمين وغير المسلمين.
كان عبد الله عزام يميز في مذهبه الجهادي بين العدو القريب الذي يجب أن تتم مواجهته بالجهاد القريب، وهو هنا الحكام في البلدان الإسلامية، وبين العدو البعيد الذي يجب أن تتم مواجهته بالجهاد البعيد. غير أن أسامة بن لادن قدم الجهاد البعيد على القريب، أي مواجهة العدو البعيد الذي هو الولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي يدعي أنصار القاعدة أنهم هم الذين تسببوا بانهياره بعد الهزائم العسكرية في أفغانستان، ويرى اغلب الباحثين ان “السلفية الجهادية” تشكل الأساس الفكري لتنظيم القاعدة، وهي محاوله للتوفيق بين السلفية والحنبلية وفكر سيد قطب (الجهادي) والسرورية (والقائمة أيضا على محاوله التوفيق بين بعض أفكار الإخوان المسلمين والسلفية)، هذه المحاولة اتخذت نسقا فكريا يجمع بين الطابع العقدي السلفي والطابع السياسي القطبي.
بعد انتهاء القاعدة من القتال ضد السوفييت في أفغانستان، شهد التنظيم تطوراً نوعياً بزعامة أسامة بن لادن، الذي أطلق رؤيته الأيديولوجية انطلاقاً من الأحاديث النبوية الشريفة، حيث ينسب إلى النبي محمد قوله :”لا يجتمع في جزيرة العرب دينان”، والحديث “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب”. وعليه وجب على أفراد التنظيم محاربة الوجود الأمريكي والغربي في الجزيرة العربية، وبالتالي فقد تم التركيز على عمليات التنظيم داخل المملكة العربية السعودية، دون التطرق لبلاد الشام، لكن مقتل أسامة بن لادن وتولي الظواهري زعامة تنظيم القاعدة قلب الصورة، وأصبح القتال فرض عين في سورية. ومن المرجح أن يكون للظواهري علاقة بمصرع بن لادن لأن الأخير كان يركز على محاربة الأمريكان، في حين أن الظواهري يتجنب الخوض في هذا الموضوع، أي أن قتال الأمريكان لم يعد أولوية للقاعدة التي أصبحت جزءاً من الصراعات الداخلية العربية – العربية.
تشكلت السلفية الجهادية واكتملت مقومات قيامها العقدية والتنظيمية، بشكل كامل، أثناء مرحلة الجهاد الأفغاني، وفي صفوف العرب الأفغان بالخصوص الذين بدأوا نوعاً آخر من الجهاد، ألا وهو الصراع مع الحكام المسلمين. واستند تنظيم القاعدة في حربه ضد الحكام المسلمين إلى الأسس الأيديولوجية التالية:
- فتوى ابن تيمية المعروفة بـ ” فتوى التتار”، وهي فتوى أصدرها لأهالي ماردين، ويحضهم فيها على قتال الحكام المسلمين التتار من أتباع المذهب الشيعي (أحفاد تيمورلنك).
- التترس: أي جواز قتل المسلم، إذا تترس به الكافر، كأساس شرعي لتبرير بعض العمليات العسكرية التي يترتب عليها قتل المسلمين.
- مذهب وجوب قتال غير المسلمين (إطلاقاً). وقد استند تنظيم القاعدة الى المذهب القائل بأن الإسلام أوجب قتال غير المسلمين (إطلاقاً)، وغزو العالم لنشر الدعوة – وهو مذهب سيد قطب في تفسير سورة التوبة ومذهب تقي الدين النبهاني مؤسس “حزب التحرير” – إلى ذلك في قوله :(إن قول رسول الله عليه الصلاة والسلام وفعله يدل دلالة واضحة على أن الجهاد هو بدء الكفار بالقتال لإعلاء كلمة الله ونشر الإسلام) غير انه يربط هذا الجهاد بشرط قيام دوله الخلافة.
ثانياً: فلسفة التوحش وإدارة التوحش
يمكننا اختصار أسلوب عمل الجماعات الإسلامية التكفيرية الجهادية في السعي لإحداث مناطق فراغ سلطة أمني – سياسي وإداري. وهذه المناطق التي يتم القضاء فيها على سلطة الدولة تسمى مناطق (توحش)، ومن أجل الوصول إلى تحقيق هذا الهدف تتبع الجماعات المسلحة أسلوباً منهجياً من ثلاث مراحل:
أ ـ مرحلة التحضير، وهي مرحلة الإعداد الفكري والعقائدي بالاعتماد على الجوامع والدعاة الدينيين وأجهزة الإعلام.
ب ـ مرحلة الإنهاك، أو”الشوكة والإنهاك”، وهو أسلوب يعتمد في عمله على تكتيكات حرب العصابات الكلاسيكية، من حيث استنزاف القوى العسكرية والأمنية والسياسية، وخوض حرب بمستويات متعددة نفسية وعسكرية واقتصادية، مع نشر الذعر والخوف في القلوب عبر نشر أعمال قتل مروعة على الشبكة العنكبوتية وباقي وسائل الإعلام.
ومن أجل الوصول إلى حالة الفوضى والتوحش تعمد القوى المناهضة للدولة إلى([3]):
1 ـ اتباع استراتيجية عسكرية تهدف إلى تشتيت قوات الدولة وإنهاكها واستنزاف القدرات المالية والعسكرية.
2 ـ استراتيجية إعلامية تركز على فئتين من الناس. الفئة الأولى بهدف دفع أكبر عدد منهم للانخراط في الجهاد والتظاهر والفوضى، وهذه المجموعة تقدم الدعم الإيجابي للتمرد، أي التعاطف والانخراط المباشر، أو تقدم الدعم السلبي، أي تقديم حاضنة مجتمعية للجماعات المسلحة. والفئة الثانية هي فئة الجنود والضباط من أصحاب الرتب الدنيا لدفعهم إلى الانضمام للتمرد والفرار من الخدمة، وفي هذه المرحلة يقوم رجال دين وقادة التمرد بوضع خطة إعلامية تقدم تبريراً عقلياً وشرعياً للعمليات العسكرية المناهضة للدولة ( بالإطلاق)، خاصة لفئة الشعب “قليلة الثقافة والمعرفة”، وتفعيل عصابات الجريمة العادية. ويبررون إحداث حالة الفراغ الأمني بأن “التوحش وعدم الأمان بسبب العصابات أفضل شرعاً وواقعاً من سيطرة السلطات على الأوضاع ووضع الناس تحت المهانة في أقسام الشرطة والأمن وإجبارهم على قبول الكفر والتحاكم للقوانين الوضعية” ( كتاب ادارة التوحش ص 44). والمقصود بالكفر هو الشعور الوطني، وأما القوانين الوضعية فهي قوانين الدولة. والقانون الوحيد بنظر هذه الجماعات هو القانون الإلهي. وتستشهد الجماعات الجهادية بقول الشيخ المعتقل عمر محمود عمر الذي ورد فيه أنه لابد من “التنبيه على ضلال دعوة بعض قادة الحركات المهترئة بوجوب الحفاظ على النسيج الوطني أواللحمة الوطنية والوحدة الوطنية، فعلاوة على أن هذا القول فيه شبهة الوطنية الكافرة إلا أنهم لم يفهموا الطريقة السننية لسقوط الحضارات وبقائها”([4]).
وبخصوص المناطق التي لم تسقط تحت سيطرة الحركات الجهادية فإن قادة هذه الحركات يتبعون الخطوات التالية لإحداث مناطق توحش جديدة:
1 – الاستمرار في عمليات النكاية والإنهاك، أي استنزاف الدولة عبر التظاهر والأعمال العسكرية المحددة كالخطف والتفجيرات والقتل والقنص، واستهداف أتباع طائفة معينة تدعم الدولة بقوة للتأثير على روحها المعنوية.
2 – إنشاء شبكة دعم لوجيستي للمناطق المدارة بواسطة هذه الجماعات، كما حصل في حمص (بابا عمرو، واليوم في شمال حلب)، وغيره. والدعم اللوجيستي يقتضي إنشاء ممرات لتهريب السلاح والذخائر وتأمين المؤن والمستلزمات بالسرقة والنهب والسطو المسلح.
ج ـ مرحلة العمل العسكري المباشر. وفي هذه المرحلة تتم أعمال القتل بصورة وحشية (الذبح والتقطيع) من أجل بعث الرعب في قلوب الجند، والمدنيين الذين تشكك الجماعات الجهادية بولائهم، حيث كانت تقوم بأعمال الذبح والقتل المروع كي تسيطر على الجمهور (القطيع) بصورة مرعبة، وتدفعه للطاعة العمياء لها. وكان التركيز على الجمهور يهدف إلى تطبيق القاعدة التالية :”إن قولنا أن الشعوب في الرقم الصعب لا يعني أننا نعول عليها في حركتنا، فنحن أعلم أنه لا يعول عليها في الجملة بسبب ما أحدث الطواغيت في بنيتها. ومن لا يستجيب من العوام، ومتوقع أن يكونوا هم الكثرة، فدور السياسة الإعلامية هي الحصول على تعاطفهم أوتحييدهم على الأقل”([5]). وفي مرحلة العمل العسكري المباشر، تم استهداف منشآت اقتصادية وحيوية بهدف دفع قوات الجيش للتقوقع حول هذه الأهداف لحمايتها. وبنفس الوقت، قامت تقوم الجماعات الجهادية بتطوير استراتيجية إعلامية تستهدف القيادات الوسطى من الجيش لدفعهم للالتحاق بعناصر التمرد، وهنا يتم خطف ضباط من رتب متوسطة (مقدم، عقيد)، وإجبارهم على إعلان انشقاقهم عن الجيش، للتأثير على معنويات الآخرين. وعملية الخطف بحد ذاتها كافية للتأثير على معنويات الضباط والقادة الذين لم يخطفوا بعد.
ثالثاً: جبهة النصرة ودولة العراق والشام
المعلومات المتوفرة عن استراتيجية عمل القاعدة وأنسبائها شحيحة، لكن المصادر المطلعة تقول إن التنظيم اعتمد “خطة استراتيجية، أمدها 20 عاماً (2000-2020)، كانت قد انكشفت عام 2005. وقد تطور ذلك المخطط حتى الآن وفقاً لخطة [معينة]، وإن كان ذلك بسبب وجود قوى خارجية وهيكلية أكثر من جهود الجهاديين أنفسهم. ونتيجة لذلك، كانت الحركة في وضع جيد يؤهلها للاستفادة من التطورات الجديدة”([6]) المتعلقة بما يسمى الربيع العربي، والتي لم تفاجئ قيادة التنظيم. وتتألف خطة تنظيم القاعدة آنفة الذكر من خمس مراحل تبدأ عام 2003، وهي استناداً إلى المصدر السابق:
- المرحلة الأولى :”الإفاقة” (2000-2003). كان الهدف من هجمات 11/9 هو استفزاز الولايات المتحدة من أجل إعلان الحرب على العالم الإسلامي.
- المرحلة الثانية :”فتح العيون” (2003-2006). في هذه الفترة، كان يأمل تنظيم «القاعدة» أن يحوّل نفسه من منظمة إلى حركة أوسع نطاقاً، فضلاً عن نشر قاعدته إلى بلدان عربية أخرى. ووفقاً لهذه الخطة، يكون العراق مركز الجهاد لإعداد الكوادر للميادين المستقبلية.
- المرحلة الثالثة :”النهوض والوقوف على القدمين” (2007-2010). إن هذه المرحلة – والتي كانت ستشهد المزيد من التركيز على بلدان المشرق العربي، وعلى سورية على وجه التحديد، ولكنها شملت أيضاً شن هجمات على إسرائيل وتركيا والأردن – كانت فشلاً ذريعاً. فقد أُطلقت بعض الصواريخ على إسرائيل ولكنها لم تلحق أضراراً كبيرة، حتى مع قيام «حماس» بأعمال قمع شديدة ضد الجهاديين في غزة. وفي الأردن، نفّرت القضية الجهادية الأردنيين، وسُجن العديد من كبار أعضاء الحركة، في أعقاب التفجير الذي وقع في حفل زفاف في عمان عام 2005. وفي غضون ذلك، تم احتواء حملة إرهابية مدعّمة على مستوى منخفض ضد نظام الأسد في سورية وهزيمتها.
- المرحلة الرابعة :”استعادة العافية وامتلاك القوة القادرة على التغيير” (2010-2013). توقع تنظيم «القاعدة» بأن تشهد هذه الفترة الزمنية سقوط الأنظمة العربية الطاغية، فضلاً عن قيام أعمال الإرهاب السيبراني ضد الاقتصاد الأمريكي.
- المرحلة الخامسة :”إعلان الدولة” (2013-2016). يأمل تنظيم «القاعدة» بإقامة دولة إسلامية أوخلافة في السنوات الثلاث المقبلة، وذلك بفضل تراجع النفوذ الغربي في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى ضعف إسرائيل. وقد تم بالفعل تقلص نفوذ الولايات المتحدة والغرب في المنطقة، كما يتضح من عجز واشنطن في الآونة الأخيرة على صياغة الأحداث في مصر وسورية. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري كبير في المنطقة، فضلاً عن حفاظها على علاقاتها مع الدول العربية. ونظراً لعدم الاستقرار القائم في جميع أنحاء المنطقة، ضمنت إسرائيل لنفسها تفوقاً عسكرياً نوعياً أكثر مما تمتعت به من قبل.
جبهة النصرة تنتمي إلى تنظيم القاعدة مباشرة، وقد تم تشكيلها في وقت مبكر من العام 2012، كما يرى بعض الباحثين، وإن كان قد تأخر الإعلان عنها حتى شهر كانون أول 2012. وقد سبقتها دولة العراق الإسلامية التي أعلنت، عام 2006، بزعامة أبي مصعب الزرقاوي. وبعد مقتل الأخير في منطقة اليوسفية بالعراق، تولى أبو عمر البغدادي، الذي قتل هو ووزير دفاع دولته أبوحمزة في عملية للجيش العراقي، زعامة التنظيم، وورثه أبوبكر البغدادي. وقد بايع ابو عمر أسامة بن لادن على السمع والطاعة، وحتى هذا الوقت كان نشاط هذه المجموعة مرتبطاً بالقاعدة الأم، ومحصوراً داخل الأراضي العراقية. غير أن الأمور تغيرت نسبياً بعد تولي أبو بكر البغدادي زعامة التنظيم، لكن الحدث الأهم كان مصرع أسامة بن لادن زعيم القاعدة، مطلع أيار 2011، وخلفه أيمن الظواهري الذي تعود جذوره إلى السلفية الجهادية المنبثقة عن دعوة السيد قطب المعروفة. وبعيد توليه زعامة التنظيم، أصدر الظواهري فتاوى بدعم ما أسماه الثورة السورية، كما طلب حل دولة العراق والشام الإسلامية، وأعلن مؤخراً حل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، والذي كان يتزعمه أبو بكر البغدادي، في حين اقر بقاء جماعتي “دولة العراق الإسلامية” و”جبهة النصرة في الشام” كفرعين مستقلين يتبعان للقاعدة”([7]). ورفض البغدادي طلب الظواهري، وأعلن الاستمرار في ما أسماه الجهاد، وقال أبو بكر البغدادي في تسجيل صوتي بثته مواقع الكترونية تابعة للقاعدة، إن :”الرسالة التي نسبت الى الشيخ ايمن الظواهري لنا فيها مؤاخذات شرعية ومنهجية عديدة، وبعد مشاورة مجلس شورى الدولة الاسلامية في العراق والشام من مهاجرين وأنصار، ومن ثم احالة الأمر الى الهيئة الشرعية، اخترت أمر ربي على الامر المخالف له في الرسالة”. واضاف البغدادي :”هبوا يا أسود الدولة الاسلامية في العراق والشام، اشفوا غليل المؤمنين، ثبوا على الرافضة الحاقدين والنصيرية المجرمين وعلى حزب الشيطان والوافدين من النجف وقم وطهران”. وبدأ على الأراضي السورية والعراقية الصراع بين دولة العراق والشام الإسلامية وتنظيمي جبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية، وتعود مرجعية التنظيمين إلى الظواهري الذي يقاتل تنظيمه ضمن الخطة التي سبق ذكرها، غير أن الأجندة الخاصة بتنظيم دولة العراق والشام الإسلامية تركز على إقامة إمارة إسلامية في العراق والشام أولاً، وهي لا ترى نفسها معنية بالجهاد العالمي للتنظيم بالقدر الذي تتحمله جبهة النصرة وشقيقاتها القاعديات. وترى أوساط أمنية واستخبارية أن هذا التوجه يعود للمرجعية الداعمة للتنظيم والمتمثلة بالسعودية وتركيا. وتهدف الدولتان من إنشاء هذا التنظيم إلى خلق كيان سني يمتد من غرب العراق ( المثلث السني ) وصولاً إلى وسط وشمال سورية وأجزاء من شمال شرق الأردن. وهذه الدولة ستكون بمثابة دولة عازلة تفصل إيران عن المتوسط، وتمنع تدفق السلاح إلى حزب الله، وهو هدف إسرائيلي بالدرجة الأولى، كما تشكل كابوساً للأكراد الراغبين بالانفصال عن تركيا، وتبقى دويلتان هما: سورية بعد التقسيم الجزئي، والأردن، تفصلان التنظيم عن إسرائيل، وتتحاربان معه بصورة مستمرة. وبالتأكيد تشكل هذه الدولة المفترضة درعاً يحمي السعودية من مخاطر ما يسمى “التمدد الشيعي”، ويمكن تصديق هذه المزاعم استناداً إلى الخطاب السياسي والديني للتنظيم الدي يكفر حزب الله والشيعة عموماً دون أن يأتي على ذكر اليهود، على سبيل المثال. كما أن المعلومات المتوفرة لدينا من مصادر خاصة أفادت بقدوم البغدادي إلى منطقة الرقة في سورية، في شهر تموز من العام 2013، لإعلان إمارة إسلامية، لكنه توجه إلى تركيا بطلب من الأتراك. و”تؤكد تقارير الاستخبارات العراقية أن زعيم تنظيم “دولة العراق الإسلامية” أبوبكر البغدادي قد غادر العراق بصحبة قادته المتمرسين في القتال الميداني داخل المدن، صوب سورية، لمحاربة نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي يواجه انتفاضة مسلحة منذ أكثر من سنتين”([8]). ويعني ذلك دعماً تركياً على الصعيد السياسي والأمني للتنظيم. وتهدف تركيا إلى تحقيق عدة مكاسب بوقت واحد، وهي:
- إقامة دولة تؤمن لها الوصول الجيوبوليتيكي إلى الخليج ومصادر الطاقة، وتمكنها من مد أنابيب الغاز القطري إلى القارة الأوروبية عبر تركيا، وبنفس الوقت، منع إيران والعراق من مد أنابيب النفط والغاز إلى ساحل المتوسط الشرقي، وهنا تتلاقى المصالح الدولية والإقليمية.
- الحد من نفوذ إيران في المنطقة.
- استخدام الدولة المفترضة كعامل ضغط على الأكراد، ويعزز هذه الفرضية تكفير التنظيم للكرد واستباحة دمائهم وأموالهم.
- التخلص من مشكلة تقاسم مياه دجلة والفرات مع العراق وسورية. وعامل المياه سيحدد شكل الشرق الأوسط خلال العقود القليلة القادمة كما حدده عامل النفط مطلع القرن العشرين، وهنا ستمسك تركيا بهذه الورقة بصورة شبه كاملة.
أبو بكر البغدادي.. الواقع والأسطورة
من هو البغدادي؟ تقول مصادر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أن زعيم التنظيم هو([9]) أبو بكر القريشي الحسيني، من أحفاد عرموش بن علي بن عيد بن بدري بن بدر الدين بن خليل بن حسين بن عبد الله بن ابراهيم الأواه بن الشريف يحيى عزالدين بن الشريف بشير بن ماجد بن عطية بن يعلى بن دويد بن ماجد بن عبد الرحمن بن قاسم بن الشريف ادريس بن جعفر الزكي بن علي الهادي بن محد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والملاحظ أن الاسم الحقيقي لأبي بكر البغدادي لا يزال مجهولاً لأسباب معروفة، وبعض المصادر تقول إنه “إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري المولود عام 1971، يحظى بعدد كبير من الأسماء والألقاب :”علي البدري السامرائي”، ” أبودعاء “، “الدكتور إبراهيم”، “الكرار”، واخيراً “أبوبكر البغدادي”، هو خريج الجامعة الإسلامية في بغداد، درس فيها البكالوريوس والماجستير والدكتوراة، وعمل أستاذاً ومعلماً وداعية، ضليع بالثقافة الإسلامية، العلم والفقه الشرعي، ولديه إطلاع واسع على العلوم التاريخية والأنساب الشريفة”([10]). وفي الحالتين، هناك تأكيد على كنية البدري. وحسب العادات العراقية، قد يصبح اسم الجد القريب أو البعيد هو كنية الشخص، أو اسمه الثاني، وهنا قد يكون اسم الرجل ابراهيم البدري أو ابراهيم السامرائي أو الحسيني أو غيره، وحسب العادات العربية يكنى الشخص بأبي فلان لأسباب عديدة. حائز على شهادة الدكتوراه في الفقه الإسلامي، مارس التعليم الديني والخطابة في عدد من مساجد العراق، ومن ثم أصبح قائداً (أميراً) لعدد من المجموعات الجهادية في العراق إبان الغزو الأمريكي، وترقى لعضوية مجلس شورى المجاهدين، ومن ثم أصبح رئيساً للجان الشرعية والقضاء في الدولة الإسلامية في العراق، ثم أميراً لدولة العراق الإسلامية بمبايعة أصحابه.
الاستنتاجات
مما سبق عرضه نصل إلى الاستنتاجات التالية:
- القاعدة، وجبهة النصرة، وداعش، تنظيمات قتالية تعتبر أذرعاً لاستخبارات دولية وإقليمية، وعلى رأس الأجهزة المشغلة لها المخابرات المركزية الأمريكية.
- الصراعات بين هذه التنظيمات هي خلافات بين المشغلين والمستثمرين لها، في حين تدور العمليات العسكرية والغطاء الأيديولوجي لها بين المتطرفين والأشد تطرفاً.
- حصر عمل داعش في سورية والعراق أمر مرحلي من وجهة نظر قادة التنظيم، ومن المرجح تحوله نحو العالمية الجهادية كالقاعدة الأم.
- هزيمة القاعدة وشقيقاتها باتت مرجحة في سورية، وستترك هذه الهزيمة تداعيات كبيرة على الجوار السوري، حيث سيفر قادة التنظيم وكوادره إلى الدول المجاورة ليستأنفوا عملهم.
- الوهابية المستندة إلى أفكار ابن تيمية وابن القيم الجوزي هي منبع الفكر القاعدي، ويجب مواجهتها بعمل فكري ثقافي تنويري علماني لا ينكر دور الدين كعلم من العلوم الانسانية، وكجزء من الموروث الحضاري الثقافي للأمة، أي مواجهة الفكر بفكر مضاد، وبنفس الوقت، الاستمرار بالحرب على التنظيم بالمعنى العسكري والاستخباري.
Taleb11ibrahim@gmail.com
[1] ـ “تنظيم القاعدة: نشأته وأصوله الفكرية والمواقف المتعددة منه” بقلم: د. صبري محمد خليلأستاذ الفلسفة بجامعة الخرطوم
[2] ـ الويكيبيديا
[3] ـ كتاب ادارة التوحش ص 21 للمؤلف أبوبكر ناجي، نسخة الكترونية.
[4] ـ المصدر السابق ص 17.
[5] ـ المصدر السابق ص 21.
[6]ـ دراسة لهارون ي. زيلين وهوزميل ريتشارد بوروفي معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. للمزيد يمكن مراجعة:http://www.watanserb.com/
[7] ـ العراق للجميع – 18:00:37 2013-06-15
[8] ـ المصدر السابق.
[9] ـ كتاب مد الأيادي لبيعة البغدادي، لأبي همام بكر بن عبد العزيز الأثري، نسخة الكترونية صادرة عن موقع التنظيم.